هل سحب التحالف الدولي ورقة مكافحة داعش من قسد لصالح دمشق؟

باسل المحمد

شكّل ملف قتال تنظيم “داعش” وإدارة سجونه الحجر الأساس لوجود قوات سوريا الديمقراطية “قسد”، والذريعة التي منحتها شرعية دولية ورصيدًا سياسيًا على الساحة السورية خلال سنوات الحرب. فعبر هذا الدور، تحولت “قسد” من فصيل محلي ناشئ إلى شريك رسمي للتحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة، تحت راية الحرب على الإرهاب.
لكن بعد سقوط النظام المخلوع، ووصول إدارة الرئيس ترمب إلى البيت الأبيض، بدا واضحاً أن الولايات المتحدة تعيد تموضعها في الملف السوري، لكن هذه المرة من بوابة دمشق لا من بوابة قسد.
وبدت مؤشرات هذا التموضع والدعم واضحة من خلال رفع عقوبات قيصر، وانضمام سوريا إلى التحالف الدولي لمحاربة داعش، ودعوة الحكومة السورية لإدارة سجون ومخيمات تنظيم داعش، إلى جانب البدء بعمليات عسكرية مشتركة بين الجيش السوري والقوات الأميركية، وما زاد من زخم التحول التصريحات الأميركية التي تكررت مراراً على لسان المبعوث الأميركي إلى سوريا توم براك بضرورة دمج “قسد” في بنية الجيش السوري الجديد.
هذه التطورات المتسارعة تُعيد رسم ملامح المشهد الأمني في شمال شرقي سوريا، وتطرح السؤال التالي: هل أصبحت الحكومة السورية اليوم هي الجهة الوحيدة المخوّلة بإدارة ملف مكافحة الإرهاب؟ وهل نشهد نهاية مرحلة “قسد” بوصفها الشريك المفضل للغرب في هذا الملف؟ أم أن الانكفاء الأميركي عنها لا يزال تكتيكيًا بانتظار اختبار النوايا في دمشق؟

عمليات متزايدة بين دمشق والتحالف الدولي
لم يبق التعاون بين الحكومة السورية والتحالف الدولي في خانة التصريحات السياسية، بل سرعان ما تُرجمت المؤشرات إلى عمليات عسكرية فعلية، واسعة النطاق، تشير بوضوح إلى أن واشنطن باتت ترى في دمشق شريكًا ميدانيًا فعّالًا في الحرب على الإرهاب.
وفي المقابل أخذت الحكومة السورية تؤدي أدوارا ميدانية كانت حتى وقت قريب حكرا على قسد، لتصبح على نحو متسارع رأس الحربة الجديد في مواجهة تنظيم “داعش”.
ففي تموز الفائت، كشفت وسائل إعلام عن عملية إنزال جوي دقيقة نفذها التحالف الدولي، بالتنسيق مع وحدات من الجيش السوري وقوى الأمن الداخلي، في مدينة الباب بريف حلب الشرقي، وأسفرت العملية وقتها عن مقتل أربعة مطلوبين، واعتقال قيادي عراقي بارز في تنظيم “داعش” وعدد من مرافقيه.
وبعد هذه العملية النوعية، بدأت سلسلة من العمليات المماثلة بالتصاعد في مناطق عدة، لا سيما في ريف دمشق والبادية السورية. وفي هذا الإطار، أعلنت القيادة المركزية الأميركية (سنتكوم) أن القوات الأميركية، بالتعاون مع شركاء محليين، نفذت قرابة 80 عملية عسكرية ضد تنظيم داعش منذ تموز الماضي.
وأكد قائد “سنتكوم”، الأدميرال براد كوبر، أن التعاون مع وزارة الداخلية السورية مكّن القوات الأميركية خلال الشهر الفائت من تحديد وتدمير أكثر من 15 موقعًا لتخزين الأسلحة تابعة للتنظيم جنوبي البلاد. كما كشفت “سنتكوم” عن تنفيذ عملية مشتركة واسعة بين 24 و27 تشرين الثاني/نوفمبر، تم فيها تدمير مستودعات ذخيرة لتنظيم “داعش” في ريف دمشق، عبر ضربات جوية وتفجيرات ميدانية أشرف عليها خبراء هندسة عسكريون.
إلا أن ذروة هذا التنسيق جاءت في منتصف كانون الأول، حين أطلقت الولايات المتحدة عملية عسكرية واسعة النطاق ضد مواقع تنظيم “داعش” تحت اسم “ضربة عين الصقر”، وذلك ردًا على مقتل جنديين أميركيين في هجوم وقع قرب مدينة تدمر.
اللافت أن البيت الأبيض أعلن أن الحكومة السورية “تؤيد بشكل كامل” هذه العملية، بل إن الرئيس دونالد ترمب أثنى في خطاب له على القيادة السورية، قائلًا إنها “بقيادة رجل يعمل جاهدًا لإعادة المجد لسوريا”.
في هذا السياق، نقلت شبكة “فوكس نيوز” عن مسؤول أميركي أن الولايات المتحدة نفذت عشر عمليات عسكرية مشتركة مع الحكومة السورية خلال الأيام التي تلت هجوم تدمر، وهو رقم غير مسبوق من حيث الكثافة والتنسيق مع السلطات في دمشق.
وفي مقابلة مع صحيفة “واشنطن بوست” الأميركية، تطرق الرئيس السوري أحمد الشرع إلى مواجهات السلطات الجديدة مع تنظيم “داعش”، وقال: كنا في حرب مع التنظيم لمدة 10 سنوات، وكانت حربا صعبة وشاقة، وفعلنا ذلك من دون تنسيق مع قوة غربية أو أي دولة أخرى. سوريا اليوم قادرة على تحمل هذه المسؤولية.

شريك شرعي في مكافحة الإرهاب
يبدو واضحاً من خلال ازدياد نسبة العمليات المشتركة والتنسيق الأمني بين دمشق والتحالف الدولي، أن واشنطن تسعى إلى التعامل مع جهة حكومية معترف بها دوليًا في ملف مكافحة الإرهاب، بدلًا من استمرار الاعتماد على قوة غير رسمية كـ”قسد”، لا تحظى بشرعية سيادية.
الباحث الأمني عمار فرهود يرى أن توقيع الحكومة السورية رسميًا على الانضمام إلى التحالف الدولي ضد “داعش”، وبدئها تنفيذ عمليات أمنية وعسكرية ضد خلايا ومواقع تابعة للتنظيم، جعل منها “شريكًا أساسيًا” في جهود مكافحة الإرهاب، ويضيف في تصريح لموقع تلفزيون سوريا:
لم يعد بإمكان قسد احتكار هذا الملف أو استخدامه كرافعة سياسية، بعدما أصبح بيد الدولة، فما يجري هو تمهيد تستطيع الحكومة أن تبني عليه لتكون الشريك الأساس – وربما الوحيد – في هذا الملف، بصفتها كيانا شرعيا يمثل الدولة، على عكس قسد التي تبقى حالة “ما دون الدولة”.
هذا التحليل يتقاطع مع ما جاء في دراسة صادرة عن معهد الشرق الأوسط للدراسات بتاريخ 27 تشرين الأول الماضي، والتي تناولت تداعيات انضمام سوريا إلى التحالف الدولي. وأشارت الدراسة إلى أن هذه الخطوة تحمل مكاسب إستراتيجية لدمشق، ليس فقط على المستوى الأمني، بل السياسي أيضًا، إذ تمنحها شرعية دولية كشريك في الحرب على الإرهاب، وتُضعف في المقابل موقع “قسد” التي كانت تُقدَّم بوصفها الشريك المحلي الوحيد للتحالف.
واشنطن تدفع قسد نحو الحكومة السورية
تشير معلومات حصل عليها موقع تلفزيون سوريا إلى أن التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة يتجه لدفع “قسد” للتنسيق الأمني مع الحكومة السورية، لضمان تقليص الثغرات التي تتيح لخلايا “داعش” النشاط في سوريا.
وترغب واشنطن بتفعيل العمل المشترك بين قوات مكافحة الإرهاب التابعة لـ”قسد”، والاستخبارات السورية، بالإضافة إلى توفير تنسيق ميداني بين مجلس دير الزور العسكري والحكومة السورية.
وتعكس هذه الخطوة الأميركية تركيزاً أكبر على ضبط الواقع الأمني في سوريا، في ظل وجود تعثر بمسار المفاوضات بين “قسد” والحكومة السورية بخصوص عملية الاندماج.
وفي هذا السياق، يرى الباحث السياسي علي تمي أن الحكومة السورية اتبعت مع “قسد” سياسة النفس الطويل وبرودة الأعصاب، وتمكنت بهدوء من سحب البساط من تحت أقدامها، خصوصًا بعد انضمام دمشق إلى التحالف الدولي، وما تبعه من توثيق غير مسبوق في التنسيق مع واشنطن. وقال في حديثه لموقع تلفزيون سوريا: عملية يوم أمس ليست مجرد إنزال أمني، بل أكبر دليل على هذا التحول العميق في قواعد اللعبة.
ويذهب تمي أبعد من ذلك، معتبرًا أن التنسيق السوري الأميركي في محاربة الإرهاب لم يعد تكتيكًا عابرًا، بل استراتيجية طويلة المدى لدى واشنطن، ما يعني أن الدور الوظيفي لـ”قسد”  قد انتهى.

توزيع أدوار لا إقصاء
رغم التصعيد الواضح في التنسيق بين واشنطن ودمشق خلال الأشهر الأخيرة، يرى مراقبون أن الولايات المتحدة لا تنتهج سياسة الإقصاء لـ”قسد” بقدر ما تمضي في إعادة توزيع متوازن للأدوار الأمنية على الساحة السورية. فملف مكافحة تنظيم “داعش”، الذي كان لعقود تحت إدارة منفردة من قبل “قسد”، بات اليوم يُدار وفق رؤية أميركية أكثر تشاركية، تستند إلى سدّ الثغرات الميدانية وترسيخ الاستقرار عبر تنسيق مزدوج مع كل من الدولة السورية و”قسد”.
في هذا السياق يؤكد الباحث في شؤون “قسد” أسامة شيخ موسى أن انضمام دمشق إلى التحالف الدولي لا يعني سحب الملف من يد “قسد”، بل يُمثّل محاولة أميركية لضبط إيقاع التنسيق الأمني على مستوى أوسع، ويقول شيخ موسى لموقع تلفزيون سوريا: حتى قبل سقوط النظام، كانت هناك مناطق عمليات متوازية في سوريا لقتال “داعش” قسد والتحالف شرق الفرات، وقوات النظام مع الميليشيات التابعة له غربه، لكن بعد سقوط النظام، نشأ فراغ أمني خطير، دفع واشنطن إلى تعزيز التعاون مع دمشق لسد هذه الثغرات ومنع داعش من التمدد.
ويضيف أن الولايات المتحدة لا تتخلى عن “قسد”، بل تمارس عليها نوعًا من الضغط الإيجابي لإنجاح مسار الدمج الأمني مع الحكومة السورية، عبر إلحاق وحداتها المدربة ضمن هيكل مكافحة الإرهاب الرسمي، بما يضمن استمرار دورها، ولكن تحت مظلة مؤسسية واضحة.
هذه الرؤية تجد ما يدعمها في دراسة لمركز كارنيغي للدراسات، شددت على أن دمج قسد ضمن بنية أمنية مشتركة مع الحكومة السورية هو الخيار الأكثر فعالية لضمان تفكيك خلايا داعش ومنع عودتها،  ودعت إلى توحيد القيادة الميدانية، وإنشاء ترتيبات يومية فعّالة – مثل نقاط تفتيش وتبادل استخباراتي سريع ـ بما يُغلق أي فراغ يمكن أن يستغله التنظيم لإعادة انتشاره.

المصدر: تلفزيون سوريا

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى