عام مضى على قيادة أحمد الشرع لسورية

علي بكر الحسيني

نختلف أو نتفق حول الماضي الجهادي للرئيس السوري أحمد حسين الشرع، لكنّ ما لا يختلف عليه كل وطني غير مأدلج، هو أنّ الرجل وضع نهاية فعلية لخمسة عقود من حكم آل الأسد، ذلك الحكم الذي حوّل سوريا إلى فضاء خانق خالٍ من حرية الرأي، وجرّدها من عمقها الحضاري لصالح اقتصاد الظل والمخدرات، وأدار ــ كالأخطبوط ــ شبكات مافيوية تحت لافتات فضفاضة تتراوح بين “الدفاع عن فلسطين” و”المقاومة” و”التصدي للتحالف الصهيو–أمريكي”، بينما كانت اللعبة في جوهرها أمنية–مخابراتية مكشوفة لا تخدم إلا بقاء هذه العائلة في السلطة، من حرب لبنان الأهلية مروراً بكل الحركات التي دعمها، ومنها الحرب الإيرانية ضد العراق العربي، ثم إرسال مقاتلين إلى العراق عند الغزو الأمريكي، وصولاً إلى الثورة السورية.

اليوم يمر عام على قيادة الرئيس الشرع لسوريا الحرّة. ولن أستخدم المبالغات الساذجة من نوع “السماء زرقاء والعصافير تزقزق”، لأنّ كل من يعيش على هذه الأرض يعرف حجم الخراب المتراكم. لكنّي أستطيع القول بثقة إن سقف الحريات بات أعلى، ولو لم يبلغ بعد مستوى الطموح. فالسوري الذي عاش نصف قرن بين الخوف والصمت، يلمس اليوم مساحة أوسع للتعبير، يتكلم في السياسة من دون أن ينتظر دورية للمخابرات على بابه، ويناقش علناً سياسات الدولة، وإن ظل الطريق طويلاً نحو حياة سياسية مكتملة وشروط ديمقراطية راسخة.

أما بالنسبة لمن قضوا سنوات في العمل السياسي، مثلي، فإنّ الأمل الأكبر هو رسم حياة حزبية سليمة، تتنافس فيها التيارات تحت سقف القانون، لا تحت هيمنة الأجهزة الأمنية. وهذا يقودنا إلى السؤال الذي يُطرح كثيرًا: لماذا لم يُنجز حتى الآن قانون أحزاب متقدم يكون هو الناظم الحقيقي للعمل السياسي؟

نحن نطمح لمرحلة يُترك فيها للأحزاب أن تعمل بحرية، تُنشئ قواعدها وتقدّم برامجها وتخوض الانتخابات دون أن تمتد يد السلطة التنفيذية أو الأمنية إلى مفاصلها. فالقانون ليس مجرد ورقة تنظّم التسجيل والتمويل، بل إنه الإطار الذي يحدّد قواعد اللعبة السياسية، ويضمن التنافس الشفاف، ويحول دون تحويل الحزب إلى جهاز تابع أو ديكور ديمقراطي. لذلك فإنّ تأخر صدوره، أو تأخر تطويره، يعني تأخر تشكّل الحياة السياسية الطبيعية التي ينتظرها السوريون.

ومع ذلك، يمكن تفهّم أسباب التريّث في هذه المرحلة. فالدولة الخارجة من خمسين عاماً من القمع، والمثقلة بأزمات اقتصادية وأمنية، تواجه محاولات متكررة من قوى مرتهنة للخارج لإرباك الاستقرار عبر تحريك ملفات حساسة كلما سنحت الفرصة. وفي لحظة كهذه، يختار صانع القرار ترتيب الأولويات على ضوء ما يضمن وحدة البلاد ومنع اهتزازها، حتى لو جاء ذلك على حساب بعض الملفات التي نتمنى أن تتقدم أسرع.

غير أن هذا التبرير لا يلغي الحاجة الملّحة لبدء نقاش جدي حول الإطار القانوني للحياة الحزبية، لأن أي مشروع إصلاح سياسي سيبقى منقوصاً إذا لم يكن هناك قانون أحزاب واضح، وخالٍ من الروح الأمنية، وقادر على حماية التعددية وتنظيمها.

لهذا نقول: سنة واحدة ليست كافية للحكم النهائي، لكنها كافية لقياس الاتجاه. والاتجاه اليوم يميل نحو مساحة حرية أكبر، ورغبة — ولو متأنية — في بناء نظام سياسي مختلف عن كابوس العقود الماضية. وفي هذا وحده ما يكفي لنقول إن سوريا دخلت مرحلةً جديدة، تحتاج إلى النقد بقدر ما تحتاج إلى الدعم.

وخلاصة القول: لقد تناولتُ في هذا المقال الجانب الذي يخص رؤيتي في العمل السياسي، دون أن أغفل عن الملفات الوطنية الأخرى التي لا تقل أهمية، وفي مقدمتها العدالة الانتقالية، وإعادة الإعمار، وبناء الجيش، والإقتصاد وسائر المسارات التي تحتاج إلى جهد ومتابعة دائمة، لأنها في نهاية المطاف مرتبطة بأمن البلد واستقراره. وهكذا، فإنّ مرور عام على قيادة الرئيس أحمد الشرع لسوريا ــ مهما اختلفنا أو اتفقنا حول ماضيه ــ يظل محطة تستوجب التقييم، لا من أجل تسجيل المواقف، بل من أجل خدمة وطن يتطلّع شعبه إلى دولة عادلة وقوية تستعيد مكانتها وتطوي صفحة العقود السوداء الماضية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى