
مع تسارع التحولات في المشهد السوري، تعود “قوات سوريا الديمقراطية” إلى واجهة الجدل المحلي والإقليمي، لكن هذه المرة من بوابة غير تقليدية، تتداخل فيها الحسابات الإسرائيلية والإيرانية.
فهل تحاول قسد الخروج من عزلتها السياسية عبر إسرائيل؟ أم أن تل أبيب توظّفها ظرفيًا في معركة أوسع لإعادة رسم التوازنات السورية؟ والأهم: هل تملك قسد أصلًا القدرة الواقعية على لعب هذا الدور، أم أن ما يجري لا يتجاوز حدود المناورة الإسرائيلية؟
وسعت قسد من رقعة تحركاتها السياسية والعسكرية، معولة على دعم أميركي، وحضور إسرائيلي نشط في خلفية المشهد.
رفع مظلوم عبدي من منسوب نبرته في الحديث عن الحقوق القومية للأكراد، معلنا أن “سوريا ليست عربية فقط.. نطالب بدستور يقرّ بوجود شعب كردي موحّد وله حقوق واضحة”. لكنه بعد أشهر، زاد سقف التحدي وجاهر بما يدور في باطن عقله، وهو يكشف النقاب عن مطلب “كونفدرالية كردية إقليمية” .
يقول عبدي اليوم وهو مستقوٍ بالسلاح الأميركي: “لن نقبل بالعودة إلى المركزية القديمة.. مشروعنا في شرق الفرات أصبح أكثر وضوحًا”، لكنه يعتمد أيضًا على نتنياهو حامي الأقليات في المنطقة، حيث تطالب قيادات تنظيمه بتواجد الشريك الإسرائيلي أمام الطاولة السورية.
خيب عبد الله أوجلان آمال قسد من خلال الانفتاح على أنقرة ودعوتها لإبعاد آلاف العناصر والكوادر غير السورية التي تقاتل إلى جانبها. لكن الحديث عن تحرك باتجاه قيادات سياسية وحزبية لبنانية بينها حزب الله، وعن فتح خط إمداد إيراني للحزب عبر مناطق سيطرة قسد، وخط تنسيق عسكري ولوجستي آخر مع السويداء بالتنسيق مع تل أبيب، هو أكثر إثارة وتشويقًا.
لا يمكن الاستخفاف بما أورده تقرير مركز “ألما” الإسرائيلي حول إمكان أن يؤدّي العداء المشترك للنظام السوريّ الجديد، إلى التقريب بين قسد وحزب الله .
تقول الإعلامية إيمان شمص في موقع ” أساس ميديا ” أنه بحسب هذا التقرير، سعى ممثّلو “قوّات سوريا الديمقراطيّة” إلى تعزيز علاقاتهم مع حزب الله اللبناني”، الأمر الذي أفضى إلى عقد اجتماع سرّيّ في بيروت، ضمّ مسؤولين أكراداً رفيعي المستوى وممثّلين عن الحزب، يتقدمهم رئيس دائرة العلاقات الدوليّة في المجلس السياسيّ عمّار الموسوي.
هناك عشرات الآلاف من المقاتلين ” ينتظرون الضوء الأخضر لإقتحام العاصمة السورية ” كما يردد البعض في صفوف قسد. هي تستقوي بتل أبيب هذه المرة للدفاع عن المصالح المشتركة ولموازنة النفوذ السوري والتركي؟ وبعدما قررت واشنطن الانحياز إلى جانب القيادة السورية الجديدة.
خيب عبد الله أوجلان آمال قسد من خلال الانفتاح على أنقرة ودعوتها لإبعاد آلاف العناصر والكوادر غير السورية التي تقاتل إلى جانبها. لكن الحديث عن تحرك باتجاه قيادات سياسية وحزبية لبنانية بينها حزب الله، وعن فتح خط إمداد إيراني للحزب عبر مناطق سيطرة قسد، وخط تنسيق عسكري ولوجستي آخر مع السويداء بالتنسيق مع تل أبيب، هو أكثر إثارة وتشويقًا.
نترك جانبًا تصريحات المسؤولين الإسرائيليين للصحيفة الأميركية “واشنطن بوست” حول أن قسد دربت مقاتلين دروز، بينهم نساء، في المناطق الكردية شمال شرقي سوريا، ولا يزال هذا التدريب مستمرًا. نذهب إلى خبر آخر أوردته الصحيفة بعد ساعات على التصعيد الأمني في مدينة حلب، نقلاً عن مسؤولين إسرائيليين: “تسعى تل أبيب إلى التأثير في مسار التطورات في سوريا عبر استهداف التماسك الوطني السوري، وبما يعقد جهود الرئيس الشرع لتوحيد البلاد. بعض الجهات في المؤسسات الأمنية الإسرائيلية حولت مبالغ إلى قيادي درزي عبر قسد، التي دفعت نحو نصف مليون دولار بشكل منفصل إلى المجموعة الدرزية المسلحة المعروفة باسم المجلس العسكري”.
من الممكن قبول الحديث عن تكثيف قسد لتحركاتها واتصالاتها في لبنان والسويداء، والتقاء مصالحها مع إسرائيل ضد دمشق وأنقرة بتشجيع بعض العواصم المتضررة. لكن ما لا يقبله العقل والمنطق أن تقرب قسد بين مصالح حزب الله وإسرائيل، في مواجهة حراك بناء سوريا الجديدة، وهي تجدد تمسكها بعدم مغادرة طاولة العاشر من آذار. مرة عدو عدوي صديقي، ومرة أخرى عدو صديقي عدوي، ومرة ثالثة صديق صديقي.. صديقي .
يقرب التقاء المصالح بين قسد وتل أبيب والسويداء برعاية فرنسية–إسرائيلية. لكن أن تتواصل هذه المجموعات مع طهران، وتعرض نقل السلاح إلى حزب الله عبر الأراضي السورية بمساهمة الميليشيات العراقية وبشراكة السليمانية لتوريط دمشق وتركها في مواجهة مع الجانب الأميركي، فهو سيناريو لا يحتمله حتى أبطال نظرية المؤامرة أنفسهم.
تفسير الباحث الإسرائيلي تال بئيري لما يجري مهم هنا: “التغييرات السياسية المتسارعة التي تشهدها سوريا، أفضت إلى ظهور قنوات تواصل جديدة وغير متوقعة بين جهات فاعلة كانت تقليديًا تقف على طرفي نقيض في الخريطة الإقليمية “. لكن أن تكون قسد شريكًا لتل أبيب في إطار محاولة توسيع هامش تحركها السياسي خارج الجغرافيا السورية، عبر التواصل مع إيران والحشد الشعبي وحزب الله دفعة واحدة فهو ما ترفع له القبعة!
عند التقاء مصالح البعض في مواجهة التنسيق الثلاثي الأميركي–التركي–السوري، فلا حاجة لطرح سؤال من يخطط لمن: تل أبيب لقسد أم قسد لتل أبيب أم طهران لكليهما للرد على هذا التنسيق الثلاثي؟
تتحدث صحيفة “معاريف” الإسرائيلية عن مقابلة مع اللواء اليوناني المتقاعد كونستانتينوس كوسانتاس، يتوقف فيها عند انتقال المحور الجيوسياسي الثلاثي الإسرائيلي–اليوناني–القبرصي في شرق المتوسط من مرحلة التنسيق السياسي إلى ما وصفه بـ”مرحلة التنفيذ العملياتي”.
الغرابة ليست حول الأنباء التي كشفت عنها وسائل إعلام عبرية مثل “معاريف” و”يديعوت أحرنوت”، بل في توقيت تحريك توقيع اتفاقية ترسيم الحدود البحرية اللبنانية–القبرصية وتجول كوادر قسد في العاصمة اللبنانية بيروت.
يرى تقرير مركز “ألما” أنّ الضرورات الاستراتيجية قد تدفع قسد إلى استكشاف مسارات دبلوماسية غير تقليدية وغير مباشرة، إذا ما تبيّن أنّ ذلك يخدم مصالحها الآنية. لكن هناك من يخطط بطابع استراتيجي أوسع لتضييق الخناق على تركيا وسوريا في الإقليم يجمع: بين مصالح إسرائيل واليونان وقبرص اليونانية باتجاه بناء قوة أمنية مشتركة في شرق المتوسط، ، ويسارع للتقريب بين لبنان وقبرص اليونانية في ترسيم الحدود البحرية على مرأى ومسمع حزب الله، ويوحد جغرافيا شمال العراق وشرق سوريا وجنوبها باتجاه الداخل اللبناني فوق الأرض وبجهود كورية من تحتها.
يردد وزير الخارجية التركي هاكان فيدان أن الداعم الرئيسي، وربما الوحيد، لقسد هي إسرائيل، لكن المسألة أكبر من ذلك. فمظلوم عبدي، الذي يقول أنه جاهز لمحاورة أنقرة، يقول أيضا إن الحديث عن الكونفدرالية الكردية في الإقليم حان وقته، وأن العام المقبل سيحمل الكثير من المفاجآت.
يعيدنا ما يقوله عبدي اليوم قليلاً إلى الوراء مع إلهام أحمد، “الرئيسة المشتركة لدائرة العلاقات الخارجية بالإدارة الذاتية” في شمال شرق سورية، وهي تقول في مقابلة مع صحيفة “جيروزاليم بوست” إن حل الأزمة في سورية والمنطقة يتطلب مشاركة إسرائيل، وأن أميركا ارتكبت خطأ في إزالة “هيئة تحرير الشام” من قوائم الإرهاب ورفع العقوبات الأميركية عن سورية.
ما يُسوّق اليوم حول تحولات كبرى في تموضع قوات سوريا الديمقراطية يبدو أقرب إلى تضخيم سردي منه إلى مسار سياسي متماسك. فالتقاء النتائج لا يعني وحدة المشروع، والضجيج الإعلامي لا يصنع وقائع ميدانية. فقسد لا تملك القدرة الواقعية على الانتقال من موقع اللاعب الوظيفي إلى صانع محاور إقليمية، فيما يعكس التقاء المصالح الظرفي مع إسرائيل لحظة ضغط سياسي أكثر مما يؤسس لشراكة مستدامة.
الاستقواء بإسرائيل، التي بات معروفًا ما تريده لسوريا وفيها، لا يصنع مشروعًا سياسيًا قابلًا للحياة، ولا يحوّل التقاطعات المؤقتة إلى خيارات استراتيجية طويلة الأمد. فموازين القوة والتوازنات المحلية والإقليمية ،تبقى العامل الحاسم في رسم المسارات ، وليس العناوين الصاخبة ولا محاولات القفز فوق الواقع.
لم يتبق سوى أن تعلن قسد، كما فعل طلال عامر الناطق باسم “قوات الحرس الوطني في السويداء” “نحن فخورون بتحالفنا مع إسرائيل “!
المصدر: تلفزيون سوريا






