لقدْ حلفتُ – وإني خيرُ منْ حلفوا
المجدُ في حلب الشهباء مُختلفُ
أمُّ القرى هيَ.. لا مصرٌ ولا يمنٌ
شُهودِيَ: اللهُ والتاريخُ والسَّلفُ
أمُّ المدائنِ: لا شَاختْ ولا اندثرتْ
أَحفادُها: مكةٌ والقدسُ والنجفُ
رَحْمُ الحضاراتِ في التاريخِ قاطبةً
في أَبْجديَّاتِها الأُولى هيَ الأَلِفُ
أَصلُ الأصَالةِ والعمرانِ كُلّـهما
البدءُ كانَ بها.. والغارُ والكَهَفُ
دَعوا (المَغَايرَ)* تَفْشي عَبْقَرِيَتَهَا
وسرَّ من حفروا الأنفاقَ أو سقفوا
وسَــائِلوا أهْلَهَا الصِّيدَ الذين بَنُوا
وطوَّعُوا الصَّخرَ حتىّ لانَ والخزفُ
واسْتَنْطِقُوا القَلْعَةَ الشَّمَّاءَ شَامِخَةً
كالطَّودِ تَختالُ.. لا كِبْرٌ ولا صَلَفُ
كَمْ عِندَ أَسوارها خَرَّتْ جبابرةٌ
وفَرَّ مِنْ وَجْهها الفرسانُ وارتجفوا
ما خَلَّفُوا غيرَ أَشلاءٍ مبعثرةٍ
وتَحْتَ أَركانِهَا لا زالتِ الجِيَفُ
سَلُوا الزَمَانَ لماذا تَرْتَقِي مُدُنٌ
وتَمَّحي مدنٌ أخرى.. وتنجرفُ
يَا قِبْلةَ الأنبياءِ المُرْسَلينَ.. ويا
مثوى العباقرةِ الأفذاذِ فيكِ غَفُوا
كَمْ مُبدعٍ باسْمِكِ المَشْهُورِ مُشْتَهِرٌ
وكَمْ مِنَ العُظَمَا لولاكِ ما عُرِفُوا.؟
فيكِ ارْتَقَى المُتَنَبِّي أوْجَ شُهْرَتِهِ
وفيكِ ما زالَ عرشُ الشِّعرِ يَزْدَلِفُ
أعْمَى المَعَرَّةِ –عَفْواً شِئْتُ مُبْصِرُهَا!-
أبو فِـراسٍ، وسَـْيفُ الدَّولةِ ائتلفوا
هذي خيولُ بني حَمْدانَ تَصْهَلُ في
مَسَامِعِ الرُّومِ حَتّى اليومِ إِنْ زَحَفُوا
سلوا بني فارسٍ ك كمْ حَاوَلُوا عَبَثَاً
وكمْ غَزَوْها.. ولكنْ بَعْدَها انصرفوا
سـَلُـوا جَـحَـافِــلَ “بـشَّـارٍ” وزُمْــرَتـُهُ
هَلْ نَالَ مِنْ عَـزْمِهَا الارهابُ إذْ قَصَـفُـوا؟
شهباء يا تحفة الدنيا ومتحفها
ثَـراكِ ينـطـقُ.. والآثارُ والتـُحــُفُ
أنتِ الحضارةُ.. لا رُومَا ولا أَثِنَا
هُنَا الحَياةُ ابْتَدَتْ مَهْمَا أَبَوْا ونَفُوا
انتِ العراقةُ.. لا صينٌ ولا عَجَمٌ
ولِلـْتَــجَــدُّدِ مـَيْلٌ فـيـكِ لا يـقـف
أبوابـُكِ السّـَبعةُ الكـبرى تُذَكّرُنـا
بِجنةِ الخُلْدِ حَيْثُ الرُّوحُ تنخطف
تَبَارَكَ اسْمُكِ ما أَسْمَاهُ مِنْ نَسَبٍ
الى الخليلِ.. ولا زورٌ ولا زَيَفُ
كُلُّ التُرابِ بِسَــاطٌ للـصَّلاةِ هُنَا
مُطَهَّرٌ فَاخْلَعُوا النَعْلَيْنِ واعْتَكِفُوا
فيها ثَـــوى زكريَّا سـَيّدَاً عَلَمَاً
وفي حِمَاها مَشَى ابْراهِيمُ والسَّلَفُ
للْمَجْدِ مَنْذُورةٌ.. كَالْتَوْأَمَيْنِ هُمَا
لا فـَرْقَ بَيْنَهُمَا.. بِالْغَارِ تَخْتَصِفُ
ما فيكِ نَهْرٌ ولا بَحْرٌ ولا جَبَلٌ
لكــنَّ خَيـْرَكِ كَالأَنْهَـارِ يُغْـتـَرَفُ
أبْناؤكِ الصِّيدُ فِيهمْ لِلْعُلى قِممٌ
ولِلْنـَدَى قـِمَـمٌ يَسْمُو بِهَا الشَّرَفُ
وفيـك مـا زال آلافٌ مُـؤَلـَّفـَةٌ
قـد ألَّفُوا الفـَنَّ والابْدَاعَ أَوْ ألِـفـُوا
يا أيُّها الحَلَبِيُّونَ اسْجُدُوا فـَرَحَاً
للهِ، ثُمَّ ارْفـَعُــوا هَـامـَاتِكم وقِفُوا
***********************
* كتبت هذه القصيدة ردا على التدمير المنهجي لحلب وتهجير أهلها على مدى ثلاث سنوات.
* (المغاير) حي قديم في حلب يعتقد المؤرخون أنه يحوي المغارات الأولى التي سكنها الانسان في أقدم العصور