حول إلغاء ذكرى شهداء السادس من أيار 1916

معقل زهور عدي

يبدو اتخاذ قرار رسمي بإلغاء الاحتفال بذكرى شهداء السادس من أيار عام 1916 إجراء متسرعا لا يستند لتقييم ودراسة كافيين ويعكس الأخطاء التي يمكن أن تسبب عن الاستئثار بالقرار في مسائل ذات طابع عام تاريخي وثقافي يمس كل السوريين.

والأسوأ محاولة إعادة كتابة التاريخ انطلاقا من رؤية ضيقة ضحلة تشبه ما خبرناه في العهد البائد تحت تأثير الأفكار الحزبية.

بالنسبة لشهداء السادس من أيار عام 1916 فقد كان قرار إعدامهم إضافة لمصادرة أملاكهم وتشريد عوائلهم من قبل جمال باشا الحاكم العثماني الذي منحته الدولة العثمانية صلاحيات مطلقة لحكم بلاد الشام اعتبارا من كانون أول 1914 ضربة سياسية مصممة لإجهاض الحركة القومية في بلاد الشام وفق ما صرح به جمال باشا في ظل دخول الدولة العثمانية الحرب العالمية الأولى في تشرين أول عام 1914 .

تسبب دخول الدولة العثمانية في الحرب العالمية الأولى في وضع الدولة ضمن حالة تشبه حالة الطوارئ , وكنتيجة لذلك فقد انتهت محاولات الحوار بين الاصلاحيين العرب وقيادة الدولة العثمانية من أجل منح العرب شيئا من حقوقهم القومية مقابل استمرار ولائهم للدولة العثمانية , وكانت الدولة العثمانية بالكاد قد خرجت من حروب البلقان 1912-1913 والتي انتهت بكارثة لم يسبق لها مثيل حلت بالدولة العثمانية بعد هزائمها في تلك الحروب وسلخ جميع الأراضي التي كانت تحت سلطة الدولة العثمانية في أوربة عدا الجزء الصغير الذي أمكن الاحتفاظ به والذي اعترف لاحقا بكونه جزءا من تركيا .

في هذه الظروف غير الطبيعية جاء جمال باشا لسورية , جمال باشا الضابط العثماني الصارم والبعيد عن السياسة وفي ذهنه شيء واحد فقط هو منع أي تمرد يمكن أن يحدث في سورية ولبنان أثناء الحرب العالمية وقمع الحركة القومية العربية .

استند جمال باشا في قرار اعدامه لسبعة وثلاثين من المثقفين والزعماء السياسيين العرب لأمرين : وثائق تم الحصول عليها من إحدى السفارات الغربية لدى اقتحامها في بيروت من قبل الجيش العثماني تفيد بوجود علاقة مع عدد قليل من الناشطين العرب .

منهم أعضاء في حزب اللامركزية الذي كان ينشط في مصر .

اعتبر جمال باشا أن حزب اللامركزية أصبح جماعة خائنة وينبغي محاكمة واعدام قادته ورجاله في سورية ولبنان , وهكذا تم اعتقال السبعة وثلاثين مثقفا وزعيما سياسيا بمن فيهم المفكر والزعيم الفذ عبد الحميد الزهراوي الذي سبق تعيينه في مجلس المبعوثان , وإجراء محاكمات عسكرية صورية لهم واعدامهم في بيروت ودمشق .

اعترض شكيب ارسلان على قرار الاعتقال في البداية واستنكر لاحقا اعدام تلك الكوكبة من الزعماء والمثقفين العرب وذكر في كتابه تاريخ الدولة العثمانية أن من ثبت علاقته بالسفارات الأجنبية في بيروت هم عدد قليل منهم أما الباقي فكانت محاكمتهم واعدامهم لامبرر له على الاطلاق , في الحقيقة أنه حتى للقلة منهم فإن مجرد زيارة البعض للسفارة لايكفي لاعتبار ذلك عملا من أعمال الخيانة خاصة مع عدم معرفة تاريخ تلك الزيارة وسببها وطبيعة العلاقة مع السفارة وكل ذلك لم يكن واضحا في المحاكمة العسكرية السريعة والصورية .

أسفرت عملية الاعدام عن انهيار العلاقة بين العرب والأتراك وقد ذكر ذلك أيضا شكيب أرسلان كما ذكر الشكوك التي أحاطت بالهدف الحقيقي لجمال باشا من وراء ماقام به من بطش وظلم، هذه الشكوك التي سمعها شكيب أرسلان من رجال قريبين من الاستخبارات الألمانية عند اقامته لاحقا في المانيا من أن جمال باشا كان يفاوض الدولة الفرنسية حول الانشقاق عن الدولة العثمانية والالتحاق بالحلفاء في الحرب مقابل منحه حكم بلاد الشام .

وإذا صحت الشكوك السابقة فربما كانت شدة وقسوة جمال باشا مفتعلة لصرف الأنظار عن نواياه وعن الاتصالات السرية مع الدولة الفرنسية، على أية حال فإن إعدام تلك الكوكبة من المثقفين والزعماء السياسيين العرب كان عملا جائرا وظلما كبيرا لا مبرر له، وإساءة للعلاقة بين العرب والأتراك وذلك لم يكن موضع خلاف حتى مع أقرب الزعماء السياسيين العرب للدولة العثمانية وأعني به الأمير شكيب أرسلان.

وبالخلاصة فإن من قام بإلغاء مناسبة عيد الشهداء التي تتعلق بذكرى شهداء السادس من أيار ضمن رؤية ضيقة وضحلة قد أخطأ بتسرعه في اتخاذ ذلك القرار.

وكون جمال باشا قد أساء للشعبين التركي والعربي في بطشه الدموي يعني أن المسألة لا يمكن تفسيرها بموقف من الشعب التركي بل من ضابط أساء للتاريخ المشترك للشعبين وظهر ذلك جليا للدولة العثمانية لاحقا مما أدى لعزله ومحاولة خلفه التقرب من العرب السوريين وتخفيف آثار حكم جمال باشا لكن من دون جدوى.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى