الثمن الأكبر لدرء الخطر.. معاني الصمت والكلام من قمة الدوحة

قدر قطر، أن تدفع الثمن أكثر، لدرء الخطر الأكبر. ضربتان تلقتهما دولة قطر، أخذتهما في قلبها، لتجنيب المنطقة حرباً أوسع. كانت الضربة الأولى في استهداف قاعدة العديد من قبل إيران، رداً على الضربة الأميركية للمنشآت النووية الإيرانية. والضربة الثانية، هي الاعتداء الإسرائيلي في قلب العاصمة الدوحة، واستهداف وفد حركة حماس المفاوض. ولأن الضربة التي لا تقتل “تقوّي”، يمكن لما بعد الاعتداء، وما بعد القمة الإسلامية الطارئة التي عقدت في الدوحة، أن يشكّل فرصةً لخروج المنطقة من حالة الحرب الإسرائيلية المفتوحة على دول المنطقة ككل، وفرصة لوضع إطار عملاني لحل القضية الفلسطينية، ومشروع رؤية واضح حول التكامل العربي والإقليمي، بهدف منع إسرائيل من التفرد في صياغة وضع المنطقة وتوازناتها، كما يدعي باستمرار رئيس وزرائها بنيامين نتنياهو حول تغييره لوجه المنطقة.

الضربة الإيرانية على قاعدة العديد جنّبت المنطقة حرباً إقليمية. عرفت قطر كيف تتعامل مع هذا الاعتداء سياسياً وديبلوماسياً. وسريعاً توجه المسؤولون الإيرانيون إلى الدوحة، وقدموا اعتذارهم، في حين تعاملت قطر بترفع عن حقها السيادي والمباشر، لمصلحة أمن المنطقة ودولها ومواطنيها وسكانها. ولو لم تتصرف كذلك، لكانت المنطقة على مشارف حرب قد يُستخدم فيها سلاح نووي. أما الضربة الإسرائيلية، والتي أرادت إسرائيل عبرها كسر كل القواعد، واغتيال قيادة حركة حماس السياسية، ولا سيما الوفد المفاوض، فقد حدثت لأن الحكومة الإسرائيلية لا تؤمن إلا بالقتل والاغتيالات والعمليات العسكرية، وتريد قطع الطريق على أيّة مفاوضات سياسية، وهذا ما يعني أن استمرار أيّة دولة في دور الوساطة والتفاوض هو الأمر الذي لا تريده إسرائيل، التي سمعت كلاماً واضحاً من وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو حول أهمية دور قطر في مجال التفاوض، والبحث عن حل لوقف الحرب.

إذن، يمكن للضربتين أن تتحولا إلى فرصة للمنطقة، في سياق فتح مسار جديد للتعاون والتكامل بين دولها، وهو ما جرى تأكيده في كلمات رؤساء الدول العربية والإسلامية خلال القمة الإستثنائية، وهو ما جاء في البيان الختامي للقمة، وفي بيان دول مجلس التعاون الخليجي التي دعت إلى عقد اجتماع عاجل على مستوى وزراء الدفاع للبحث في كيفية تنمية القدرات الدفاعية لدول الخليج وتعزيزها. ما أقرته القمة هو انعدام إمكانية الوصول إلى أي حلّ أو استقرار في المنطقة من دون ضمان حق الشعب الفلسطيني في بناء دولته، ومن دون وقف الحرب الإسرائيلية المستمرة. وذلك لا بد له أن يبدأ من إحداث تغيير فعلي وحقيقي في مسار العلاقات الدولية مع إسرائيل، أو حتى الوصول إلى تغيير فعلي داخل إسرائيل هو غير متاح حالياً. لكن الضغط الدولي والإقليمي، وصولاً إلى مراجعة مسار العلاقات الديبلوماسية مع تل أبيب، وازدياد المواقف الدولية التي تدين المجازر الإسرائيلية وسياسة الاعتداءات التي تعتمدها في المنطقة، إضافة إلى ازدياد عدد الدول المعترفة بالدولة الفلسطينية، ومراجعة الكثير من اتفاقيات توريد الأسلحة، وإلغاء عمليات تزويد إسرائيل بها،  كل ذلك من شأنه أن يؤثر في المسار الداخلي الإسرائيلي. وهنا لا بد من التوقف عند كلمة الرئيس الإسرائيلي اسحاق هرتسوغ الذي تحدث بوضوح عن الأزمة التي تواجهها إسرائيل في سياستها الخارجية.

بناء عليه، يمكن للمقررات الختامية لقمة الدوحة، أن تشكل لبنة أولى في فتح مسار جديد على مستوى المنطقة، وكيفية التعامل مع الملفات الإقليمية والدولية. وأحد أبرز المؤشرات كان في الاتصال المرئي الذي أجراه أمير دولة قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، إلى جانب الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، وملك الأردن عبد الله الثاني، مع رؤساء فرنسا، بريطانيا وكندا، خصوصاً أن هذه الدول أبدت تأييدها للاعتراف بالدولة الفلسطينية، وستكون مشاركة في اجتماع نيويورك المخصص لحل الدولتين.

ثلاث كلمات وصمت، قدّمت إحاطة شاملة بما تقوم به إسرائيل، وتداعيات ذلك على المنطقة.

الكلمة الأولى والأكثر شمولاً لدقائق الاستراتيجية الإسرائيلية، كانت لأمير قطر الذي قدم قراءة واضحة لما تسعى إسرائيل إلى افتعاله أو صناعته، انطلاقاً من حربها المفتوحة على غزة، الضفة الغربية، سوريا ولبنان، وسعيها إلى التقسيم والتفتيت، أو إدخال دول المنطقة في حروب أهلية. وقد تضمنت كلمته تصوراً واضحاً لجهة كيفية التعامل مع التطورات، وصولاً إلى تبني القمة لدعم كل الإجراءات التي ستتخذها قطر رداً على إسرائيل.

الكلمة الثانية كانت للرئيس السوري أحمد الشرع، والتي جاءت مختصرة جداً لكنها مكثفة، واختصرها ببيت شعر للشاعر عمرو بن براقة الهمداني يقول فيه: “متى تجمع القلب الذكي وصارماً.. وأنفاً حمياً تجنبتك المظالم”. اختار الشرع الاكتفاء بهذا البيت، للإشارة إلى أهمية الإقدام والشجاعة والصرامة في اتخاذ الموقف. ولكن ما لم يشأ قوله هو البيت المكمل للبيت الأول وفيه: ” فلا صلح حتى تعثر الخيل بالقنا.. وتُضرب بالبيض الرقاق الجماجم”. وفي مضمون البيت التلويح بأن الصلح أو السلم لن يتمّا إلا بحرب كبرى. وفي اختصار المضمون السياسي للكلمة، فإنّ الهدف منها هو اختصار وقت الأقوال، وتسريع وتيرة الأفعال.

الكلمة الثالثة، للرئيس اللبناني جوزاف عون، الذي تحدث عن أهمية التكامل والتعاون العربي لمواجهة إسرائيل، واعتبر أن اعتداءها على دولة قطر هو اعتداء على العرب أجمعين، وعلى المنطقة ككل، داعياً إلى التسلح بموقف موحد في الجمعية العامة للأمم المتحدة، للضغط في سبيل وقف الحروب الإسرائيلية، والاعتراف بالدولة الفلسطينية، على قاعدة حلّ الدولتين والمبادرة العربية للسلام.

أما الصمت، فقد كان لولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان. وهنا مضمون الصمت يتصل بالتبني السعودي الكامل لموقف دولة قطر، وتبني الرؤية التي طرحها أمير قطر حول كيفية التعامل مع الاعتداءات الإسرائيلية، والعمل على تحصين الموقف العربي خلف القضية الفلسطينية، وحفظ حق الشعب الفلسطيني في بناء دولته على أرضه.

هنا أيضاً، لا يمكن تجاوز الحضور التركي والإيراني في القمة، تضامناً مع قطر، وسعياً وراء تكامل إقليمي يمكن أن يُبنى على قواعد تشاركية، سياسياً، أمنياً، عسكرياً، واقتصادياً بين مختلف الدول الحاضرة، لسلوك مسار جديد يُحدث تحولاً في موازين المنطقة، ولا تكون الولايات المتحدة قادرة على تجاهله لمصلحة حصر الدعم لإسرائيل والالتزام بأمنها فقط، ولو على حساب أمن دول المنطقة ككل.

المصدر: المدن

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى