تأهيل شوارع دمشق القديمة.. لماذا تأخر الإنجاز رغم الوعود بانتهائه خلال 45 يوما؟

حنين عمران

قاربت أعمال مشروع إعادة تأهيل شوارع وأرصفة دمشق القديمة على الانتهاء، بعد مرور قرابة ثلاثة أشهر على انطلاق عملية التأهيل التي شملت تأهيل البنى التحتية وترميم الأرصفة والطرقات بتدوير الحجر التقليدي وإعادة تركيبه بعد تنظيفه.
وفي تصريحات المهندس المشرف على المشروع رافع الزعبي لموقع تلفزيون سوريا، أوضح أن أعمال المشروع على مستوى البنى التحتية تقترب من الانتهاء، قبل البدء بتركيب الإنارة و”الفوانيس”.
وكانت محافظة دمشق قد أصدرت بياناً رسمياً عن مديرية مدينة دمشق القديمة، بتاريخ 6 آب/ أغسطس الماضي توضح فيه أن عمليات التأهيل جاءت “استجابةً لمطالب الأهالي وانطلاقاً من مسؤوليتها في الحفاظ على السلامة العامة والطابع العمراني التاريخي”.
استطلع موقع تلفزيون سوريا آراء الأهالي وأصحاب المحال في باب شرقي كما سأل بعض العمال عن تنفيذ المشروع، وتواصل مع لجنة الحي فيما يتعلق بالنتائج التي لما تكتمل بعد والمشكلات الظاهرة حتى الآن.
إصلاحات في المظهر والبنى التحتية
لم تقتصر عملية إعادة التأهيل على ضبط تناسق الحجارة وتنظيفها قبل إعادة رصفها، إنما شملت أيضاً تمديدات كهربائية وإصلاح شبكات الصرف الصحي وإنشاء مصارف لمياه الأمطار الفائضة والتي لطالما تسببت في تجمع المياه بطريقة تعيق مرور الناس والسيارات وتتسبب في بحيرات طينية خلال الشتاء.
يقول العامل صالح الأحمد لموقع تلفزيون سوريا بينما يقوم بإعادة رصف الحجارة “أعيد تأهيل البنى التحتية بالكامل تحت الحجارة ولا سيما مع إصلاح الشبكات التالفة وتمديد الجديد منها، ففي السنوات الماضية عانى الأهالي من تكرار وتفاقم أعطال شبكات الصرف الصحي في دمشق القديمة”.

كما مُددت شبكة أنابيب مخصصة لضخّ المياه في الرشاشات والخراطيم عند حدوث حريق داخل الأحياء القديمة، ولا سيما مع تعذر وصول سيارات إطفاء الحريق إلى هناك في كثير من الحالات السابقة، وهو ما عدّه الأهالي خطوة إيجابية.
في حديثه لموقع تلفزيون سوريا، اعتبر عبود حداد الذي يملك محلاً للعصائر في باب شرقي أن المبادرة جيدة ولم يتمكن الأهالي في السنوات الماضية من طلبها أصلاً أو الحديث عنها في زمن النظام المخلوع، “حتى لو طلبوها لن يستفيدوا شيئاً” بحسب قوله.
أما العامل حميد عبود فقد أوضح أن أهم تغيير لاحظه الأهالي بعد البدء برصف الحجارة هو استقامة الطريق وتناسق حجارته على عكس ما كان عليه، يقول “نقلنا الحجارة إلى مستودعات باب شرقي خلال فترة إصلاح البنى التحتية وقد صقلت من جديد وأعيد تنظيفها، وهو ما منحها جمالية”.
مشروع من دون سابق إنذار
على الرغم من الانطباعات الإيجابية لعدد كبير من الناس، إلا أنّ بعض أصحاب المحال والمقاهي على امتداد شارع باب شرقي كانوا على درجة من الاستياء بعد تعطل أعمالهم لأكثر من شهرين ومن دون منحهم مدة كافية لترتيب أعمالهم وتلافي الخسائر قدر المستطاع.
في حديثه لموقع تلفزيون سوريا، أوضح خليل عبد الرحيم من لجنة حي شارع الأمين الملاصق لباب شرقي، أنهم وُعدوا عند البدء بتنفيذ المشروع بأنّ العمل سيكون 24 ساعة حتى يتم الانتهاء من المشروع بالكامل خلال وقت قياسي لا يتجاوز 45 يوماً كما ورد في بيان مديرية مدينة دمشق القديمة الآنف الذكر، يقول خليل “خلافاً للوعود، فقد عُطِّل العمل لثلاثة أيام ومرّ أكثر من شهرين ونصف دون الانتهاء الكامل حتى الآن من العمل في باب شرقي وباب توما أيضاً”.
وبطرح السؤال على مديرية مدينة دمشق القديمة، أوضح المهندس رافع الزعبي، المشرف على تنفيذ المشروع أن التأخر في إنهاء الأعمال سببه معوقات اكتُشفت خلال العمل، ومن أهمها وجود جسور من الحديد الصلب على شكل شبكة عنكبوتية وضعها النظام البائد بهدف منع الثوار من دخول أحياء مدينة دمشق عبر شبكات الصرف الصحي بحسب مزاعمه آنذاك.
يقول الزعبي لموقع تلفزيون سوريا “المدة المنظورة للمشروع هي (45) يوماً متوقعاً لكن معالجة بعض المشكلات استغرقت وقتاً، كما أجرينا عملية تأهيل للبنية التحتية حسب النورمات العالمية بهدف إعطاء موثوقية أكبر للتنفيذ ومنح المشروع استدامة”.
أما داني أبو النصر، صاحب كافيه وبار “رصيف” في باب شرقي، فقد وصّف خسارته لهذا الصيف بقوله “انضرب الموسم”. وأشار في حديثه لموقع تلفزيون سوريا بأنّه كان من الواجب عليهم تقسيم العمل على مراحل بدلاً من إزالة الحجارة في الشارع بكامله دفعة واحدة.
يقول “خسارتنا لهذا الصيف في منطقة سياحية كباب شرقي تقدر بآلاف الدولارات ولا سيما أنَّ متوسط إيجار المحال في المنطقة يبلغ 1500$ شهرياً، صرنا ندفع الإيجارات ونحن عاطلون عن العمل.. ولم يأخذوا رأينا في المشروع مع أننا أكبر المتضررين في رزقنا!”.
وفي الرد على ذلك، أشارت مديرية مدينة دمشق القديمة بأن لجنة تنفيذ المشروع اجتمعت مع لجان الأحياء في دمشق القديمة لاطلاعهم على أعمال المشروع قبل البدء به، كما طُلب من لجان الأحياء التواصل مع المواطنين والفعاليات التجارية ورؤساء الأماكن الديني لإعلامهم بذلك.
حفر مفتوحة وأوساخ متراكمة
ومع تأخر إتمام المشروع في الأحياء القديمة، تراكمت الأوساخ على جانبي الطريق وفي الحفر التي بقيت مفتوحة لأيام قبل إعادة إغلاقها، فضلاً عن فوهات الصرف الصحي التي تُركت من دون إغلاق وسببت مشكلات للمارة والدراجات الهوائية.
في حديثه لموقع تلفزيون سوريا، أوضح خليل عبد الرحيم أن شاباً سقط في إحدى الحفر المفتوحة ليلاً ما تسبب بإصابته برضوض وأذية، كما أشار إلى أنّ الأهالي وأصحاب المحال أخذوا على عاتقهم تنظيف الشارع والحفر على طول الطريق، بعد تراكم الأوساخ وانتشار الروائح الكريهة.
يقول “كان من الأفضل أن يغلقوا الحفر المفتوحة في الأجزاء التي ينتهون من العمل فيها تِباعاً، لقد تراكمت الأوساخ لأسابيع من دون تدخل البلدية لتنظيفها”.
وعن عدم تقسيم الطريق إلى مواقع عمل يتم تنفيذها تباعاً بدلاً من العمل على كامل الطريق دفعة واحدة، أوضح المهندس رافع الزعبي أنه لا يمكن تنفيذ المشروع على مراحل بسبب ترابط البنى التحتية في كل المحاور.
يقول الزعبي لموقع تلفزيون سوريا “عملية التأهيل يجب أن تنجز باتساق للتأكد من عملية الربط والتنفيذ والاختبار؛ بهدف تعظيم موثوقية الإنجاز والتنفيذ التي تشمل شبكة الكهرباء وشبكة الصرف الصحي وشبكة المياه العذبة وشبكة إطفاء الحريق وشبكة الهاتف الآلي والفايبر.
وبالتوجه مرة ثانية إلى منطقة باب شرقي، تبيّن أن عدداً من الحفر قد أغلقت بعد تنظيفها في الأسبوع الأخير، ويأتي ذلك استجابةً لمطالب الأهالي بعد معاناتهم لأكثر من شهرين من تراكم الأوساخ والحفريات.
فاطمة الصوص وهي من سكان حارة اليهود، أكدت على الجهود التي بذلتها المحافظة، وضرورة زيادة الإنارة ليلاً حتى لا يتعثر كبار السن، تقول لموقع تلفزيون سوريا “كانوا يعملون بشكل مستمر طوال الأيام الفائتة، أهم شي للأهالي نظافة الشوارع لأننا نخاف من القوارض والروائح الكريهة في البيوت العربية”.
من جانبها، أكدت مديرية دمشق القديمة لموقع تلفزيون سوريا بأّن التنظيف يتم بشكل دوري للحفر الفنية للمشروع. كما يُنفذ مشروعان لتمديد شبكات للصرف الصحي للشوارع الفرعية المتعامدة مع محاور طرق المشروع (باب توما القشلة – باب شرقي – محيط الكنيسة المريمية)؛ وهو ما أدى إلى زيادة بالمدة الزمنية للمشروع الأساسي من أجل الانتهاء من عملية التنظيف المستمرة لخطوط الصرف الصحي.
وفي الرد على الحوادث الناتجة عن الحفر الفنية، أجابت المديرية: “وضعت أغطية مؤقتة للحفر الفنية بهدف حماية الأخوة المواطنين، ولاحقاً ستركّب أغطية دائمة لهذه الحفر عند الانتهاء من المشروع”.
“مهبط طيران” أم قياسات فنية خاطئة؟
بابتسامة واضحة، يصف أسامة عبد الرزاق -صاحب محل لبيع الآلات الموسيقية الشرقية في باب شرقي- مظهر الشارع الجديد بعد رصف الحجارة، بقوله “صار مثل مهبط طائرات”، في دلالة على استقامة الشارع وخلوّه من التعرجات والمطبّات.
وبسؤاله عن رأيه بالتأخير في إنهاء المشروع، أشار زياد الشبلي صاحب محل شرقيات في باب شرقي، إلى أنّ مشروع كهذا لن يستغرق وقتاً أقل ولا سيما مع المشكلات التي تعاني منها المنطقة منذ عشرات وربما مئات السنين، يقول “بدأت المنطقة تسترجع جماليتها بعد إعادة الحجارة، ونأمل أن تكون المشكلات السابقة في البنية التحتية انتهت تماماً”.
أما خليل عبد الرحيم، فأشار إلى أن الفارق بين الرصيف والشارع قليل جداً، ما يعني أن ارتفاع الرصيف لم يؤخذ بعين الاعتبار، وهو ما قد يسبب لاحقاً تعثر المارة وتعدي السيارات على الرصيف.
وانتشرت بين الأهالي شائعات خلال الشهر الأخير بأنّ المحافظة تنوي إزالة حجارة الرصيف وإعادة تركيبها من جديد من أجل ضبط القياسات، وهو ما أثار استياء أصحاب المحال التجارية وإلقاء اللوم على عدم دراسة المشروع فنياً وهندسياً بشكل كافٍ.
وفي الرد على ذلك، نفى المهندس رافع الزعبي وجود مشكلات في القياسات أو في دراسة المشروع من الناحية الفنية أو الهندسية أو التنفيذية، مؤكداً في الوقت نفسه وجود ما أسماه “تأهيلاً للأرصفة”.
يقول الزعبي لموقع تلفزيون سوريا “بعد الانتهاء من تأهيل الشوارع سيعاد تأهيل الأرصفة مما سيؤدي إلى إعادة الوضع لما كان عليه”.
خطة مدروسة لتقليل الضرر
نقل موقع تلفزيون سوريا شكوى التجار في منطقة باب شرقي إلى مديرية مدينة دمشق القديمة، ولا سيما أنّ عدداً كبيراً منهم استاء من تزامن تنفيذ المشروع مع موسم الصيف وهو موسم العمل بالنسبة إليهم لكون منطقتهم سياحية.
وردّت مديرية مدينة دمشق القديمة على ذلك، بأنّ المشروع قُسم إلى مرحلتين؛ بهدف تقليل أو منع تعطيل أعمال الفعاليات التجارية واستمرار حركة الناس وإمكانية الوصول للأماكن الدينية الموجودة في المنطقة.
وشملت المرحلة الأولى إعادة تأهيل الشوارع مع ترك الأرصفة متاحة للمارة، في حين تبدأ المرحلة الثانية بعد الانتهاء من رصف الشوارع وهي لتأهيل الأرصفة وجوانب الطرق.
في المقابل، أغلق عدد من أصحاب الفعاليات التجارية محالهم بشكل كامل خلال الفترة الأولى من تنفيذ المشروع مع الاستمرار في دفع إيجاراتها، في حين فتح آخرون أبوابهم استمراراً في “روتين” اعتادوا عليه على الرغم من توقف أعمالهم.
وعن اختيار الصيف لتنفيذ المشروع، أوضحت المديرية لموقع تلفزيون سوريا أن هذا الوقت الأفضل حرصاً منها على تنفيذ المشروع من دون تعطله بالأحوال الجوية وتلف مواد البناء المستخدمة، كما أنهم أخذوا بعين الاعتبار ضرورة الانتهاء من الأعمال قبل بدء الأعياد المسيحية ورأس السنة الجديدة.
وأكدت المديرية أنها التمست من الأهالي العذر ولا سيما مع استمرار العمل في بعض الأيام إلى وقت متأخر ليلاً، كما أن هناك “جلسات مستمرة مع الفعاليات التجارية والأهالي ورؤساء الأماكن الدينية لاطلاعهم على سير أعمال المشروع”.
المصدر: تلفزيون سوريا

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى