عام الفيل

فايز هاشم الحلاق

إِذا طَغىٰ في دِيارِ الحَقِّ ضِلِّيلُ
فالنَّصْرُ آتٍ مِنَ الدَّيَّانِ مَرْسولُ
للهِ جُنْدٌ إلى الوُجودِ سَخَّرَها
مِنْها الأَمينُ إِلىٰ الأَمينِ جِبْريلُ
أَمْعِنْ بِلُبٍّ على بصيرة وتقى
يأتيك علم للمجهول وتَحليلُ
بل هات إذنًا إلى نداء خالقنا
تَرىٰ المَعاني بها فَنُّ وتَجْميلُ
اِقْرأْ تَعالىٰ هو الرحمن قَائِلُها
أُمُّ الأُمورِ وما بالباقي تَقْليلُ
أَتىٰ بها اللهُ دُسْتوراً ومِنْهاجاً
فالعِلْمُ مدرسة والجَهْلُ تَضْليلُ
*   *   *
أتى على هذهِ الظلماءُ أنوار
إِنَّ الجَزاءَ عنِ الأَعْمالِ تَنْزيلُ
قَدْ جارَ ظُلْمٌ بِوادٍ غيرِ ذِيْ زَرْعٍ
الحِقْدُ صانِعُهُ والقالُ والقيلُ
فالعَدْلُ يَشْكو إلى السَّماءِ مَظْلَمَةً
والبَدْرُ يَبْكي إِذا ما خَيَّمَ اللَّيلُ
(للبَيتِ رَبٌّ هو الحامي ولي إِبِلي)
إلَّا إِذا جاءَ للأَقْدارِ تَحْويلُ
قولٌ مَضىٰ يَحْمِلُ الأَخبارَ عنْ وَعْدٍ
جَدُّ النَّبيِّ إِلىٰ التَّبْشيرِ مَرْسولُ
يا ربِّ أَنتَ الَّذي أَلْهَمْتَهُ نُطْقاً
والفيلُ والطَّيرُ والأَحْجارُ تَكميلُ
رَدَّ الشَّقِيُّ وقَدْ تَجاسَرَ هازِئاً
(ما نِلْتُهُ غَاصباً هَيْهاتَ تَبْديلُ)
أَحْقادُ أَبْرَهَةٍ تَجَمَّعَتْ وأَتَتْ
لِثَأْرِ مَعْبَدِهِ سِيقَتْ جَحافيلُ
جَيشٌ يَسيرُ علىٰ الغَبْراءِ هَدّاراً
والفيلُ قائِدُهُ، والرُّمْحُ مَحمولُ
علىٰ مَشارِفِ طيبا بَعْضُ أَوَّلِهِ
وامْتَدَّ حَتَّىٰ لَمْ يُعْرَفْ لَهُ طولُ
قَطْعُ الفَيافي وَهَدْمُ البَيْتِ بُغْيَتَهُ
لَمْ يَدْرِ كَمْ هُوَ خاسِئٌ ومَرْذولُ
إِنَّ الَّذي كَوَّنَ الأَكْوانَ أَلْهَمَهُ
أَنْ لا تُدَنِّسَ أَرْضَ الطُّهْرِ يا فيلُ!
سُمِّيتَ محمودٌ بورِكْتَ منْ اِسْمٍ
والاسْمُ عَهْدٌ لِما تَأْتي الأَفاعيلُ
الآنَ يَبْزُغُ بَدْرٌ كانَ مُنْتَظَراً
أَتىٰ وَهَلَّلَ بِالأَفْراحِ جِبْريلُ
للفيلِ دينٌ إلى الإيمانِ مَسْراهُ
بِئْسَ الَّذي قالَ: إِنَّ الفيلَ ضِلِّيلُ
هَوىٰ علىٰ القاعِ تَعْطيلاً لِإِتْمامٍ
وقالَ: إِنِّي لِصَوْنِ البَيتِ مَرْسولُ
رَأىٰ طُيوراً تشق الغيم، ناداها
أَوْمَتْ بِأَجْنِحَةٍ: نَحْنُ الأَبابيلُ
كَتائِبٌ هرعت الله أَرْسَلَها
لأَرضِ نورٍ، وذاكَ النَّصْرُ تَعليلُ
في الأرضِ فيل غدا يُغيظُ أَبْرَهَةَ
والنَّارُ مِنْ لهبٍ، والنَّجمُ سِجِّيلُ
الفيلُ عنْ رَأْيهِ لا عَوْدَةٌ أَبَداً
حَتَّىٰ طَغىٰ فَأَصابَ الجَيْشَ تَعْطيلُ
*   *   *
أَتى الظلامُ علىٰ صدور أعرابٍ
لكنَّ كَعْبَتِنا نورٌ تَهْليلُ
لَقَدْ أَنارَ الوُجودَ خَيْرُ مَوْلودٍ
وزَارَ مَكَّتنا في العَلياءِ بدرٌ وتَرتيلُ
إِنَّ السماءَ مع النجومِ في عُرْسٌ
وصاحِبُ العُرسِ بينَ النَّاسِ مَجْهولُ
رِضوانُ يَفْخَرُ في رِياضِ جَنَّتِهِ
وَكُلُّ من يعبد الأَصْنامَ مَذْلولُ
محمدٌ بنُ عبدِ اللهِ قالَ الغَما
مُ عِنْدَ رُؤْيَتِهِ: فَداكَ تَظْليلُ
هذا الذي زَعَمَ المسيحُ قالَ أَخي
الصِّدْقُ تاجٌ لَهُ، والصَّبْرُ إِكْليلُ
وبشائرٌ وردت من قبل أن يأتي
عَليهِ يُتلى مِنَ السَّماءِ تَنْزيلُ
قِرَّي بِهِ واهْنئي يا خَيْرَ والِدَةٍ
فَقَدْ أَقَرَّ بِهِ عيسىٰ وإِنْجيلُ
فَرُبَّ مُرْضِعَةٍ فاضَ الرَّضاعُ بها
وَرُبَّ راحِلَةٍ كأَنَّها الخَيلُ
قَدْ علَّمَ الغيم بَعضاً مِنْ سَجاياهُ
وعَلَّمَ المُنعِشاتِ كَيْفَ تَميلُ
فَالوَحْشُ يَسْري مَعَ الحِملانِ في المَرعىٰ
والبازُ صار مع الفراخِ خَليلُ
والمُسْتَحيلاتُ باتَتْ لا حِسابَ لها
وهكَذا أَمْسَتِ العَنْقاءُ والغولُ
وكُلُّ مفترسٍ تَحَوَّلَ مُعْشِباً
إِنَّ الأَمانَ مَعَ الوِدادَ جَميلُ
يا رَبِّ زادَتْ سِباعُ البَرِّ منْ وَحْشٍ
رُحْماكَ لَيْتَ مِنَ الأَشْرارِ تَقْليلُ
يا رَبِّ أَنْعَشْتَ صَدْرَ العالمينَ بِهِ
فارحم عبادكَ، إِنَّ الخَصْمَ ضِلّيلُ

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى