
يعود الموحّدون الدروز في بلاد الشام إلى قبائل عربية استقرّت في مناطق تواجدها منذ مئات السنين، وكان لهم دور بارز في بناء حضارة المنطقة.
ينتمي أبناء المذهب عقدياً إلى كونهم أحد فروع المذهب الشيعي الإسلامي، الذي تفرّع عبر التطور التاريخي إلى المذهب الإسماعيلي، والذي استطاع أن يؤسس دولة الفاطميين في المغرب العربي، ثم امتدّت إلى مصر، وأصبحت القاهرة عاصمة الحكم الفاطمي. وعندما وصل الحاكم بأمر الله الفاطمي إلى الحكم، حصلت بعض التطورات في المذهب الإسماعيلي، وكان ذلك مثار صراع وخلاف حول الحاكم بأمر الله نفسه، الذي أرسل من ينوب عنه إلى بلاد الشام، مثل نشتكين الدرزي وحمزة بن علي، لنشر دعوته. ومنذ ذلك الوقت استقر المذهب الدرزي في جبل لبنان وجبل العرب، وفي مواقع متفرقة عدة في بلاد الشام.
واقع الموحّدين الدروز في سوريا وجوارها في التاريخ المعاصر
لقد كان السوريون، بكل مكوّناتهم، يتعايشون بمذاهبهم المختلفة: سنّة وشيعة وإسماعيليين ودروز وعلويين، وإثنياً عرباً وكرداً، ودينياً إسلاماً ومسيحيون.
قرّر الاستعمار الفرنسي تقسيم سوريا إلى خمس دول، كانت إحداها دولة درزية، وتم إسقاط هذا التقسيم بالثورة السورية الكبرى عام 1925م، بقيادة سلطان باشا الأطرش، وقيادات أخرى على مستوى سوريا كلها.
هذا غير دور إسرائيل العدواني، التي وُلدت على أرض فلسطين، ومخططاتها لتقسيم سوريا على خلفيات طائفية وعرقية، وإقامة دولة درزية من جنوب سوريا تمتد إلى جبال لبنان، تكون دولة طائفية دينية على شاكلة دولة إسرائيل وحليفة لها. لكن أهلنا الدروز رفضوا ذلك وأسقطوا مشروعها.
وحاولت إسرائيل، بعد احتلالها للجولان، التأثير على دروز الجولان وفلسطين من أجل تشكيل دولة درزية تمتد من لبنان إلى الجولان، ولم تنجح. كما حاولت إعطاءهم الجنسية الإسرائيلية، فرفضها معظمهم، إضافة إلى استدعائهم للخدمة العسكرية في الجيش الإسرائيلي، حيث يرفض بعضهم ذلك. وقد تم التعامل معهم من قبل إسرائيل كمذهب ديني، وليس كمكوّن وطني.
الموحّدون الدروز في الدولة السورية
كان الموحّدون الدروز، منذ ولادة الدولة السورية عام 1946م، جزءاً أصيلاً من نشاطات المجتمع الأهلي والمدني والسياسي والعسكري في سوريا على كل المستويات. وكان بعضهم قادة في الأحزاب السياسية الوطنية السورية بتنوّعها، وكان سليم حاطوم من ضباط انقلاب 1963م الذي أوصل حزب البعث إلى السلطة في سوريا، وتم إقصاؤه لاحقاً.
وكان منهم معارضون للنظام، منتمون لأحزاب المعارضة، وبعضهم اعتُقل، إضافة إلى المستقلين والشخصيات الاعتبارية الفكرية والمجتمعية. وشاركوا في الحراك الوطني الديمقراطي كجزء من منظمات المجتمع المدني والأحزاب المعارضة، متمثّلة في التجمع الوطني الديمقراطي في ثمانينيات القرن الماضي، وفي حراك ربيع دمشق والمنتديات في سنوات حكم الأسد الابن. ثم تم إغلاق هذه المنتديات لاحقاً، واعتُقل رموز الناشطين الديمقراطيين السوريين من كل أطياف المجتمع السوري، ومنهم ناشطون من الموحّدين الدروز، الذين كان نشاطهم وطنياً ديمقراطياً، وليس من خلفية طائفية للدروز السوريين.
الموحّدون الدروز والثورة السورية
كان الشعب السوري مشبعاً بالمظلومية والاستبداد والقمع والفساد المتراكم عبر عقود، وما إن حصل الربيع العربي بدءاً من تونس ومصر وليبيا واليمن، حتى وصل إلى سوريا، وخرج الشعب السوري بكل أطيافه وفي كل أنحاء سوريا بمظاهرات تطالب بإسقاط الاستبداد، وتحقيق الحرية، وصون الكرامة، والعدالة، والديمقراطية.
واجه النظام هذه المطالب بالعنف المسلح، لتتحول سوريا كلها إلى ساحة حرب على الشعب السوري، من النظام وحلفائه: إيران وروسيا والميليشيات الطائفية، كحزب الله وغيره.
وعندما اعتمد النظام على الجيش لقمع الشعب، لم يكن من الدروز، ببنيتهم المجتمعية ورموزهم السياسية والدينية، إلا أن اتخذوا قراراً حكيماً وشجاعاً بمنع أبنائهم من الالتحاق بالخدمة العسكرية، تحت شعار عدم المشاركة في معركة قتل السوريين لبعضهم. ولم يتقبّل النظام ذلك، فحاول فرض التراجع عن هذا القرار، وسلّط عليهم تنظيم داعش عبر الاعتداء على قراهم، وقاموا بقتل النساء والأطفال. ومع ذلك استمر الموحّدون الدروز على موقفهم بالنأي بالنفس عن معركة النظام بحق الشعب السوري.
كان هذا الموقف المجتمعي في السويداء ذات الأغلبية الدرزية.
واستمر المعارضون من الموحّدين الدروز في معارضة النظام عبر المظاهرات والاعتصامات في ساحة الكرامة، مطالبين بأهداف الثورة حتى صبيحة انتصار الثورة السورية. وكان هامش ادّعاء النظام بأنه يحمي الأقليات في مواجهة “إرهاب الثوار” سبباً في عدم تصرّفه بوحشية كبيرة بحق الناشطين في السويداء، ومع ذلك حصلت بعض الاغتيالات والاعتقالات والتضييق المجتمعي على أهل السويداء.
السويداء والحكومة الجديدة
ما إن انتصرت الثورة السورية حتى كان هناك موقف متنوع في السويداء، حيث رحّب بها معظمهم، ممثلين بثوار الكرامة وناشطي الثورة المعارضين للنظام البائد، وبعض رجال الدين الذين يُعتبرون قادة دينيين في الطائفة.
لكن ظهر صوت ناشز تمثّل بالشيخ حكمت الهجري، أحد شيوخ العقل الثلاثة الكبار، معادياً للحكم الجديد، بدعوى أنهم إرهابيون، وأنهم تنظيم القاعدة، وأنهم سيحكمون سوريا بعقلية سلفية، ويضطهدون الأقليات السورية، ومنهم الموحّدون الدروز. ولم يكن خافياً على المتابع العلاقة المباشرة للشيخ الهجري مع إسرائيل، حيث مدّته بالسلاح والمال، وهي إسرائيل التي ومنذ لحظة انتصار الثورة ومجيء الحكم الجديد تصرّفت بعدائية مطلقة ضد الحكومة السورية الجديدة.
بدأ حكمت الهجري بتجنيد المقاتلين، وجذب كثيراً من فلول النظام البائد، وانتقلت علاقته مع إسرائيل من السر إلى العلن، وبدأت تظهر صوره مع نتنياهو على عربات مقاتلي “الحرس الوطني” الذين شكّلهم كجيش تابع له. وظهر نتنياهو وغيره من المسؤولين الإسرائيليين يعلنون حماية الدروز السوريين.
وفوق ذلك، وصلت ادعاءات الشيخ الهجري إلى المطالبة بتشكيل دولة درزية، وغيّر اسم جبل الدروز “جبل العرب” إلى اسم “الباشان”، وأصبح علم الدروز كطائفة مرفوعاً وكأنه علم الدولة الدرزية الموعودة. وزاد الأمر سوءاً أن بدأ الهجري وميليشياته حملة تصفية للمعارضين له من العسكريين والوجوه المجتمعية والسياسية الدرزية، ولا يكاد يمضي يوم إلا ويتم اعتقال وقتل معارضين لتوجه الشيخ الهجري الانفصالي.
موقف الحكومة الجديدة
تعاملت السلطة السورية الجديدة مع الموحّدين الدروز على أنهم جزء من البنية الوطنية السورية، وأن يكونوا جزءاً من بنية السلطة السورية الجديدة على كل المستويات. لكن تلاعب الشيخ الهجري واعتماده العنف في تعاطي ميليشياته، وردود فعل الحكومة، ودخول البدو على خط الخلاف، أدّى إلى سقوط ضحايا ومخطوفين من كل الأطراف، وكان المستفيد من ذلك إسرائيل والشيخ الهجري، الذي خلط الأوراق في السويداء، بحيث أصبحت تُستخدم إقليمياً، مع اعتراف الحكومة السورية بوجود انتهاكات وتشكيل لجنة تحقيق مستقلة لبحث الأمر وتقديم الجناة للعدالة.
وأصبحت السويداء جزءاً من التوافقات بين الولايات المتحدة والسلطة السورية الجديدة في مختلف الملفات، مما جعل السلطة الجديدة تتريث قليلاً في حلولها الجذرية تجاه التوجه الانفصالي العنيف للشيخ الهجري، بانتظار الدور الأميركي، بما يشمل العلاقة مع إسرائيل، التي تصرّ الحكومة الجديدة على أن تعود إلى اتفاقيات فك الاشتباك لعام 1974م، وأن الجولان ومستقبله يعودان إلى مفاوضات قادمة.
وأن الموقف المبدئي للسلطة السورية هو أن سوريا دولة واحدة، بكل أراضيها وكل مكوّناتها، في إشارة إلى العلاقة مع “قسد” في شمال شرقي سوريا، ومع الموحّدين الدروز في الجنوب السوري، ومهما كان الثمن.
المصدر: تلفزيون سوريا






