عام مضى على سقوط الأسد، ومازال السوريون ينتظرون الانتقال الى النظام الديمقراطي

محمد علي صايغ

يوم سقط النظام القمعي الدكتاتوري بكى السوريون فرحاً ، فقد كان سقوطه المدوي إعلاناً بانتهاء مرحلة تجاوزت خمسة عقود على حكم ٱل الأسد المافيوي الذي أرسى ثقافة الخوف بين السوريين ، وشرعن ماكينة القتل الفردي والجماعي بلا حدود ، هذا عدا عمليات الاختطاف والاعتقال المنفلت والتغييب القسري والمدافن الجماعية التي طالت جميع من قام بالتنكيل بهم .
عام مضى على سقوط نظام قل نظيره في استخدام ٱليات القمع والبطش والتعذيب وملاحقة المواطنين حتى في تعداد أنفاسهم وصار المواطنون يَشُكون ويُشَككون بما حولهم حتى من أقرب المقربين لهم ، فقد جعل سورية ضمن إمبراطورية الرعب المعمم .
عام مضى ولا زال السوريون يأملون  بالتغيير الذي حلموا به وضحوا من أجله، ولا زالوا يراهنون على التغيير الذي يرسي دعائم الكرامة والحرية والعدالة ، وينهض بالبلاد بعد الدمار المخيف الذي خلفه نظام الأسد الهارب .
الفرح الكبير الذي عاشه السوريون بعد انتصار الثورة ، لا بد أن تنغصه بعض المنغصات هنا أو هناك ، ولكن حلم الانتصار بسقوط الطاغية قد تحقق  ، ولكن الانتصار الحقيقي لا يتحقق إلا بالتغيير الفعلي بالانتقال من نظام العصابة المافيوية إلى بناء الدولة وبناء الإنسان السوري الجديد ، والانتقال إلى نظام وطني ديمقراطي يحفظ كرامات الناس ويؤسس للعدالة والمساواة بين جميع السوريين دونما امتيازات لأي كان ومهما كانت صفته وموقعه . ولذلك فالشعب السوري لازال بعد الانتصار في حالة انتظار لما ينجزه النظام الجديد وبما ينعكس على حياته ومعيشته ومستقبله
، وهو يرى أن التحرك الدبلوماسي النشط نحو الدول الكبرى من قبل الحكومة أكبر بكثير من التحرك تجاه معاناة الناس المعيشية ، وخاصة تجاه ارتفاع الأسعار في الوقود والكهرباء وانعكاسها على مجمل حياته وإنتاجه وزراعته .
وخلال العام الماضي جرت ترتيبات إجرائية للبيت الداخلي ( المؤتمر الوطني  ، الإعلان الدستوري ، تشكيل الحكومة ، مجلس الشعب ..) ، وجاءت بقرارات من فوق وليس بمشاركة شعبية تحت مقولة أن المرحلة الانتقالية تتطلب ذلك خاصة مع وراثة نظام دمر كل شيء ونهب وافسد الدولة ومؤسساتها .
ولا شك بأن فعل نظام الأسد معروف وقد هرب وترك البلاد في حالة انهيار ، ولكن ذلك لا يمنح أي سلطة بديلة تجاوز المشاركة الحقيقية للشعب ، وخاصة إذا استندت عملية إنهاء نظام الأسد على مشروعية الثورة والتغيير ، لا على تغيير انقلابي يفرض فرضاً من فوق إرادة الشعب .
ومن هنا لازالت التحديات بعد مرورعام على نهاية بشار الأسد  هي ذاتها تنتظر السلطة الجديدة ، ولا زالت المخاطر ذاتها المؤثرة على الدولة السورية ومستقبلها .
ويمكن إجمال أبرز التحديات التي مازالت راهنة إلى الآن بما يلي :
١- تحقيق الأمن والأمان : إذ بالرغم من المحاولات الحثيثة للحكومة لتوفير الأمن الٱمان بين المواطنين إلا أنه لا زالت هناك فجوات كبيرة للوصول إلى ذلك ، ولازالت حالات فردية متنوعة يتعرض لها المواطنون بالقتل والخطف والابتزاز والاعتقال خارج إطار القانون .
٢- وحدة السلطة وتوحيد القرار السيادي للدولة بالخلاص النهائي من الفصائلية عبر تأسيس جيش وطني مهني يدافع عن الشعب وعن الأرض التي ينتهكها يومياً العدوان الإسرائيلي مستغلاً حالة الضعف الذي خلفها النظام البائد وٱخرها ماجرى في ” في بيت جن ” والتصدي البطولي لأهلنا هناك للعدوان الصهيوني الغاشم .
٣- العمل بإعادة بناء وترميم البنية التحتية للدولة ، وهذا يقتضي بناء مؤسسات الدولة على أساس الكفاءة لا على أساس التعيين ، واستثمار كل الطاقات المؤهلة من أجل إعادة البناء والإعمار ، وتوفير الخدمات والطاقة من نفط وغاز وكهرباء بأسعار تتوافق ودخل المواطنين وقدرتهم الشرائية .
٤- تحقيق التسريع بالنهوض الاقتصادي والدفع بعجلة الإنتاج ، وهذا يقتضي سياسة مخططة متوازنة بين القطاع العام والقطاع الخاص ، وهذا يقتضي من وزير الاقتصاد الإعلان عن برنامج اقتصادي واضح قابل للتقييم والمراجعة والقياس ، لمتابعة مراحل الإنجاز مرحلة بعد أخرى .
٥- إشراك ومشاركة المجتمعات المحلية والمنظمات المدنية والأحزاب الوطنية في وضع السياسات وتنفيذها .. إذ بدون التعبئة المجتمعية والتكافل والتعاضد المجتمعي لا يمكن أن يتم تنفيذ البرامج والسياسات الحكومية بفاعلية وعلى أسس مستدامة .
٦- إنجاز السلم الأهلي يتطلب العمل على إنجاز الاتفاق مع حكومة الأمر الواقع ( قسد ، مسد ) في شمال شرق سورية ، ومعالجة مطالب الأقليات الأخرى في السويداء والساحل … ضمن مبدأ المواطنة المتساوية ، ضماناً للتماسك الوطني والوحدة الوطنية السورية ..
٧- العدالة الانتقالية والمصالحة الوطنية مهمة أساسية أمام السلطة الجديدة ، إذ بدونها فإن كل الخطوات ومهما كانت مهمة ونوعية فإنها تبقى مهددة بالانهيار إذا لم يتم العمل الجدي من أجل تفعيل العدالة الانتقالية منعاً للانتقام والثأر الفردي أو الجماعي ، وصوناً لحقوق الضحايا وتهدئة خواطر أولياء الدم . وهذا يقتضي متابعة المفقودين وتثبيت مصيرهم أو وفاتهم ، والإعلان عن جميع  الموقوفين الذين تمت ملاحقتهم والقبض عليهم مؤخراً ومحاكمة الجميع علناً وعلى وسائل الإعلام ليكونوا عبرة لكل من تلوثت يده بدماء السوريين .
إن البديل للنظام القاتل الفاسد نظام ديمقراطي تداولي ، ينهض بالبلاد ، ويؤسس لدولة المواطنة المتساوية لجميع السوريين ، وهذا يضع السلطة الجديدة تفعيلا للمشاركة الشعبية وللقوى الوطنية أمام مسؤولياتها في الإعلان عن مؤتمر وطني جامع وحقيقي يعمل من أجل صياغة مشروعية جديدة لأي سلطة وحكم ، تنبثق عنه قرارات ملزمة وإجراءات نوعية تبدأ بتعديل الإعلان الدستوري ، وعلى أساس هذا التعديل تتم إجراءات حقيقية في هيكلة مؤسسات الدولة ( التشريعية والتنفيذية والقضائية ) تمهيداً لتجاوز التحديات التي مازالت راهنة ، وتجاوز المخاطر التي قد يتعرض لها بلدنا ، ومن ثم الانطلاق إلى دولة عصرية تحتكم لدستور عصري منعاً لأي انزلاق نحو الفوضى أو إعادة إنتاج استبداد جديد .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى