انتهى العام الدراسي الماضي في سورية من غير أن يُكمل طلاب الصفوف الانتقالية تعليمهم، وذلك على خلفية انتشار وباء كورونا وتعذّر مواصلة العملية التعليمية عن بُعد، نظراً لانعدام أبسط الاحتياجات اللوجستية في المدارس والبيوت. واكتفت وزارة التربية في حكومة النظام بنقل جميع طلاب المراحل الانتقالية إلى الصفوف الأعلى من دون إجراء امتحاناتٍ نهائية، في حين قرّرت جهاتٌ الأخرى، مثل «مديرية التربية في إدلب الحرة»، التابعة لحكومة الإنقاذ، إعطاء الطلاب في الفصل الدراسي الثاني نفس علامات الفصل الأول.
ورغم أنّ مختلف المناطق السورية الخاضعة لسيطرة قوىً مختلفة قد شهدت عمليةً امتحانية لطلاب الشهادتين الأساسية والثانوية، إلا أنّ المناطق الواقعة في إدلب، والتي تتبع تعليمياً إلى حكومة الإنقاذ التابعة لهيئة تحرير الشام، لم تُصدر حتى اللحظة نتائج الامتحانات التكميلية لطلاب الشهادة الثانوية، بسبب خلافاتٍ مُتعلقة بالحقوق المالية لمُصحّحي الأوراق الامتحانية.
أما بداية العام الدراسي الحالي 2020/2021 في مختلف مناطق البلاد، فلم تكن بحالٍ أفضل مما انتهى عليه العام الفائت، ورافقتها العديد من المشاكل، أبرزها اللوجستية، لا سيّما في ظلّ انتشار فيروس كورونا وما يستدعيه من احترازاتٍ وقائية لا بدّ من اتّباعها.
مناطق سيطرة النظام
بعد تأجيلٍ استمرّ لأسبوعين، افتُتحت أمس الأحد جميع المدارس في المناطق التي يسيطر عليها النظام. وأسوةً بمختلف أنحاء البلاد، كانت أولى المشاكل التي رافقت بداية العام الدراسي الحالي في هذه المناطق هي قلة أعداد المدارس مقارنةً بأعداد الطلاب، نتيجة حجم الدمار الكبير الذي لحق بها خلال الأعوام الماضية وتحويل بعضها إلى مقارّ عسكرية ومراكز إيواءٍ للنازحين.
ورغم أنّ هذه المشكلة ليست جديدةً على السوريين، إلا أنها تكتسب خصوصيتها هذا العام من مخاوف الأهالي من انتشار وباء كورونا على نحوٍ واسعٍ في البلاد، كون غالبية الأطفال من حاملي الفيروس لا تظهر عليهم الأعراض، وقد ينجم عن انتقال العدوى بينهم نتيجة الازدحام في المدارس وانعدام القدرة على تطبيق إجراءات التباعد تفشّي الفيروس على نحوٍ واسع بين الفئات العمرية الأكبر سنّاً.
هذه المخاوف هي التي دفعت عميد كلية الطب البشري في جامعة دمشق نبوغ العوّا إلى مطالبة وزير التربية في حكومة النظام، دارم الطباع، بتأجيل التحاق الطلاب من الصف الأول إلى الصف السادس بالمدارس؛ لأنّه من الصعب معرفة إذا ما كانت هذه الفئة العمرية حاملة للفيروس أم لا نتيجة غياب الأعراض، غير أنّ الوزير استغرب طلب عميد الكلية، في حين لم يُغلق العوّا المشافي والكلّية التي يُشرف عليها تجنّباً لتفشّي الفيروس! واكتفى الوزير الطبّاع، خلال مؤتمرٍ صحفي رفقة مسؤول اليونيسيف بدمشق، بمطالبة الأهالي بقياس درجة حرارة أولادهم قبل إرسالهم إلى المدارس.
ومن خلال حديثنا إلى الأهالي في مدينة دمشق، قالوا للجمهورية إنّ يوم أمس الأحد لم يشهد إجراءاتٍ حقيقية في مدارس المدينة من أجل الوقاية، وجلّ ما حصل هو أنّ قسماً من الأهالي زوّدوا أولادهم وبناتهم بكمامات وعبوات مياه وسوائل للتعقيم، في حين أنّ الصفوف ظلت مُكتظةً بقرابة خمسين طالباً على الأقل في القاعة الواحدة، بينما اقتصر توزيع الطلاب إلى فوجين صباحي ومسائي على مدارس قليلة.
بدورها، نقلت صفحاتٌ إخبارية صوراً من جولة قام بها، يوم أمس، وزير التربية دارم الطباع إلى عددٍ من المدارس في ضاحية الأسد بريف دمشق، أعطت انطباعاً بأنّ مدارس سوريا هي الأفضل استعداداً للعام الدراسي ولمواجهة فيروس كورونا حول العالم، غير أنّ الأهالي يقولون في تعليقاتهم على هذه الصور إنّهم يتمنّون على أرض الواقع لو كان باستطاعة التلاميذ الحصول فقط على المياه النظيفة لغسل أيديهم بشكلٍ متكرّر.
مناطق سيطرة الإدارة الذاتية
في محافظة الحسكة، لم تُفتتح جميع المدارس في نفس التوقيت، ففي حين استقبلت المدارسُ الحكومية الواقعة في المربعات الأمنية بمدينتي الحسكة والقامشلي، فضلاً عن المدارس الخاصة، الطلابَ اعتباراً من أمس الأحد، قرّرت الإدارة الذاتية تأجيل افتتاح المدارس التابعة لها في مناطق سيطرتها حتى الرابع من شهر تشرين الأول (أكتوبر) القادم.
وكحال مناطق سيطرة النظام في مختلف المحافظات السورية، كان الاكتظاظ هو أبرز معالم اليوم الدراسي الأول في محافظة الحسكة، لكنّه أكبر مما هو عليه في المحافظات الأخرى. ويعود سبب ذلك إلى نقل جلّ الأهالي لأولادهم إلى المدارس الحكومية القليلة في المناطق التي يسيطر عليها النظام؛ لأنّ المدارس التابعة للإدارة الذاتية تُعلّم بمناهج غير معترف بها رسمياً، وبالتالي ليس بمقدور الطلاب إكمال تعليمهم على نحوٍ يسمح لهم بالحصول على الشهادات. وعليه فإنّ بعض المدارس الحكومية، مثل مدرسة زهدي حنّا بمدينة الحسكة، تستقبل، في الحدود الدنيا، أكثر من خمسين طالباً في الصف الواحد، ويحصل الطلاب فيها على تعليمهم جالسين على الأرض داخل كرڤانات، وفق ما أخبرنا به والد أحد تلاميذ المدرسة.
ورغم وجود مدارس خاصة في محافظة الحسكة، تتبع عموماً للكنائس وتُدرّس وفق مناهج النظام والأعداد فيها أقل بكثير من أعداد الطلاب في المدارس الحكومية، فإنّ تسجيل الطالب من غير أبناء الطائفة في هذه المدارس يحتاج واسطةً من العيار الثقيل، وهو ما يفتقده معظم الساكنين في المحافظة التي تضمّ أعداداً كبيرةً من النازحين. كما ارتفعت رسوم التسجيل في هذه المدارس من 70 ألف ليرة سورية في العام الفائت، إلى مبلغٍ يتراوح بين 175 و200 ألف ليرة مع بداية العام الحالي. اللافت هو ما يخبرنا به الأهالي الذين تحدثنا إليهم عن أنّ قياداتٍ في الإدارة الذاتية، المُصرّة على التدريس باللغة الكردية ووفق مناهجها التي أدّى فرضها إلى موجةٍ من الاحتجاجات، قد سجّلت أولادها في المدارس الخاصة والحكومية؛ حتى لا يُحرموا من مواصلة تعليمهم.
مناطق الشمال الغربي الخارجة عن سيطرة النظام
بدأ يوم أمس الأحد، وبشكلٍ جزئي، العام الدراسي في مدن وبلدات ريف حلب الشمالي الواقعة تحت النفوذ التركي والمرتبطة تعليمياً بالحكومة التركية، غير أنّ البداية اقتصرت فقط على طلاب الصفين الأول والثاني الابتدائي ورياض الأطفال، في حين تقرّر إرجاء دوام بقية الصفوف إلى وقتٍ لاحق كخطوةٍ وقائية خوفاً من انتشار فيروس كورونا.
أما في مدينة إدلب وأريافها، التي تُشرف على العملية التعليمية فيها هيئة تحرير الشام، فكان من المُقرّر افتتاح المدارس بداية الأسبوع الماضي، إلا أنّ ذلك تأجّل إلى مطلع هذا الأسبوع؛ نتيجة الخوف من انتشار فيروس كورونا وتجدّد قصف النظام لقرى وبلدات في ريفي إدلب الجنوبي والشرقي، وفق ما صرّح به مدير مكتب الإعلام في المديرية مصطفى حاج علي لراديو الكل. أمّا عن أبرز المشاكل التي تعوق العملية التعليمية في هذه المناطق، فضلاً عن المخاوف من فيروس كورونا، يشير حاج علي إلى أنّها تتلخّص في الحاجة إلى الكتب وترميم والمدارس، لا سيّما في ظلّ ضعف الموارد نتيجة توقّف الدعم الأوروبي لقطاع التعليم في الشمال السوري منذ قرابة عام.
الحالة الاقتصادية كعقبة أساسية
عند الحديث عن أيّ استحقاقٍ أساسي يستدعي إنفاق المال، لا بدّ لنا من التذكير بأنّ حوالي 85% من السوريين المقيمين داخل البلاد يعيشون تحت خط الفقر، وهم بحاجة للمساعدة الطارئة، وذلك بحسب ما تقوله الإحصاءات الأممية. لذا ترافقت بداية العام الدراسي الحالي، كما هو الحال طيلة السنوات الماضية، مع أزمةٍ تعيشها كل أُسرةٍ سورية في تأمين احتياجات التلاميذ للالتحاق بمدارسهم. ولأنّ العام الفائت قد شهد انخفاضاتٍ متكرّرة لقيمة العملة السورية وبالتالي ارتفاعاً في الأسعار نتيجة اعتماد البلاد على استيراد النسبة العظمى من الاحتياجات الأولية، فإنّ أسعار القرطاسية والملابس المدرسية ارتفعت بشكلٍ كبير.
ويقول أحد أصحاب المكتبات في مدينة حلب خلال حديثٍ مع الجمهورية: «إنّ سعر الحقيبة المدرسية الرديئة يتراوح بين عشرة آلاف وعشرين ألف ليرة سورية، أما الحقائب الجيدة فأسعارها تبدأ من عشرين ألف ليرة، وهذا الرقم يعادل تقريباً ثلث راتب الموظف الحكومي. وبالنسبة لأسعار الدفاتر، فهي تتراوح بين 600 ليرة و3300 ليرة سورية» (الدولار الواحد يعادل 2160 ليرة سورية وفق تسعيرة صباح اليوم في السوق السوداء). ويضيف التاجر بأنّ الدفتر الذي كان يبيعه في العام 2011 بمبلغ 15 ليرة سورية صار سعره اليوم 800 ليرة، بينما تُباع أرخص أنواع أقلام الحبر الناشف بمبلغٍ يتراوح بين 300 و400 ليرة سورية.
وعند سؤالنا لإحدى السيدات المُقيمات في مدينة الحسكة عن احتياجات أولادها للالتحاق بالمدارس، أجابت: «احتياجاتنا كثيرة وإمكانياتنا بسيطة. إنّ سعر القميص المدرسي لوحده قد بلغ 17 ألف ليرة، ورغم أنّ وزير التربية صرّح بأنّ الوزارة قد عمّمت إلى المدارس بأن تغضّ الطرف عن مدى التزام الطلاب باللباس المدرسي، عاد أولادي من يومهم الأول في المدرسة وقد طُلب إليهم الدوام بالثياب المدرسية كاملة: حتى الفولار والطاقية».
وتضيف السيدة: «أيّ طفل بحاجة إلى بنطال جديد مع بداية السنة الدراسية، وأرخص الأنواع لا يقلّ سعره عن 10 آلاف ليرة، بينما يتراوح سعر الصدرية بين 15 و20 ألف ليرة. كنّا سابقاً نعتمد على البالة، لكنّها هي الأخرى صارت تبيع بأسعار مرتفعة؛ بحدود نصف قيمة الملابس الجديدة تقريباً. نحن الآن بانتظار إذا ما كانت الجمعيات الإغاثية أو اليونيسيف سيقومون بتوزيع بعض الاحتياجات الضرورية للطلاب، فمن دون ذلك لن يكون بمقدورنا تأمينها».
يتّفق مالك إحدى المكتبات في مدينة القامشلي مع ما تقوله السيدة، ويخبرنا أنّ «إحدى الزبونات جهّزت طفلَيْها بعددٍ من الدفاتر والأقلام وأدوات الرسم وفق الحدود المعقولة، فبلغت فاتورتها 55 ألف ليرة، رغم أنّها خرجت من محلّه بكيسٍ صغير». وعن دور منافذ بيع السورية للتجارة في بيع القرطاسية، يقول التاجر: إنّ أسعارها في محافظة الحسكة أكثر ارتفاعاً من أسعار المكتبات، ذلك أنّها لا تُزوّد ببضائع من وزارة التجارة الداخلية أو عبر الشراء من المستوردين مباشرةً، كما هو الحال في دمشق وحلب مثلاً، إنما هي تشتري البضائع من المكتبات الموجودة في المحافظة وتُعيد بيعها للناس. يتوهّم الأهالي بأنهم سيجدون في صالات السورية للتجارة بضائع أقلّ سعراً، ولكنّهم يُصدمون حين يرون الأسعار».
يُظهر واقع التعليم في سوريا مع بداية السنة الدراسية الجديدة، على المستويات التنظيمية والوقائية والاحتياجات الاقتصادية المُتعذّرة، مقدار البؤس الذي تعيشه البلاد منذ سنين عديدة. ولكنّ الأمل في جيلٍ متعلّم يبقى قائماً رغم كلّ العيوب والعقبات التي تواجه العملية التعليمية، لكنّ ذلك الأمل لا يلغي بطبيعة الحال حقيقة أنّ عشرات الألوف من الأطفال السوريين صاروا غير معنيّين ببداية العام الدراسي، فهم محرومون من التعليم لظروفٍ شتّى.
المصدر: الجمهورية.