
كشف مصدر دبلوماسي غربي لموقع “تلفزيون سوريا” عن وجود رغبة غربية وعربية متزايدة بالتعاون مع كلٍّ من سوريا ولبنان لمعالجة ملف ما يُعرف بـ”فلول النظام السوري المخلوع” الموجودين داخل الأراضي اللبنانية، في إطار مقاربة أمنية وقائية تهدف إلى منع تحوّل هذا الملف إلى عامل زعزعة للاستقرار السوري أو الإقليمي في المرحلة المقبلة.
وبحسب المصدر، فإن الحضور اللافت لعدد كبير من ضباط وعناصر النظام السوري البائد في لبنان بات يثير قلقاً متزايداً لدى دمشق، كما لدى عدد من الدول المنخرطة في دعم استقرار سوريا خلال المرحلة الانتقالية، لا سيما في ظل مؤشرات على إعادة تنظيم اجتماعي ومالي لهؤلاء داخل بيئات لبنانية محددة.
ووفق المعلومات المتداولة دبلوماسياً، فإن عدد الضباط والعناصر السوريين السابقين الموجودين في لبنان يُقدَّر بأكثر من 7000 شخص، يتوزعون جغرافياً في مناطق الهرمل، وعكار، وجبل محسن في طرابلس، إضافة إلى وجود ضباط محسوبين على وحدات نخبوية سابقة في منطقة زغرتا شمالي لبنان.
وتشير المعطيات نفسها إلى أن جزءاً من هذا الوجود يتمتع برعاية سياسية محلية، حيث جرى – بحسب المعلومات – تأمين مظلة حماية اجتماعية وتنظيمية في منطقة زغرتا شمالي لبنان، برعاية رئيس تيار المردة سليمان فرنجية، ترافقت مع تأسيس صندوق رعاية مشترك لتأمين احتياجات هؤلاء الضباط وعائلاتهم، وخاصة أن فرنجية وفي آخر إطلالة إعلامية له على قناة الجديد اللبنانية أشار إلى أنه مايزال على تواصل مع رئيس النظام المخلوع بشار الأسد.
كما تتحدث المصادر عن دعم مالي خارجي يصل إلى هذه الشبكات من شخصيات بارزة في النظام المخلوع، من بينها ابن خال الأسد رجل الاعمال رامي مخلوف وكمال الحسن، المقيمان في دولة الإمارات، في ظل مخاوف من أن يُستخدم هذا التمويل لاحقاً في إعادة تفعيل أدوار أمنية أو تخريبية.
وتحذّر مصادر متابعة من أن التراخي النسبي للأجهزة الأمنية اللبنانية في ملاحقة هذا الملف بشكل ممنهج قد يفتح المجال أمام استثمار منظم بهذه الكتلة البشرية مستقبلاً، سواء عبر شبكات تمويل، أو عبر استدعائها في سياقات إقليمية تتقاطع فيها حسابات أطراف متضررة من التحولات الجارية في سوريا.
ووفق المصدر فإن تمركز عناصر وضباط الجيش والمخابرات والأمن في النظام المخلوع يتوزع بين لبنان والعراق ومصر والإمارات، إضافة لروسيا، مع فرار جزء من هؤلاء إلى إسرائيل.
زيارة أمنية سورية إلى بيروت.. “فلول الأسد” على رأس النقاشات
في المقابل، أكّد مصدر أمني لبناني لموقع “تلفزيون سوريا” أن مساعد مدير المخابرات السورية عبد الرحمن الدباغ قام بزيارة إلى بيروت يوم الأربعاء 17 كانون الأول/ديسمبر، أجرى خلالها سلسلة لقاءات أمنية رفيعة المستوى مع مسؤولين لبنانيين، في مقدّمتهم مدير مخابرات الجيش اللبناني العميد طوني قهوجي ومدير الأمن العام اللواء حسن شقير.
وبحسب المصدر، شكّل ملف ضباط وعناصر النظام السوري المخلوع الموجودين في لبنان بنداً أساسياً على جدول المحادثات بين الجانبين، حيث عرض الوفد السوري مخاوف دمشق من بقاء هذه المجموعات خارج أي رقابة أمنية فعّالة، وانعكاس ذلك على الأمن السوري الداخلي، خصوصاً في ظل مرحلة إعادة ترتيب المؤسسات الأمنية في سوريا.
ويضيف المصدر أن الدباغ قام بجولة ميدانية غير معلنة شملت عدداً من المقاهي والأماكن التي يُعرف بتردّد عناصر من “فلول النظام البائد” عليها في وسط بيروت، وذلك في إطار تكوين صورة مباشرة عن أنماط وجودهم وتحركاتهم، بعيداً عن التقارير الإعلامية المكتوبة.
وتندرج هذه الزيارة، وفق القراءة الأمنية، ضمن مسار تنسيقي أوسع بين دمشق وبيروت، يهدف إلى منع تحوّل الأراضي اللبنانية إلى مساحة خلفية لإعادة تجميع شبكات مرتبطة بالنظام المخلوع، أو استخدامها كنقطة انطلاق لأي نشاط أمني معادٍ للاستقرار السوري.
لماذا يشكّل هذا الملف خطراً مستقبلياً؟
تكمن خطورة ملف “فلول النظام السوري المخلوع” في لبنان في الطبيعة المركّبة لهذه المجموعات. فهي تضم ضباطاً وعناصر يمتلكون خبرات أمنية وعسكرية طويلة، وشبكات علاقات مالية واجتماعية عابرة للحدود، إضافة إلى معرفة تفصيلية ببنية الدولة السورية وأجهزتها.
في حال جرى استثمار هؤلاء سياسياً أو أمنياً، سواء من أطراف داخلية سورية متضررة من مسار الانتقال، أو من قوى إقليمية تسعى إلى إبقاء سوريا في حالة عدم استقرار، فإنهم قد يتحولون إلى أداة جاهزة لعمليات تخريب، أو تحريك اضطرابات، أو حتى بناء أطر موازية معادية للدولة السورية الجديدة.
كما أن تراكمهم في بيئات لبنانية محددة دون معالجة أمنية وقانونية واضحة يحمل مخاطر مزدوجة، فهو من جهة يعرّض لبنان لاحتمال التورط غير المباشر في صراعات أمنية إقليمية، ومن جهة أخرى يمنح خصوم الاستقرار السوري رافعة بشرية منظمة يمكن تفعيلها عند الحاجة، كما أن احتضان أطراف لبنانية لهؤلاء قد يسبب في مرحلة لاحقة توترات داخلية بين البيئات الطائفية اللبنانية التي تعيش مرحلة انتقالية دقيقة.
من هنا، يبدو أن الاهتمام الخارجي المتزايد بهذا الملف لا ينطلق فقط من مقاربة أمنية ضيقة، بل من خشية استراتيجية من إعادة إنتاج أدوات الفوضى ذاتها التي أسهمت سابقاً في إطالة أمد الصراع السوري، ولكن بأشكال جديدة وعناوين مختلفة.
المصدر: تلفزيون سوريا






