ما كان مطلوباً من قمّة الدوحة

عمار ديوب

                      

جاء اجتماع القادة العرب والمسلمين لمناقشة العدوان على سيادة دولة عربية، وإلى أين وصلت أشكال “الهيمنة” الصهيونية على المنطقة، والتصدي لها. ليست قطر في مواجهة مع الدولة الصهيونية، ويشكل الاعتداء عليها تعبيراً عن فائض القوة وفرضها على كل المنطقة. القضية ليست الاعتداء فقط، بل شكل العلاقة التي تفرضها الدولة الصهيونية، التي باعتدائها، تعتدي على القوانين الدولية التي تحمي سيادة الدول، وباعتدائها على قطر، تكون قد تلقت تأييداً أميركياً كذلك. إذاً هناك ضرورة لموقفٍ عربيٍّ وإسلاميٍّ وظيفته ليست فقط، كما تمَّ في بيان القمة، الإدانة وضرورة الوقوف مع قطر والقضية الفلسطينية والإشادة بجهود السلام، ومن هذه الكلمات “الرومانسية”.

كان يجب إعلان وقف العلاقات الدبلوماسية أو تجميدها مثلاً مع الدولة الصهيونية، وقطع كل أشكال التعاون، الاقتصادي، والعسكري، والتكنولوجي، والأمني، والحظر البحري والبرّي والجوي، والمطالبة بتجميد عضوية الدولة الصهيونية في الأمم المتحدة، وكذلك استخدام أوراق الضغط العربية “النفط، والاستثمار، وشراء البضائع، والسلاح” كما أشار هاني المصري في مقالته في العربي الجديد “المنطقة العربية أمام لحظة فارقة”.

يوضح هذا البيان أن دول القمة لم تعِ بعد خطورة المرحلة التي وصلت إليها استراتيجية دولة العدو، وبدعمٍ أميركي، ومن ثم، وبدون خطوات ملموسة، ومحددة، وفيها قطع كامل العلاقات مع دولة الاحتلال، ونضيف التهديد بإقامة علاقات مع الصين وروسيا، لن تعيد الإدارة الأميركية قراءتها لخطورة المرحلة التي وصلت إليها المنطقة. وصلت إلى لحظة القطيعة الكاملة، أقلّها هذا ما تعلنه دولة العدو، وفرض “تشكيلها للشرق الأوسط” بالنار. طبعاً، هذه الطريقة في التشكيل لا يمكن أن تؤمن الاستقرار، وهي محض تخريب عميق للعلاقات بينها وبين الشرق بأكمله، التي هي أصلاً علاقات هشّة، وتقتصر على بعض الأنظمة التي ساهمت في إصدار البيان المتأخر عن فهم كيفية المواجهة مع دولة العدو.

لا يتبنّى كاتب هذا النص رؤية تنطلق من الحرب مع هذه الدولة الاستعمارية، بل رؤية سياسية، ومن ثم، يرفض كل الآراء التي تقول إن المنطقة بين رؤيتين، إمّا المقاومة وإما السياسة. لا. المنطقة تحتمل السياسة ولكن انطلاقاً من الدفاع عن الحقوق، الفلسطينية أولاً، وسيادة الدول، وسيادة القوانين الدولية، والتي تؤكد جميعها حق الدول والجماعات بمحاصرة الدول المارقة والمعتدية ومقاطعتها، بل مقاومتها بالسلاح، وهو ما لا نطالب به؛ علماً أن وثائق الأمم المتحدة تضمن لنا ذلك. ليس صحيحاً، أن المطالب بوقف كل أشكال العلاقة مع هذا الكيان هي مطالب تعجيزية، أو قومجية أو تنتمي إلى محور المقاومة “الإيراني”، أو كلام خشبي قديم. هذا كلام غير واقعي، ويستند إلى رؤية ضيقة للغاية، وتؤكد أن الدولة الصهيونية محمية من الإدارة الاميركية، وهي كذلك بالفعل، ومن ثم لا يمكن مواجهتها، والممكن الوحيد تدوير الزوايا، وإدانة أفعالها والتضامن مع قطر وغزة والفلسطينيين بعامة. هذا أصبح من الماضي، ومنذ عقود، والاعتداء على قطر رسالة واضحة للغاية، وقد كرّر نتنياهو بعد الاعتداء، سنكرّر الاعتداء كلما وجدنا لذلك ضرورة، وهناك تهديد لكل من مصر وتركيا، وهذا يعني أن كل دول المنطقة، والإسلامية، وباكستان مهددة كذلك، يمكن أن تصل إليها تلك الاعتداءات التي تتركز الآن في تفكيك سورية ولبنان واليمن وغزّة والضفة بصفة خاصة.

أخطأت الدول العربية والإسلامية منذ 7 أكتوبر حينما أدان كثير منها “حماس” أكثر مما أدانت الدولة الصهيونية

أيّة قراءة صهيونية للبيان، تشير أن الدولة الصهيونية لن تكون مغلولة الأيدي فيما تفعله منذ 7 أكتوبر (2023)، وتستطيع الاعتداء على أية دولة عربية وإسلامية، ولهذا يطرح هذا النص ضرورة تغيير الموقف السياسي للدول العربية تجاه هذه الدولة. لقد فشلت هذه القمة في التصدي للمشروع الصهيوني في هذ المرحلة؛ مشروع الحرب والدمار والقتل وتفكيك الدول، ومحاولة فرض “الهيمنة” على المنطقة بقوة السلاح، ومن ثم، ستتعرض لمختلف أشكال الاعتداءات الصهيونية، ويجب أن تعي دول القمة أن الاعتداء على قطر دَفَنَ المفاوضات مع حماس، وأن غزّة في طريقها إلى الدمار الكامل، وقد تضطر مصر إلى فتح الحدود لآلاف الغزيين كذلك؛ لقد قاتلت المقاومة في غزّة بكل السبل، ولكن فارق القوة، لم يسعفها في المواجهة، ومن ثم، الدمار والمجازر والتجويع هو ما سيستمر هناك.

أخطأت الدول العربية والإسلامية منذ 7 أكتوبر حينما أدان كثير منها “حماس” أكثر مما أدانت الدولة الصهيونية، وبدلاً من أن تكتفي بإدانة عملية 7 أكتوبر، استمرت في إدانة حماس، ومن دون توقف، وكأن ما يحدث في غزّة والضفة الغربية هو بالفعل نتائج تلك العملية، وليس نتاج السياسة الصهيونية المتشدّدة في تهجير أهل غزّة وفرض سيطرة كاملة على الضفة الغربية وعلى كامل المنطقة العربية ومحاولة ذلك على تركيا وإيران؛ أليس هذا ما وصلت إليه السياسة الصهيونية؟

ذلك الخطأ، يستمر من خلال بيان القمة، بيان الإدانة، التضامن، الدعم المطلق. البيان متأخر كذلك عن توجهٍ أوروبيٍّ ودولي بمقاطعة دولة الاحتلال، وهو ما كانت تأمله الشعوب العربية من بيانه. العالم غير العربي والإسلامي لم يكتف بالاحتفاء بإعلان نيويورك، كما تفعل دول القمة، بالاعتراف بالدولة الفلسطينية على الورق طبعاً، ولا يراها خطوة كافية لمواجهة الدولة الصهيونية، التي لم تعترف بذلك الإعلان كذلك، بل تتجه إلى مزيد من المقاطعة كما أشير أعلاه.

ترفض الشعوب اتفاقيات التطبيع، والتي لا توليها أصلاً الدولة الصهيونية أهمية حقيقية

هل نستطيع القول إن القضايا الكبرى في المنطقة صارت تتعلق بمواقف الشعوب من جديد، تجاه القضية الفلسطينية أو التحول الديمقراطي، والتنمية المستدامة وحل مشكلة الفقر، أو العلاقة الندية مع تركيا وإيران أو مع أميركا او الصين وروسيا، ونقصد، هناك سياسات فاشلة للأنظمة العربية تجاه هذه القضايا، وليس فيها أي دور محوري وقيادي أو ندّي، يؤمن مصالح الشعوب العربية ويحفظ سيادة الدول. إن قراءة مواقف الشعوب تؤكد الرفض الكامل لما تفعله دولة الاحتلال، واستطلاعات الرأي تقول بذلك، وترفض كذلك أية علاقات مع الإدارة الأميركية لا تنطلق من إقامة الدولة الفلسطينية، واستعادة الأراضي العربية المحتلة، ورفض اتفاقيات التطبيع، والتي لا توليها أصلاً الدولة الصهيونية أهمية حقيقية، وإلّا لما استباحت غزة والضفة وقطر وسورية ولبنان واليمن بكل هذه الهمجية. هل نبالغ في القول إن القضايا الكبرى، ولا سيما بعد البيان أعلاه عادت إلى أيدي الشعوب العربية والإسلامية.

ستستمر الدولة الصهيونية التي يسيطر عليها أسوأ أشكال اليمين الصهيوني بسياساتها، وستكون معزولة دولياً أكثر فأكثر؛ عربياً لا، إسلامياً لا، كما أشار البيان، ولكنها ستكون مرفوضة شعبياً وبشكل أكثر فأكثر. هل استمرار الإبادة في غزة والتهجير سيمران، وستصمت الشعوب العربية؟ أعتقد أن هذا المعطى لن يستقر، ولن تتمكن الدولة الاستعمارية من فرض هيمنتها على المنطقة وعلى فلسطين، وستكون هناك ردود متعددة الأشكال، وربما تطاول “احتجاجات جديدة ضد الدول العربية والاسلامية التي رفضت اتخاذ موقف مناهض بالفعل للسياسات الصهيونية والأميركية، وريثما يتوقف دمار غزّة والهيمنة بالسلاح على المنطقة؛ هذا ما تفعله شعوب العالم، وستلتحق به الشعوب العربية والإسلامية.

المصدر: العربي الجديد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى