
قالت مصادر مطلعة لوكالة “رويترز” إن سوريا تكثف، تحت ضغط أميركي، محادثاتها مع إسرائيل للتوصل إلى اتفاق أمني تأمل دمشق أن يؤدي إلى استعادة الأراضي التي سيطرت عليها إسرائيل مؤخراً، رغم أن الاتفاق سيظل بعيداً عن معاهدة سلام كاملة.
وأضافت المصادر أن واشنطن تدفع باتجاه تحقيق تقدم ملموس بحلول نهاية الشهر الجاري، تزامناً مع اجتماع قادة العالم في نيويورك لحضور أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة، بما يتيح للرئيس الأميركي دونالد ترامب الإعلان عن اختراق دبلوماسي بارز.
وأوضحت أربعة مصادر لـ”رويترز” أن مجرد التوصل إلى اتفاق محدود سيُعد إنجازاً، في ظل موقف إسرائيل المتشدد خلال أشهر من المحادثات، وفي وقت تواجه فيه سوريا وضعاً أضعف بعد “الصراع الطائفي” في الجنوب الذي أجج الدعوات إلى التقسيم.
ما تفاصيل المفاوضات؟
أجرت الوكالة مقابلات مع تسعة مصادر مطلعة على مسار النقاشات والعمليات الإسرائيلية في جنوبي سوريا، من بينهم مسؤولون عسكريون وسياسيون سوريون، ومصدران استخباريان، ومسؤول إسرائيلي.
وبحسب هذه المصادر، فإن المقترح السوري يركز على انسحاب القوات الإسرائيلية من الأراضي التي سيطرت عليها في الأشهر الأخيرة، وإعادة العمل بمنطقة عازلة منزوعة السلاح تم الاتفاق عليها بموجب هدنة عام 1974، إضافة إلى وقف الغارات الجوية والتوغلات البرية الإسرائيلية داخل الأراضي السورية.
وأكدت المصادر أن المحادثات لم تتطرق إلى وضع مرتفعات الجولان التي احتلتها إسرائيل عام 1967. وقال مصدر سوري مطلع على موقف دمشق إن الملف “تُرك للمستقبل”.
وأشارت المصادر إلى أن إسرائيل أبدت تحفظاً شديداً خلال المحادثات السرية حيال التراجع عن مكاسبها الميدانية.
وقال مصدر أمني إسرائيلي: “الولايات المتحدة تضغط على سوريا للإسراع في إبرام اتفاق أمني – الأمر شخصي بالنسبة لترامب”، موضحاً أن الرئيس الأميركي يسعى لتقديم نفسه مهندساً لاختراق دبلوماسي كبير في الشرق الأوسط.
لكن المصدر ذاته أضاف: “إسرائيل لا تقدم الكثير”.
وامتنعت مكاتب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير الشؤون الاستراتيجية رون ديرمر، الذي يقود المفاوضات، عن التعليق على أسئلة الوكالة.
وقال مسؤول في وزارة الخارجية الأميركية إن واشنطن “تواصل دعم أي جهود من شأنها أن تجلب الاستقرار والسلام الدائم بين إسرائيل وسوريا وجيرانهما”، لكنه لم يوضح ما إذا كانت الإدارة الأميركية تسعى لإعلان اختراق خلال اجتماعات الجمعية العامة.
عجز في الثقة
وأشارت المصادر إلى أن إسرائيل تبدي عداءً للحكومة السورية، متذرعة بخلفية الرئيس أحمد الشرع وعلاقاته السابقة بجماعات جهادية، كما ضغطت على واشنطن لإبقاء سوريا ضعيفة ومجزأة.
غير أن الولايات المتحدة شجعت على المضي في المحادثات، في إطار سعيها لتوسيع دائرة الدول المنضمة إلى اتفاقيات التطبيع مع إسرائيل، على غرار “اتفاقات أبراهام” التي أُبرمت خلال الولاية الأولى لترامب.
اتصالات استكشافية بين دمشق وتل أبيب
بدأت الاتصالات الاستكشافية بين سوريا وإسرائيل في أبوظبي عقب زيارة الرئيس أحمد الشرع للإمارات في نيسان الماضي، والتي تحتفظ بعلاقات مع إسرائيل. وبعدها، اجتمع الطرفان في العاصمة الأذربيجانية باكو في تموز.
لكن النقاشات سرعان ما دخلت في حالة ارتباك، عندما نشرت القوات السورية وحدات عسكرية في منطقة السويداء جنوب غربي البلاد، واعتبرت إسرائيل ذلك خرقاً لتطبيق “المنطقة منزوعة السلاح”، لترد بقصف وزارة الدفاع في دمشق.
وبوساطة أميركية، تم التوصل إلى وقف إطلاق نار أنهى العنف، لتستأنف بعد شهر المفاوضات الثنائية في باريس، في أول اعتراف علني من دمشق بوجود محادثات مباشرة مع خصمها التاريخي. غير أن أجواء اللقاء اتسمت بالتوتر وانعدام الثقة، بحسب مصدرين سوريين ودبلوماسي غربي.
محادثات على خطى “كامب ديفيد” بلا أفق للجولان
يتبع المفاوضون مساراً تدريجياً شبيهاً باتفاقات إسرائيل مع مصر التي مهّدت لتطبيع تاريخي عام 1980 وأعادت سيناء للقاهرة.
غير أن ستة مصادر مطلعة أكدت أن إسرائيل غير مستعدة حتى على المدى الطويل لإعادة الجولان، الذي اعترف الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب بسيادتها عليه في ولايته الأولى.
واقترحت إسرائيل على المبعوث الأميركي الخاص إلى سوريا، توماس باراك، الانسحاب من جنوب سوريا مقابل تخلّي الشرع عن الجولان، وفق مسؤول إسرائيلي، لكن الأخير أقر بأن المؤشرات الأميركية أوضحت أن الطرح “غير قابل للنقاش”.
وأكد مسؤول سوري أن الشرع أوضح لباراك أن أي تنازل عن الجولان يعني نهاية حكمه، مشدداً على أن أي اتفاق أمني يجب أن يستند إلى خطوط 1974.
توجس سوري وضغط أميركي
رغم استعداد الشرع لتسريع المحادثات لإرضاء واشنطن، فإنه لا يزال حذراً، بحسب ضابط استخبارات غربي ومسؤول إسرائيلي ومصدر سوري.
وقد أبلغ باراك بأن الظروف “غير ناضجة بعد” لاتفاق سلام شامل، معتبراً أن “عناصر الثقة الأساسية غائبة تماماً”.
وقال مسؤول أميركي كبير إن ترامب كان واضحاً خلال لقائه الشرع في أيار بالرياض بأن واشنطن تتوقع من سوريا العمل من أجل السلام والتطبيع مع إسرائيل وجيرانها.
واقع معقد في الجنوب السوري
المعادلة الميدانية حدّت من خيارات الشرع؛ فتوغلات إسرائيل ودعمها للدروز عززا الرأي العام المعادي لأي اتفاق، في وقت تشكل عمليات الاستيلاء على الأراضي تهديداً مباشراً لدمشق، ما يجعل اتفاق خفض التصعيد أولوية ملحة، وفق “رويترز”.
وقال ضابط سوري متمركز قرب الحدود إن دوريات الجيش تتجنب مواجهة القوات الإسرائيلية، التي تداهم القرى بانتظام لجمع بيانات السكان وتفتيش المنازل بحثاً عن أسلحة.
الورقة الدرزية تعزز الموقف الإسرائيلي
ازداد قوة موقف إسرائيل بفعل أحداث السويداء، حيث اتهمت القوات السورية بتنفيذ إعدامات ميدانية بحق مدنيين دروز، وبدأ قادة الطائفة بالمطالبة بالاستقلال وممر إنساني يربط الجولان بالسويداء، في تحدٍ لتعهد الشرع بإعادة مركزية السيطرة على الأراضي السورية.
وأكد زعيمان درزيان كبيران، فضلا عدم ذكر اسميهما، أن إسرائيل ساعدت في توحيد الفصائل المتفرقة وقدمت لها أسلحة وذخائر. وأشارا مع مصدر استخباري غربي إلى أن إسرائيل تدفع رواتب لعدد كبير من نحو 3 آلاف مقاتل درزي.
ولم تتمكن رويترز من التحقق بشكل مستقل من هذه الإمدادات أو المدفوعات، فيما رفض مكتبا نتنياهو ودرمر التعليق.
وخلال محادثات باريس، رفض وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني فكرة الممر الإنساني، معتبراً أنها تنتهك سيادة سوريا.
واتفق الجانبان على أن استقرار الجنوب السوري ضروري لمنع عودة خلايا مرتبطة بإيران أو “حزب الله” أو جماعات فلسطينية مسلحة، وبالمقابل سمحت إسرائيل بنشر حواجز تابعة لوزارة الداخلية السورية في السويداء.
المصدر: تلفزيون سوريا