قراءة إسرائيلية في جولة الحرب المقبلة

بسام مقداد

طرفا توسيع رقعة التوتر في الشرق لأوسط، إسرائيل وإيران، يصران على استغلال تردد القيادة اللبنانية في تنفيذ قراراتها بانتزاع سلاح حزب الله والميليشيات الأخرى، ليستمرا في ابتزاز لبنان. إسرائيل تستغل استقواء حزب الله على الدولة اللبنانية لتجعل اللبنانيين يحبسون أنفاسهم في توقع تحول اعتداءتها اليومية إلى حرب شاملة. وإيران التي تدفع فصيلها المسلح في لبنان، حزب الله، لتشديد استقوائه على الدولة وإظهارها “دولة فاشلة”. وهي بذلك تريد أن تُفهم الأميركيين والغرب عموماً، أنها، وعلى الرغم مما ألحقوه بها وبأذرعها من ضعف، لا تزال تمسك بقسم وازن من القرار اللبناني.

إسرائيل وإيران تشنان حرباً شعواء على لبنان وسيادته. إسرائيل تغلف عدوانها بالزعم أنها تريد تخليص لبنان من النفوذ الإيراني، وإيران تغلف حربها بالزعم أنها تريد تحرير لبنان من الاحتلال الإسرائيلي. “حرص” إسرائيل على تحرير لبنان من نفوذ إيران تترجمه بقتل اللبنانيين وتدمير عمارهم فوق رؤوسهم، وإيران تنوب عن اللبنانيين بنعي قتلاهم و”زفهم شهداء سعداء” بموتهم ودمار بيوتهم، للحفاظ على ديمومة نظام الملالي.
حرص إيران على “تحرير” لبنان من الاحتلال الصهيوني، يترجمه مسؤولو نظام الملالي بالمزيد من الاستثمار في تردد القيادة اللبنانية وخشيتها من حرب أهلية تلوح بها إيران وحزب الله. ولا يبخلون بالجهد لتصوير الدولة اللبنانية “دولة فاشلة”، وذلك لتسهيل مهمة الاحتفاظ بسلاحهم بيد ذراعهم اللبناني، حزب الله. وأخذوا ينوبون عن اللبنانيين بالتحدث بإسمهم والزعم بأنهم يعلون السلاح على الماء والغذاء. ويرد وزير خارجيتهم على رفض زميله اللبناني زيارة طهران واقتراح بلد محايد لعقد اللقاء، بدعوة نفسه للمجيئ إلى لبنان. فالوزير عباس عراقجي يريد أن يكرس الممارسات السابقة، حين كان المسؤولون الإيرانيون يدخلون لبنان ويخرجون منه ساعة يشاؤون. فهم يصرون على التعامل مع الدولة اللبنانية “دولة فاشلة” بالفعل بفضل سلاحهم الذي كلفوا به مجموعات من الشيعة اللبنانيين، وليس فقط منهم.

بفضل الحرص الإيراني هذا على “تحرير” لبنان من الاحتلال الصهيوني، أصبحت الجولة الجديدة من حرب العدو على لبنان على مسافة أسابيع، إن لم يكن على أيام، على ما يقول الإعلام الإسرائيلي هذه الأيام.
موقع vesty الإسرائيلي الناطق بالروسية والتابع لصحيفة يديعوت أحرونوت نشر في 17 الجاري نصاً بعنوان “حرب جديدة مع حزب الله: متى سيشن الجيش الإسرائيلي عملية في لبنان ومن سيكون الهدف؟”.
زعم المحلل العسكري في يديعوت أحرونوت يوآف زيتون (Yoav Zeitoun)، أنه بحسب الجيش الإسرائيلي، فإن البنية التحتية تحت الأرض لمعقل حزب الله الرئيسي في ضاحية بيروت، هي أقل عمقاً من تلك التي بنتها حماس في غزة، لكن المسلحين اللبنانيين يحاولون أيضاً إخفاء أهم عناصر ترسانتهم في أنفاق ومخابئ تحت المباني السكنية. وتقدر قيادة الجيش أن الجولة المقبلة من الصراع المسلح قد تصاحبها مئات من عمليات إطلاق الصواريخ والطائرات المسيرة من الأراضي اللبنانية باتجاه إسرائيل. ويقول بأن جهاز المخابرات العسكرية “أمان”، لاحظ منذ فترة قريبة أن سكان بيروت خارج الضاحية يرفضون تأجير شققهم لحزب الله، مخافة أن يقصفها الجيش الإسرائيلي.

يشير زيتون إلى أن بوادر العملية التي يخطط لها الجيش الإسرائيلي في القطاع الشمالي ويروج لها سياسياً، قد بدأت قبل نحو شهر، حين اغتيل رئيس أركان حزب الله علي الطباطبائي. إلا أن الحزب قرر عدم الرد والتزم بسياسة ضبط النفس، فلم يطلق قذيفة هاون واحدة.
ينقل زيتون عن الخبراء العسكريين تقديرهم بأن حزب الله سوف يعتمد هذه المرة خطة منظمة لشن الضربات. فقد يشمل ذلك إطلاق مئات الصواريخ والقذائف والطائرات من دون طيار والطائرات الهجومية المسيّرة في غضون عدة أيام.
يشير المعلق إلى أنه في تقدير مسؤولين أمنيين لن تقدم إسرائيل على مثل هذه العملية من دون موافقة الرئيس الأميركي دونالد ترامب. ولذلك، يشكّكون في اتخاذ أي خطوة حاسمة قبل زيارة نتنياهو للبيت الأبيض في نهاية الشهر الجاري.
يرى جهاز “أمان”، أن حزب الله يفضل حاليًا “تجاهل” الغارات الجوية الإسرائيلية شبه اليومية. وفي الوقت عينه، يخوض صراعًا داخليًا في لبنان، معتقدًا أن مثل هذه الصراعات أكثر سهولة في التحكم بها. ويشير الجيش الإسرائيلي إلى أن هيمنة الحزب كحركة سياسية مدنية قد تراجعت خلال العام الماضي.

بعد أن يشير إلى عجز الحزب عن دفع بدلات إيجارات الشقق لعشرات آلاف اللبنانيين الذي هجروا من منازلهم وقراهم بسب العملية البرية الإسرائيلية، ينقل المعلق عن مصادر في المخابرات قولها بأن أعداداً متزايدة من “شيعة الحزب” ينتقلون إلى صفوف حركة أمل، ذلك لأنه عاجز عن إعالة آلاف عائلات القتلى والعديد من الجرحى. ومع ذلك، فإن حزب الله لا يزال أقوى عسكرياً من الجيش اللبناني. “وعندما تتغير هذه المعادلة، سنعلم أن التغيير قد حدث لصالحنا”.
يشير زيتون إلى أن الحزب يعتمد في استعادة قوته على إنتاجه الذاتي. ويرى “أننا سنكون ملزمين بمواصلة قتاله مهما كان الثمن”. ويقول بأنه كلما أصبح الحديث أكثر واقعية عن تجريد حزب الله من سلاحه بالقوة ، كلما أصبح رده أكثر شراسة.
يرى زيتون أن الانتخابات اللبنانية المقبلة تشكل عامل ضغط سياسي إضافي على حزب الله. ويعتقد الجيش الإسرائيلي أن نعيم قاسم “الرمادي” يعتبر التماسك الداخلي واستعادة شرعية الحزب أكثر أهمية من صراع دموي جديد مع إسرائيل.

وكالة الأنباء الإسرائيلية cursor الناطقة بالروسية أيضاً، نقلت في 28 الشهر الماضي عن المعلق في صحيفة معاريف آفي أشكينازي (Avi Ashkenazi) قوله بأن إسرائيل تشدد الضغط على حزب الله، وقد تشن عملية واسعة بعد 31 كانون الأول/ ديسمبر، الموعد النهائي الذي بحلوله يتعين على لبنان نزع سلاح الحزب.
ويقول أشكينازي أنه في الأيام الأخيرة، كثّف الجيش الإسرائيلي وجهاز الشاباك والموساد أنشطتهم في أربعة محاور متزامنة: غارات وعمليات في لبنان، تدخلات في سوريا، عملية “الأحجار الخمسة” في شمال الضفة واعتقالات في كفر قاسم ومدن عربية أخرى. والهدف من كل ذلك هو عرقلة استراتيجية إيران، ومنعها من تعزيز قواتها، وإحباط خططها للضغط على إسرائيل.

ويبدو أن أشكينازي قد وقّت نشر مقالته (28/11) في ذكرى السنوية الأولى لدخول اتفاقية وقف إطلاق النار حيز التنفيذ. ويطلق على حرب إسرائيل المستمرة على حزب الله في لبنان تسمية “الحرب بين الحروب” التي تتواصل “لسنة ويوم واحد”، ويقول إنها تدخل في مرحلة حاسمة. ويعتبر الشهر الجاري، كانون الأول/ديسمبر، شهراً مفصلياً، ويوم الواحد والثلاثين منه، هو الموعد النهائي الذي على إسرائيل أن تكون بعده جاهزة لشن عملية واسعة. وقد يتعين عليها أن تنفذ عملياً في لبنان إلتزامه بنزع سلاح حزب الله في كل لبنان: في الجنوب، في البقاع، في الضاحية، شمال الليطاني، وحتى أقرب إلى المناطق الشمالية من لبنان.
وفي تبرير لتأجيل شن “العملية الواسعة”، يقول أشكينازي إن كانون الأول/ ديسمبر هو شهر الأعياد، وسيكون العالم منهمكاً بها، وانتباهه مركز على أخبارها لا على أخبار حروب الشرق الأوسط. وهذا الأمر مفهوم في طهران وأنقرة وبيروت وتل أبيب. ولذلك تشير التقييمات إلى أن هذه الفترة قد تشهد توتراً شديداً على نحو خاص.

المصدر: المدن

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى