وداعاً أبا محمد الفواز

مازن عدي

غادرنا صبيحة يوم الجمعة 12/9/2025 في دمشق د أحمد فايز الفواز ابو محمد والابتسامة لا تفارق محياه.. استقبل قَدَره عن عمر ناهز احدى وتسعين عاماً بشجاعته المعهودة، كما كان يواجه الأزمات والمحن بهدوئه المتزن وعقلانيته الصارمة، كان جانباً من حديثي المطول معه عبر الهاتف الشهر الفائت يخص الذاكرة السياسية السورية واهمية استعادتها بعد عقود من التصحر السياسي وان تجربته الغنية ينبغي ان تعرفها الأجيال الشابة .

اشعر بالحزن والاسى لفقدان صديق ورفيق نبيل ومعطاء تعرض للظلم من الطغاة والأعداء ولم ينل حقه الذي يليق به من محبيه ورفاقه .

اكتسب من بيئته الأصلية الرقاوية المروءة والشهامة ومن حلب ودمشق الفكر السياسي ومن ألمانيا، حيث أكمل اختصاصه الطبي، العقل النقدي وتمثٌل القيم الديمقراطية .

عايشته مع أسرته لفترات طويلة قبل اعتقاله في اكتوبر عام 1980 و بعد خروجه من سجن دام خمسة عشر عاماً ..تعلمت من تجربته وخبرته في العمل القيادي خاصة خلال مرحلة تأسيس الحزب الشيوعي المكتب السياسي بعد المؤتمر الرابع عام 1974 والانسلاخ عن المدرسة البكداشية حيث لعب مع رفيقيه في المكتب السياسي الراحلان رياض الترك وعمر قشاش دورا مميزا باستلامه رئاسة هيئة تحرير جريدة نضال الشعب .التي بدورها كانت موجهاً للحزب للانتقال من المدرسة الشيوعية التقليدية التي تعيش في قوالب جامدة إلى التعلم من مدرسة الحياة ودراسة الواقع كما هو من اجل التغيير فيه.. ومساهمتها في صناعة الخط السياسي الجديد، واحداث الانعطافة الكبيرة للحزب في تبني الديمقراطية وتكريس نهج الاستقلالية والقطع مع نظام الاستبداد وتبني المشروع الوطني الديمقراطي للتغير الجذري والذي تجسد في موضوعات المؤتمر الخامس . كان للراحل الدور الأكبر في صياغة وثيقة الوضع الداخلي وايضاً ميثاق التجمع الوطني الديمقراطي بالمشاركة مع باقي الأطراف الحليفة في التجمع وبشكل رئيسي مع د جمال الأتاسي .

حدثني عن صداقته وعلاقته بالمفكرين الكبيرين ياسين الحافظ والياس مرقص وكانا بالنسبة اليه مرجعين للمشاورة والنصيحة ..

تعرفت عليه عن قرب حين عملنا معا في مكتب الإعلام المركزي في نهاية عام 1979 الذي كان يرأسه وكان في عضويته الراحل عبد الله هوشه ..اذكر حين اصطحبني إلى بيته في مساكن برزة في دمشق وزودني بمراجع من مكتبته تخص حركة الإخوان المسلمين في سوريا تلزمني في الدراسة التي كنت اعدها في حينه بهذا الخصوص .

يسجل للراحل تمكنه من لغة سياسية دقيقة، وموهبه في التعبير اذ ترك بصمات قوية في نصوص مميزة في تاريخ الحزب والمعارضة السورية بدءا من مداخلته في المجلس الوطني عام 1971 بمواجهة الشيوعية البكداشية والماركسية السوفيتية الى الافتتاحية/البيان صيف عام 1976 المعبرة بوضوح عن موقف الحزب المعارض للتدخل العسكري السوري في لبنان.. ومساهماته الأساسية في ميثاق التجمع الوطني الديمقراطي وبيان التجمع أواسط آذار 1980 الى افتتاحية نضال الشعب المميزة في حزيران/تموز 1980 عن مجزرة تدمر بفضح السلطة وادانة مرتكبيها وعن استشهاد الرفيق عبد الله الاقرع كأول شهيد للحزب يسقط تحت التعذيب في عهد المجرم حافظ الاسد في أعقاب توزيع بيان التجمع ..إلى الافتتاحيات والمقالات التي نشرت في الموقف الديمقراطي إذ ترأس مكتب الإعلام المركزي للتجمع الوطني الديمقراطي لسنوات بعد عام 2000.

تحدث معي مطولاً عن تجربته في السجن المديد ..وعن اهمية الإرادة و الوعي السياسي في الصمود في المعتقلات وان ثلاثة أمور يجب ان يعيها المعتقل بمواجه سجانه وظروف الاعتقال وهو شخصياً عمل عليها ؛ الاول الحفاظ على الصحة الجسدية ما أمكن .

الثاني الحفاظ على الصحة النفسية ما أمكن .

والثالث الحفاظ على الأداء الذهني والعقلي .

كان ابو محمد متفائلاً بالمعنى الاستراتيجي وقارئ جيد للتاريخ والتجارب البشرية ولما سقط وانهار النظام البائد اعتبرها (خطوة أولى لبناء سوريا الحرة الديمقراطية )..الطريق يراه صعباً ومتعرجاً ويحتاج جهود كل الوطنيين الشرفاء ..والجميع يحمل مسؤولية كي ينال الشعب الذي احبه وضحى من اجله الحرية والكرامة والمواطنة والعدالة .

خالص العزاء إلى الزوجة السند المربية ام محمد خديجة العبدالله

إلى الأولاد الأبرار ؛ الدكتورة أمية والمهندس محمد والصيدلاني مازن وطبيبة الأسنان لبنى

والى كل آل الفواز وعشيرة البياطرة ..والى كل الرفاق والمحبين

لروحه الرحمة والسلام

 

المصدر: صفحة مازن عدي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى