مصطلحات جذابة لمشاريع مفضوحة

محمد خالد الرهاوي

منذ أن حققت الثورة السورية انتصارها العظيم وأسقطت النظام البائد ما فتئ حكمت الهجري ومن لف لفه من الفلول وتجار المخدرات وحزب اللواء المتصهين وبعض المتربصين كيل الاتهامات للحكومة السورية التي حاولت جاهدة إلى كسبه تجنبا للصدام، فوافقت على كل متطلباته، لكن لما كان أمره بيد الخارج المعادي كان ينقض كل اتفاق يوقع قبل أن يجف حبره، إلى أن وصل الأمر إلى الصدام العسكري مع البدو ثم تدخل الحكومة لفك الاشتباك ثم الغدر بالأمن وتدخل إسرائيل وقصف دمشق بناء على طلب ميليشيات السويداء.

المهم أن هذا الحراك الذي بدأ بالمطالب الخدمية والاقتصادية والسياسية قد تجاوزها إلى صدامات عسكرية دامية أعقبها مطالبات بالفيدرالية والحكم الذاتي والانفصال عن سوريا وإقامة دولة الدروز المستقلة، والحديث يطول في مناقشة جميع جوانبه، لكن سأتوقف في هذه المقالة على محاولة حكمة الهجري وعصاباته السيرَ على منهج قسد في التخفي وراء المصطلحات الجذابة لتمرير مشاريع ليست مشبوهة بل مفضوحة انفضاحا لا لبس فيه ولا يخفى على أحد، وسأتوقف هنا عند أبرز تلك المصطلحات، ولعل أبرز تلك المصطلحات التي يُروَّج لها في السويداء مؤخرا هو (الحرس الوطني) الذي يوحي بوجود كيان عسكري منضبط ومؤسساتي ومنتمٍ إلى الوطن وهدفه وطني خالص، وأسس تشكيله وطنية، إلا أن الواقع الواضح وضوح الشمس يكشف عن حقيقة مغايرة تماما، فهذا التجمع ما هو إلا خليط غير متجانس من العصابات المحلية وفلول النظام السابق الذين غيروا ولاءاتهم وميليشيات مسلحة وتجار مخدرات. وإطلاق هذا الاسم الفخم على مثل هذا التجمع يهدف إلى إضفاء شرعية زائفة عليه، وتقديمه للمجتمع المحلي والدولي على أنه قوة عسكرية معتدلة ومنظمة يمكن التعامل معها، بينما هو في حقيقته أداة لفرض نفوذ قوى الأمر الواقع وخدمة مصالحها الضيقة ومصالح إسرائيل، فلا هو حرس، ولا هو وطني، بل لا علاقة له بالوطنية من قريب أو بعيد، إذ كيف يكون وطنيا وهو ينادي جهارا نهارا بالانفصال؟ كيف يكون وطنيا ومؤسسه الهجري يقول إن هذا الحرس يتلقى الدعم من إسرائيل؟ كيف يكون وطنيا وهو قبل ذلك من طلب من إسرائيل قصف دمشق والجيش العربي السوري وقوى الأمن؟ كيف يكون وطنيا وهو لا يتوقف عن التحريض على سوريا؟ كيف يكون وطنيا ومطالبه السياسية تترافق مع دعوات لفتح ممر إنساني؟ هذا المصطلح (ممر إنساني) الذي ترفعه للتأثير في الداخل والخارج أيضا واستثارة إنسانيتهم والذي تبدو المطالبة به في ظاهرها للوهلة الأولى محقةً في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة إلا أن ما يُكذِّب هذه الدعوة ويفسد النتائج المتوقعة من هذا هو تحديد اتجاه الممر بشكل حصري نحو إسرائيل أو مناطق سيطرة قسد، مع رفض قاطع لفتحه باتجاه العاصمة دمشق أو ريف دمشق أو محافظة درعا المجاورة للسويداء، وهو ما يثير شكوكا بل يفضح النوايا الحقيقية والمشاريع الخبيثة وراءه، فما هذا الممر المزعوم إلا غطاء لمشروع ممر داود الذي تحلم إسرائيل بتنفيذه من حدودها حتى نهر الفرات ومناطق سيطرة قسد ليقطع الطريق بين سوريا والعراق وبين سوريا والأردن، بل يقطع سوريا عن امتداداها العربي قطعا تاما ويحاصرها ويفتتها، ولا أدري كيف تفتح إسرائيل ممرا إنسانيا أو كيف تكون إنسانية في الوقت الذي تبيد فيه قطاع غزة بالقصف والتدمير والتجويع والحرمان من أبسط مقومات الحياة بحصار خانق لا مثيل له! ولا أعتقد أن رفع هذا المصطلح (ممر إنساني) والدعوة إليه كانا عن سذاجة سياسية أو رغبة في المحافظة على الطائفة الدرزية كما تزعم ميليشيات الهجري، بل هو مقصود ووراءه أجندات لا تخفى على أي متابع فضلا أن تخفى عمن يرفعه وينفذه ويستغل معاناة الناس ويثير الفتن ويرفض أي صيغة توافق مع الوطن ورضي أن يكون أداة تنفيذ قذرة لأهداف استراتيجية لإسرائيل لا علاقة لها بالإنسانية من قريب أو بعيد بدلا من أن يكون مواطنا شريكا في حكم الدولة السورية يتمتع بكامل حقوق المواطنة.

وما يؤكد ذلك أيضا المصطلحات والشعارات التي ترفع في ساحات السويداء مثل الكرامة التي صدعوا رؤوس الناس بها وكأن لا أحد يعرف الكرامة سواهم وكذلك مصطلح الوطنية والوطني وما إلى ذلك، كل ذلك في الوقت الذي تُرفع فيه أعلام إسرائيلية علنا في تلك الساحات وترتفع الأصوات مطالبة بالانضمام إلى إسرائيل، والتناقض المؤلم هو تسمية الساحة الرئيسية في المدينة بـساحة الكرامة ورفع أعلام إسرائيل فيها! ولا أدري كيف تستقيم الكرامة والوطنية مع رفع تلك الأعلام؟ أليس هذا تناقضا مفضوحا يكشف زيف تلك المصطلحات والشعارات؟

من جانب آخر يدرك المراقب للأوضاع السورية أنه في الوقت الذي تتبنى فيه الحكومة السورية خطابا يركز على المصالحة الوطنية والحفاظ على وحدة الأراضي السورية وسلامتها، وتعمل جاهدة على إعادة بسط سلطة الدولة، وتستعمل مصطلحات لطيفة إلى حد ما مثل (الجماعات الخارجة عن القانون)، تذهب ميليشيات الهجري في اتجاه معاكس تماما، وتطالب بالانفصال التام وإقامة دولة درزية مستقلة، أو في أحسن الأحوال حكم ذاتي له على السويداء وإخلاء غير الدروز منها وكذلك الدروز الذين لا يسيرون في ركبه ويهللون له، مع أن هذه المطالب الانفصالية تتجاهل حقيقة أن المحافظة لا تملك أي مقومات حقيقية للدولة، فهي تفتقر إلى الموارد الطبيعية الكافية، وليس لديها منفذ بحري ولا بري، وتعتمد بشكل شبه كلي على الحكومة المركزية في دمشق لتأمين الخدمات الأساسية كالكهرباء والوقود والرواتب، ولو تأملها طفل صغير بله خبراء لأدرك أنها لا تعدو أن تكون أحلاما سياسية مبنية على وعود خارجية أكثر من كونها مشروعا واقعيا قابلا للحياة، فضلا عن أنها تهدد بتمزيق النسيج الاجتماعي والوحدة الوطنية في سوريا.

ولتسويق هذه الدعوات وتسويغها وتسويغ التمرد المسلح والخروج على سلطة الدولة، تلجأ هذه الميليشيات الخارجة عن القانون إلى استخدام مصطلح خطير يتمثل في وصم كل من يعارضها -سواء أكانت الحكومة السورية أم الجيش أم المواطنين العاديين- بتهمة الدواعش، سيرا على منهج قسد في ذلك لكسب مشروعية التمرد المسلح والتغطية على الجرائم المرتكبة واستجلاب الدعم والتأييد من الخارج. وبهذا المصطلح تسوّغ تلك العصابات هجماتها على نقاط الجيش وقوات الأمن، والغدر بعناصرهم وقتلهم، وتقديم هذا الإجرام على أنه محاربة للإرهاب، وهو تضليل خطير يهدف إلى قلب الحقائق وتصوير الميليشيات المتمردة على أنها “قوى ثورية تحارب نظاما إرهابيا.

من جانب آخر توظف تلك العصابات المتمردة مصطلح (الدفاع عن حقوق الأقليات) ولا سيما الأقلية الدرزية، وهو ادّعاء لا يصمد أمام الممارسات الفعلية على الأرض، فهذه العصابات تمارس أشد أنواع الظلم والقمع بحق كل من يخالفها الرأي، حتى من داخل الطائفة الدرزية نفسها كما هو الحال مع ليث البلعوس وسليمان عبد الباقي وغيرهم، كما تمارس سياسات إقصائية ممنهجة بحق المكونات الأخرى في المحافظة، من مسيحيين ومسلمين بدو، مع أنهم أهل الأرض الأصليون الذي استقبلوا الدروز أيام حربهم مع المسيحيين الموارنة في لبنان، ويتعرض البدو بشكل خاص للتضييق والاضطهاد والقتل والتنكيل على أيدي تلك العصابات على نحوٍ يكشف الوجه الحقيقي لهذه العصابات التي تستخدم خطاب حقوق الأقليات غطاء لمشروعها الطائفي الإقصائي والهيمنة.

إن هذه المصطلحات التي تكشف ممارسات لا تهدف إلى استفزاز الحكومة السورية فقط، وإنما هي مطالبات علنية مفضوحة ورسائل واضحة موجهة للخارج ولا سيما إسرائيل، ومفادها أن هذه العصابات مستعدة أن تكون مرتزقة بيد إسرائيل لتحقيق مشاريعها مقابل الحصول على بعض الفتات من الدعم السياسي والمادي.

إن ما يجري في السويداء محاولة واضحة لاستنساخ تجربة قسد في التلاعب بالمصطلحات واستغلال معاناة الناس والارتماء في أحضان قوى خارجية معادية، لتحقيق مشاريع لا تخدم إلا أعداء سوريا. ويبقى الرهان على سياسة الحكومة في احتواء تلك المحاولات وعلى وعي الغالبية الصامتة من أهالي السويداء المعروفين بوطنيتهم وعروبتهم لتعرية هذه المصطلحات وكشف زيفها لإفشال هذه المخططات والحفاظ على السويداء بوصفها جزءا لا يتجزأ من سوريا الموحدة.

المصدر: تلفزيون سوريا

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى