عن “سلسلة ترجمان” في “المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات” صدرت حديثاً النسخة العربية من كتاب “كيف سرق الغرب الديمقراطية من العرب: المؤتمر السوري في عام 1920 وتدمير التحالف التاريخي الليبرالي – الإسلامي فيه”، للمؤرخة الأميركية إليزابيث ف. تومبسون، بترجمة الكاتب والأكاديمي الكوسوفي السوري محمد م. الأرناؤوط.
يعالج الكتاب لحظة محورية في تاريخ العالم الحديث، عندما أسس العرب ديمقراطية تمثيلية، وكيف سحقها الغرب عندما اجتاحت الحرب العظمى في أوروبا الإمبراطورية العثمانية. ففي 8 آذار/ مارس 1920 أعلن المؤتمر السوري استقلال سورية وتوَّج فيصل بن الحسين ملكًا لـ “ملكية تمثيلية مدنية”، وأشرف محمد رشيد رضا على صياغة دستور أرسى أول ديمقراطية عربية، تضمّن حقوقًا متساوية لجميع المواطنين، بمن فيهم غير المسلمين. لكن في تموز/ يوليو 1920 غزا الفرنسيون سورية، وسحقوا الدولة السوريّة.
تشرح المؤلفة كيف سرق الغرب الديمقراطية من العرب في تأريخ لحظة رائدة من الوحدة والأمل، مستندة إلى مصادر أولية غير مستخدمة سابقًا، بما في ذلك تقارير الصحف المعاصرة، وتقارير المؤتمر السوري، ورسائل المشاركين فيه ومذكراتهم.
وفي شباط/ فبراير دافع الرئيس وودرو ولسون عن مبادئه بأقوى الكلمات في مذكراته إلى مؤتمر لندن حول تركيا، واعتنقت العديد من النخب العربية في بلاد الشام مبادئه في الحرية وحق تقرير المصير والاستقلال على أساس الحقوق المتساوية، ونبذ سياسة الغزو والاستعمار، ولكن بعد أن رفض مجلس الشيوخ في 19 آذار/ مارس “معاهدة فرساي” والعضوية في عصبة الأمم لم يعد في وسع ولسون أن يدّعي أن للولايات المتحدة دورًا في صياغة معاهدة سلام مع تركيا، بحسب الكتاب.
وتشير تومبسون إلى أنه مع انسحاب الولايات المتحدة من المفاوضات ظهرت الأيدي الإمبريالية على حقيقتها. وحتى حين كانت بريطانيا وفرنسا تتملّقان المجلس الأعلى باعتباره العرّاب النزيه لعصبة الأمم، فإنهما كانتا تستغلانه لمصلحة دولتيهما. وكان اللورد كرزون قد وصف عصبة الأمم على نحو واضح باعتبارها فدرالية للدول المستقلة، وليست هيئة عليا لها سلطة على الدول، وذلك في خطابه بمناسبة افتتاح جلسات المجلس الأعلى في كانون الثاني/ يناير، وكانت لملاحظاته علاقة خطيرة بسورية.
وهكذا، في نيسان/ إبريل 1920، أصبح لدى بريطانيا وفرنسا الحرية في استغلال الالتباس في نظام الانتداب لفائدتهما، ومع تحررهما من كبح الرئيس ولسون اندفعتا في تصميم الشرق الأوسط بالاستناد إلى اجتماعهما السري في 1 كانون الأول/ ديسمبر 1918، وفق المؤلّفة.
وتوضّح بأن العواقب كانت وخيمة ليس على سورية فحسب، بل على مستقبل عصبة الأمم والقانون الدولي، أيضًا، في جميع أنحاء الشرق الأوسط. فقد حوّلت بريطانيا وفرنسا الأدوات التي أرادها ولسون لتكون لحماية حقوق الشعوب الصغيرة، إلى وسائل شرعية للسيطرة الإمبريالية؛ إذ إنهما استخدمتا الانتداب كي تفرّغا حقوق المحكومين لمصلحة القوى الإمبريالية، وكل ذلك باسم عصبة الأمم.
وتضيء المؤلّفة على كيف وضع المؤتمر السوري عام 1920 دستورًا لنظام حكم ملكي برلماني ديموقراطي، لكن الدول الغربية اعتبرت تلك الديموقراطية تهديدًا لمصالحها الاستعمارية في شمال أفريقيا ونفط العراق والخليج، لذلك قرّر قادة مؤتمر باريس للسلام، بالتعاون مع عصبة الأمم، تدمير التحالف التاريخي الليبرالي – الإسلامي، والقضاء على إمكانية قيام ذلك النظام الديموقراطي.
يُذكر أن تومبسون أستاذة تاريخ الشرق الأوسط الحديث، ومن مؤلفاتها كتابها الفائز بجائزتين “المواطنون المستعمرون: الحقوق الجمهورية، الامتياز الأبوي، والنوع الاجتماعي في سورية الفرنسية ولبنان”، “انقطاع العدالة: النضال من أجل حكومة دستورية في الشرق الأوسط”. أما الأرناؤوط فهو مختصّ في تاريخ بلاد الشام والبلقان خلال الحكم العثماني والعلاقات العربية-البلقانية، وصدرت له عدّة كتب، منها “معطيات عن دمشق وبلاد الشام الجنوبية في نهاية القرن السادس عشر”؛ و”دراسات في التاريخ الحضاري لبلاد الشام في القرن السادس عشر”؛ و”دراسات حول الحكومة/الدولة العربية في دمشق 1918-1920″؛ و”دراسات في الصلات العربية البلقانية خلال التاريخ الوسيط والحديث”.
المصدر: العربي الجديد