هل سوريا جاهزة لضريبة القيمة المضافة؟

    إياد الجعفري

في أيار/مايو 2008، أعلن وزير المالية السوري في حينها، محمد الحسين، أن وزارته بصدد فرض ضريبة “القيمة المضافة” في العام 2009. وأشار إلى أن ذلك بغاية الإصلاح الضريبي، وضبط التهرب الضريبي الكبير في البلاد، وفق إقرار السلطات في ذلك الحين.

بعد أشهر، وفي تشرين الثاني/نوفمبر 2008، حاول الوزير الحسين تهدئة المخاوف من أثر فرض الضريبة الجديدة، مؤكداً أنه لن يتم فرضها قبل العام 2010. مشيراً إلى أن ضريبة “الإنفاق الاستهلاكي”، ستُلغى. وأن ضريبة القيمة المضافة الجديدة، ستحل محل 12 ضريبة ورسماً.

وفي محاولة للترويج لإيجابيات الانتقال إلى “ضريبة القيمة المضافة”، قال الوزير الحسين، حينها، إن وزارته تفكر في إعفاء “المواد الغذائية والأدوية وما له علاقة بالصحة والإنتاج الزراعي وإنتاج الماء والغاز والكهرباء”. وأضاف إلى قائمة الإعفاءات المرتقبة، قطاعات “العقارات والتعليم وكافة الخدمات المالية والمصرفية والتأمينية وكذلك الجمعيات الخيرية”.

جاء ذلك في سياق حوار مجتمعي، شارك فيه خبراء واقتصاديون سوريون، في نهاية العشرية الأولى من حكم بشار الأسد. حينها أبدى العامة من السوريين مخاوفهم من الانتقال لضريبة القيمة المضافة. وأشارت الكثير من الآراء المتداولة حينها، إلى قناعة شريحة واسعة أن النظام الضريبي الجديد سيرفع الأسعار مجدداً، في وقت كانت فيه القوة الشرائية للسوريين تتراجع بفعل تراجع الدعم الاجتماعي. أما الاقتصاديون فانقسموا إلى فريقين، الأول أيّد الانتقال إلى “ضريبة القيمة المضافة”، لأنها تحقق عدالة ضريبية أكبر، حيث ستعفى السلع والمواد الأساسية، وكذلك التعليم والسكن والمياه والكهرباء، من الضرائب. لكن فريقاً ثانياً، عارض ذلك، معتبراً أن تطبيق هذه الضريبة سينعكس سلباً على المستهلك النهائي، جراء حجم التهرب الضريبي الكبير في سوريا، وغياب مفهوم “الفوترة” من اقتصاد التجزئة السوري. ناهيك عن الفساد الكبير في الدوائر الحكومية المعنية بالجباية الضريبية. مما سيصب في صالح كبار المكلفين ضريبياً، على حساب الشرائح الأكثر هشاشة وضعفاً من ذوي الدخل المحدود، وما دون. ودَعَمَ هذا الرأي، تصريحٌ منسوب لوزير المالية، الحسين، حينها، قال فيه إن حجم التهرب الضرببي في سوريا يصل إلى نحو 200 مليار ليرة سورية، أي نحو 4 مليار دولار (وفق أسعار الصرف حينها). وهو ما كان يعادل نحو 11.7% من حجم الناتج المحلي الإجمالي، و40% من موازنة الدولة، في العام 2008.

لكن وزير المالية الحسين، واصل ترويجه لإيجابيات ضريبة القيمة المضافة، خلال عامَي 2009 و2010. إلا أن وزارته تريثت في التطبيق، وأخلفت مواعيد سابقة كانت قد أعلنتها لاعتماد النظام الضريبي الجديد.

وفي 7 آذار/مارس 2011، وعلى وقع ثورات الربيع العربي في تونس ومصر وليبيا، ومع توالي الإرهاصات الأولى للثورة في سوريا ذاتها، أطلق وزير المالية، الحسين، تصريحاً مفاجئاً. إذ قال إن وزارته غير مستعجلة في تطبيق ضريبة القيمة المضافة. واعترف بأن المستهلك هو من سيتأثر، “إن لم نحسن تطبيق ضريبة القيمة المضافة بشكل صحيح”. وقفز إلى الضفة الأخرى، لينتقد الخبراء المطالبين بتطبيق ضريبة القيمة المضافة، قائلاً إن “المستورد، والتاجر، والصناعي قد يستثمر مناسبة تطبيقها لزيادة أرباحه وبالتالي سيدفع المستهلك النهائي ثمن ذلك”. مقراً بأن المستلزمات اللازمة للنجاح في تطبيق هذا النظام الضريبي، غير متوافرة في سوريا، وهي “الفوترة والأتمتة”.

وهكذا، “كوّع” الوزير الحسين يومها، ليبتلع كل تصريحاته السابقة عن العدالة الضريبية التي ستحققها “ضريبة القيمة المضافة”، وعن الإعفاءات للمواد والسلع الأساسية. فعينُ الحكومة على مدار السنوات الثلاث السابقة لآذار/مارس 2011، كانت على المليار دولار التي ستضيفها “ضريبة القيمة المضافة” إلى خزينة الدولة، حسب توقعات المسؤولين حينها. لكن مع قدوم هذا الشهر (آذار/مارس 2011)، باتت عين الحكومة على غضبة الشارع، والخشية من انفجاره، على وقع تطورات ثورات الربيع العربي، حينها.

مناسبة هذا الاستعراض التاريخي، إعلان وزير المالية السوري الحالي، محمد يسر برنية، قبل أيام، إعداد مشروع قانون الضريبة على المبيعات، والذي سيلغي ضريبة الإنفاق الاستهلاكي، ويمهد للانتقال لضريبة القيمة المضافة. واستخدم برنية الكلمات والإشارات ذاتها للترويج لفكرة “ضريبة القيمة المضافة”، التي سبق واستخدمها سلفه، محمد الحسين، قبل عقد ونصف. كالحديث عن ضرورة الإصلاح الضريبي، وعن إعفاء كامل للسلع الغذائية والأساسية، والصادرات.

الوزير برنية، طرح مشروع القانون الجديد للنقاش المجتمعي، وللملاحظات والمقترحات من جانب المتخصصين، عبر بريد الكتروني مخصص لذلك. لكنه حدد تاريخ أقصى لهذا النقاش، ينتهي يوم 15 تشرين الأول/أكتوبر القادم. وهي فترة قصيرة مقارنة بنحو ثلاث سنوات من النقاش حول ذات القضية، قبل عقد ونصف، يوم كانت سوريا، مستقرة أمنياً وسياسياً، وتتمتع ببنية تحتية ووضع اقتصادي، غير مدمر.

ودعونا نقرّ أن ضريبة القيمة المضافة، تحقق عدالة ضريبية أعلى للمكلّفين، خصوصاً المستهلك النهائي، وتحقق تحصيلاً ضريبياً أفضل لخزينة الدولة. لكن ذلك بشروط، أبرزها، القدرة على ضبط المتهربين ضريبياً عبر الفوترة وضبط الفساد في أوساط المسؤولين عن الجباية الضريبية. وفي ظل حجم اقتصاد غير منظم، يصل وفق تقديرات إلى 70% من الاقتصاد السوري، فإن فرض “ضريبة القيمة المضافة” بنسبة منخفضة (5% كما ذكر الوزير)، سينعكس انهياراً في التحصيل الضريبي لصالح خزينة الدولة، قد يصل إلى نحو 50%. وهو ما سيدفع وزير المالية، بموجب الصلاحيات الممنوحة له في مشروع قانون الضريبة على المبيعات، إلى رفع النسبة المشار إليها (5%)، وحذف بعض الإعفاءات، لاسترداد العجز في الإيرادات الضريبية. وهو ما سينعكس في نهاية المطاف، عبئاً مادياً على المستهلك النهائي، مع الارتفاع المرتقب في أسعار السلع والخدمات. أي أن الخاتمة التي قررت حكومة نظام الأسد، تجنبها، عشية ثورة 2011، خشية إغضاب الشارع على وقع ثورات الربيع العربي، ستتحقق اليوم.

قد نكون مخطئين. ونقرّ بمؤشرات النوايا الإيجابية للوزراء الاقتصاديين في الحكومة الحالية، الهادفة للنهوض بالاقتصاد السوري، وسط ظروف عصيبة يعملون في ظلها. لكن الخطوات السريعة للإصلاحات التي يسير بها، بعضهم، مع الوضع المعيشي الكارثي لغالبية السوريين، قد لا تكون مقاربة موفّقة، رغم الحاجة الملحة للإصلاح. لكن بوتيرة تتناسب مع الوضع الراهن، لا وفق ما نأمل أن يكون عليه هذا الوضع.

 

المصدر: المدن

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى