
صوّت مجلس الأمن الدولي، في 31 تشرين الأول/أكتوبر 2025، بمبادرة من الولايات المتحدة الأميركية، لصالح دعم خطة الحكم الذاتي المغربية في الصحراء الغربية، التي تمتدّ على مساحة 266 ألف كيلومتر مربع على ساحل المحيط الأطلسي بين المغرب وموريتانيا والجزائر.
ويتّضح أن هذا القرار يشكّل محطة جديدة في مسار طويل من التوترات، فمنذ سنة 1975، لم يكن الربط بين تطوّر العلاقات المغربية-الجزائرية وتسوية نزاع الصحراء الغربية يحتاج إلى جهد كبير لاكتشافه؛ إذ عرقل النزاع، طوال أكثر من 50 سنة، أي تعاون فعّال بين البلدين، وجمّد عملياً مسار الاتحاد المغاربي.
إذ يدور التنافس بين البلدين المغارببن حول ثلاث نقاط أساسية: أولها، من سيخرج منتصراً في نزاع الصحراء الغربية. وثانيها، من سيحظى بود واحترام الدول الكبرى، وثالثها، من سينسج علاقات مع دول مرشحة لأن تكون فاعلة في الساحة الدولية.
واشنطن تريد استعادة زمام المبادرة في المنطقة بعد تراجع النفوذ الفرنسي وبروز قوى منافسة، أبرزها الصين وروسيا على طول شمال إفريقيا والساحل انطلاقاً من البحر الأبيض المتوسط حتى عمق القارة السمراء..
وقد حرّكت التصريحات الأميركية حول التوسط بينهما الأبواب الصلدة للقطيعة التاريخية بين البلدين، والتي عبّر عنها تصريح للرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، في خطاب أمام قادة الجيش عن وجود وساطة قوة عظمى.
ومن المؤكد اليوم أن واشنطن تريد استعادة زمام المبادرة في المنطقة بعد تراجع النفوذ الفرنسي وبروز قوى منافسة، أبرزها الصين وروسيا على طول شمال إفريقيا والساحل انطلاقاً من البحر الأبيض المتوسط حتى عمق القارة السمراء، مما جعلها تفضل الاستفادة من نزاع الصحراء الغربية للحصول على أقصى ما يمكن من التنازلات، ففي علاقاتها بين الطرفين تحاول الموازنة في هذه العلاقات، فهي تعتبر المغرب صديقا تقليدياً وحليفاً استراتيجياً، لكنها في الواقع لها مصالح اقتصادية مهمة مع الجزائر.
التحولات الدولية والبحث عن حلول توافقية
منذ نهاية الحرب الباردة شهد العالم تحوّلات فارقة، فسقطت رؤى، وانبثقت بديلاتها، تراجعت استراتيجيات وظهرت أخرى، تشكّلت علاقات دولية جديدة، تحكّمت في نشأتها وتبلورها مصالح جديدة بديلاً عن تلك التقليدية، فراحت الوحدات الجغرافية في العالم تشهد تقسيماً جديداً للعمل، مما حدا بجزء غير يسير في العالم إلى إعادة تشكيل ذاته وبناء مستقبله تأسيساً على المعطيات الدولية الجديدة والمفاهيم المستحدثة للتعاطي مع الجغرافيا السياسية الوليدة.
وباعتبار أنّ الجوار في العلاقات الدولية لم يكن قط اختياراً، بقدر ما هو قدر يفرض التعامل معه بمنطق المصالح المشتركة والتحديات، مع استحضار المستقبل في هذا الصدد.
وهكذا قد لا يكون الحل بعيداً، حتى لو بدت المواقف الأخيرة متباينة، باعتبار أنّ الحدود الموضوعية للحل غدت معروفة للجميع، ولا سبيل لتجاوزها، إذ إنّ نظرة مستقبلية وواقعية إلى مسار العلاقات الجزائرية-المغربية يمكن أن تجنّب البلدين معا مخاطر الحساسيات المفرطة، في حال توجهت نحو الفرص المتاحة والتحديات الحقيقية.
والمطلوب في أي حل سياسي للنزاع أن يبدأ من إرساء قواعد بناء الثقة، التي قد تسهم في تكسير رتابة لغة التجافي المستندة إلى أطروحات لم يعد لها أي مبرر، حيث لا يمكن أن يجادل أحد في المصير المشترك لشعبين تحكمهما شروط تاريخية واجتماعية متشابهة، وتواجههما اليوم تحديات متماثلة، خاصة تحديات الاصلاح السياسي والتنمية الشاملة.
إنّ الطرح المغربي، منذ عام 2007، حول الحكم الذاتي في الصحراء الغربية، المبني على الواقعية والمرونة، كان يمكن أن يجنّب مضاعفات وخيمة، وترجع مصداقية هذا الطرح إلى أنه يتحرك من أجل تأمين مصالحه، ولا يهدف إلى إقصاء الغير، ولا إلى الاستفراد بالمزايا.
ويستمد مشروعيته من المنطق الذي أصبح يضبط العلاقات الدولية، وهو القبول بتداخل المصالح، فلا يوجد عاقل يتصور أنّ مستقبل المغرب يمكن أن يبنى على حساب الجزائر، أو العكس، وينبغي التأكيد دائما أنّ انعدام التفاهم بينهما يفوّت على البلدين فرص الحاضر، ويهدد المستقبل، ويجر المنطقة إلى أن تهدر وقتاً وجهداً.
عسى أن يترسّخ الاقتناع بأنّ حلّ المشكلات الإقليميّة والمحليّة يبدأ بإقرار تنظيمات اللامركزيّة، باعتبارها الخيار الأفضل، سواء اقتصر تطبيقها في مرحلة أولى على إقليم الصحراء، نظراً لطول أمد النزاع، أم تجاوزته في ما بعد، ليغدو نهجاً عصريّاً في إدارة الشؤون الوطنيّة..
إنّ الحل السياسي المطروح في مجلس الأمن الدولي، إذ يروم منح الصحراء الغربية حكماً ذاتياً موسّعاً، يكون في جانب منه قد حقق للصحراويين وضعاً خاصاً، تستطيع الجزائر أن تطمئن إليه في حال اعتبار تبنّي قضية الصحراء من منطلقات مبدئية، وبالتالي في إمكان التجربة، في حال نجاحها، أن تشكل أنموذجاً جديداً في التدبير السياسي، يضع حداً للتوتر القائم من جهة، ويفتح باب الأمل الديموقراطي واسعاً أمام شعوب المنطقة.
قد لا يكون الحكم الذاتي الذي يقترحه المغرب مستوفياً كل سقف الشروط التي تطرحها جبهة بوليساريو، من قبيل الجدل حول مفهوم تقرير المصير، بيد أنّ مجرد التئام حوار حول المشروع بين الصحراويين -على مختلف مشاريعهم واتجاهاتهم وميولهم الفكرية والسياسية- يعني تمكين السكان المعنيين بحق الاختيار الديموقراطي من إسماع أصواتهم وانتقاداتهم ومطالبهم.
عسى أن يترسّخ الاقتناع بأنّ حلّ المشكلات الإقليميّة والمحليّة يبدأ بإقرار تنظيمات اللامركزيّة، باعتبارها الخيار الأفضل، سواء اقتصر تطبيقها في مرحلة أولى على إقليم الصحراء، نظراً لطول أمد النزاع، أم تجاوزته في ما بعد، ليغدو نهجاً عصريّاً في إدارة الشؤون الوطنيّة، بما في ذلك سوريا الجديدة، فقد أثبتت التجارب الإنسانيّة التي نمت في هذا الاتجاه أهمية اللامركزيّة الإداريّة الموسّعة في تقدّم الدول.
المصدر: تلفزيون سوريا
				





