المؤتمر السوري العام 1919- 1920 وأهمية التوافق الوطني في انجاز دستور العام 1920

لم يكن بإمكان المؤتمر السوري العام مناقشة وإقرار الدستور السوري الذي سمي فيما بعد بدستور 1920 لولا سيادة روح التوافق بين التيارات المتباينة في المؤتمر- والتي يشكل الانقسام الرئيسي فيها ذلك الذي كان بين العَلمانيين والاسلاميين – بدون الاستعداد لتقديم التنازلات المتبادلة من أجل الوصول الى أرضية مشتركة تتيح إخراج الدستور ليس بوصفه غلبة لفريق على فريق ولكن بوصفه وثيقة توافق وطني محل قبول ورضا من قبل جميع الفرقاء.

هذه الأجواء التي سادت داخل المؤتمر كانت ضرورة جوهرية لمنح الدستور الروح التي يمكن له بفضلها أن يكون اللبنة الأساس في بناء الهوية السورية بطريقة ثابتة ودائمة.

حصل ذلك بفضل وجود تيار إسلامي ليبرالي في تلك المرحلة التاريخية كان وريثًا لفكر الإصلاحيين الكبار أمثال محمد عبده ( وهو المعلم الذي ألهم رشيد رضا عضو المؤتمر السوري ورئيسه لاحقًا ) وجمال الدين الأفغاني وغيرهم ، والى جانب رشيد رضا وقف إسلاميون آخرون كالشيخ سعيد مراد مؤيدين اقتراح (ابراهيم الخطيب ) نائب جبل لبنان في منح المرأة السورية الحقوق السياسية مثل الحق في التصويت بينما اعترض على منح ذلك الحق آخرون ليس من وجهة نظر دينية ولكن من وجهة نظر دنيوية تتلخص في تجنب إثارة فتنة اجتماعية في مجتمع مازالت التقاليد متحكمة فيه .

وفي النهاية استقر الأمر على ترك تلك المسألة جانبًا بمعنى عدم البت فيها سلبًا أو إيجابيًا مما يفتح الباب أمام مراجعتها في ظروف أكثر ملاءمة، متخذين من فقرة أخرى في الدستور تحدد الحق في التصويت للمواطن السوري بشروط مثل بلوغ سن معينة دون تحديد جنس المواطن ذكرًا أم أنثى وبالتالي يمكن الاستناد لتلك الفقرة في السماح للمرأة السورية بالتصويت إذا تأكد القانونيون أن ذلك لن يحدث فتنة في المجتمع.

وحين أثار الاسلاميون ضرورة وضع فقرة تنص على أن دين الدولة هو الإسلام، اعترض العَلمانيون بأن وصف دين الدولة يعني أن الدولة لم تعد دولة مواطنة متساوية لجميع الأديان وهكذا تراجع الإسلاميون مكتفين بالنص على أن دين الملك هو الإسلام.

لم يرض الاسلاميون بالنص على العَلمانية صراحة مما قد يفسر على أن الدولة دولة إلحاد من قبل جمهرة واسعة من الشعب فتراجع العَلمانيون واكتفوا بوصف الدولة باعتبارها دولة مدنية بمعنى أنها ليست دولة دينية .

هذه الروح التوافقية سمحت بالمضي في وضع الدستور ومناقشته فقرة فقرة والوصول إلى إقراره بالقراءة النهائية لسبعة بنود فيه عندما قطع يوسف العظمة اجتماع المؤتمر ليعلمهم بخطورة الوضع في 13 تموز 1920 عشية وصول إنذار غورو.

والسؤال الذي يطرح نفسه اليوم كيف يمكن للسوريين الاستفادة من تجربة أجدادهم في العهد الفيصلي من أجل وضع دستور توافقي يمثل جميع التيارات والفئات السورية ويكون أساسًا لديمقراطية ثابتة الأركان.

لا تتطابق المعطيات السياسية والاجتماعية اليوم مع المعطيات التي كانت سائدة بين 1918-1920 لكن المهم هنا هو استخلاص الخبرة التاريخية  في كيف يمكن للتيارات السياسية الوطنية المختلفة في مرجعيتها الفكرية كما كان الحال عليه في تلك الفترة من إسلامية – ليبرالية وعَلمانية قومية الوصول لتوافق وطني على الدستور عبر روح واقعية وعملية مكنت المجتمع السوري من تفادي الانقسامات والصراعات التي كان من الممكن أن تمزق المجتمع السوري وتمنعه من إنجاز دستور لدولة ثابتة الأركان مؤسسة على توافق وطني يتم إنجازه من خلال مؤتمر منتخب انتخابًا مباشرًا حرًا من الشعب، هو بمثابة جمعية تأسيسية وليس مؤتمرًا يتم اختياره من قبل السلطة السياسية أو من قبل لجنة مفروضة من أية جهة كانت ليس لديها الحق في تشكيل وهندسة المؤتمر الوطني العام والادعاء بكونه يمثل الشعب السوري .

فأي مؤتمر عام يتم عقده ليكون بمثابة مرجعية دستورية ويعطى صلاحية وضع الدستور الدائم للبلاد لن يكون له شرعية دستورية مالم يكن مؤسسًا على انتخابات عامة ديمقراطية وأي دعوة لمثل ذلك المؤتمر تسقط ذلك الشرط لا يمكن أن تحمل حلًا وطنيًا حقيقيًا وسوف تكون منزلقًا لعقد مؤتمر مكونات يساهم في تعميق الأزمة الوطنية بدل ايجاد الحل الوطني الديمقراطي المنشود .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى