
الحقيقة القديمة الجديدة التي ينبغي للجميع الاقرار بها أنه في سورية لا توجد سياسة داخلية معزولة عن السياسة الخارجية، ولا سياسة خارجية معزولة عن السياسة الداخلية.
فالداخل السوري مفتوح أمام العالم أكثر مما هو مفتوح أمام السوريين، والخارج موجود في الداخل ربما أكثر من الداخل نفسه.
الادارة السورية الحالية كانت على وعي كاف بأهمية السياسة الخارجية , واستطاعت بوعيها هذا تحقيق إنجازات هامة على صعيد استبدال الانعزالية التي ميزت سياسة النظام البائد بسياسة منفتحة على الجميع , وبذلك استطاعت كسب شرعية خارجية في وقت قصير .
لكن خطأها الذي بدأت تظهر نتائجه اليوم , أنها لم تتمكن من استيعاب جدل الداخل والخارج , أي كيف يجري تبادل التأثير بين السياستين الداخلية والخارجية , بل افترضت أن بإمكانها عمل ماتريد في الداخل طالما أنها استطاعت تأمين رضى الخارج وهذا خطأ كبير .
فرضى الخارج أمر نسبي , وهو خاطع لتجاذبات دولية ليست مستقرة , وليست ثابتة , وهو يعيد إنتاج نفسه باستمرار في ضوء العديد من العوامل المتشابكة يأتي وضع الداخل ضمن أكثرها أهمية وتأثيرا .
وبتعبير أبسط مما سبق فإن الدول الكبرى تنظر اليوم للادارة السورية الحالية ضمن معايير متعددة يأتي في المقدمة مدى قدرتها في السيطرة على البلاد .
وحين تتقلص تلك السيطرة – بغض النظرعن الأسباب فذلك حديث آخر- تعيد تلك الدول حساباتها على نحو مختلف , وذلك ليس سوى مثال لجدل الداخل والخارج .
أخطر ما يمكن أن يحصل هو أن تستسلم الادارة للاعتقاد أن المفتاح في حل مشاكل الداخل هو في الخارج , وهذا يعني المزيد من إدخال الخارج في الداخل السوري , وللمفارقة فهو يعني المزيد من فقدان السيطرة في الداخل .
حتى الآن مانشاهده هو الاصرار على عدم الانفتاح على الداخل مقابل زيادة الانفتاح على الخارج , ويشبه ذلك من يصر على تعاطي أدوية مسكنة تؤدي في النهاية للاضرار بأهم الأجهزة الحيوية في جسمه .
الاصرار على عدم مراجعة المسار السياسي الداخلي للادارة الحالية , ومعالجة المطالب الداخلية التي سرعان ماتتحول لمطالب للخارج بطريقة شكلانية لن يجدي فتيلا .
وضمن هذا السياق فقد رأينا كيف تحول مؤتمر الحوار الوطني المعلب وكذلك الاعلان الدستوري الذي وضع بطريقة خاطئة كدستور مؤقت وليس كإعلان دستوري مؤقت , أقول كيف تحول كل ذلك لمادة للخلاف وحجة على الإدارة بدل أن يكون مادة لمعالجة حقيقية لاستحقاقات الداخل .
والآن فإن مجلس الشعب بالطريقة التي تم فيها إقرار تشكيله وإنتاجه لن يزيد الطين إلا بلة .
لست أدري حقا متى ستنتبه الادارة الحالية للتعامل مع الداخل السوري بجدية وبعمق, وفهم استحقاقاته ومقاربتها بطريقة مختلفة كليا عما تعودت عليه حتى الآن مما أصبح اليوم أمرا لايقبل التسويف والتأجيل . خاصة بعد أن أصبح الخارج في الداخل والداخل في الخارج .
وإلا فماذا يعني انعقاد اجتماع عمان اليوم بين كل من الاردن والولايات المتحدة وممثل عن الشيخ الهجري وممثل عن الحكومة السورية من أجل أيجاد حل لمشكلة داخلية سورية يفترض نظريا أن لاتخرج للخارج .
أقول هذا من باب الحرص على الادارة السورية لكوني أعلم تماما أن إضعاف الادارة أو اسقاطها لاسمح الله سوف يعني ذهاب سورية نحو الفوضى والحرب الأهلية ثم التقسيم .
فما بين الدولة السورية والادارة الحالية تداخل كامل , وسوف يمر وقت طويل قبل أن نرى ذلك التمايز بين الدولة كدولة وبين النظام السياسي في سورية .
وحين تنفصل الدولة عن النظام يصبح بالامكان في اي وقت الدعوة لاسقاط النظام السياسي مع بقاء الدولة كما في كل الدول الحديثة الراسخة في مؤسساتها الدستورية .
أما الآن فليس لنا سوى أن نحاول نقد المسار السياسي للادارة السورية ولفت نظرها لخطورة استمرارها في سياستها الداخلية , وأن ندعمها في الوقت ذاته ضد الحلف غير المقدس الذي تواجهه من فلول النظام وقسد وميليشيات الهجري الانفصالية التي تنفذ بأمانة السياسة الاسرائيلية الرامية لتقسيم سورية.