الخريف الساخن يبدأ مبكّراً في تونس

صلاح الدين الجورشي

قرّر أنصار الرئيس قيس سعيّد في تونس الشروع في تنفيذ خطّة تهدف إلى ما يطلقون عليه “تطهير” الاتحاد العام للشغل، والتخلّص من قيادته. أقدمت مجموعة صغيرة من الأشخاص، بينهم أطفال، على التظاهر أمام مقرّ الاتحاد، ورفعوا شعارات معادية للأمين، نور الدين الطبوبي، وطالبوا برحيله. ولولا وجود الشرطة التي حالت بينهم وبين مجموعة من النقابيين، لاقتحموا المقرّ، ولحصل عنفٌ متبادلٌ بين الطرفَين. بذلك انطلق مسار تصعيدي خطير ستكون له تداعيات خطيرة في أكثر من صعيد.
لم يكن الرئيس سعيّد مطمئناً لدور الاتحاد منذ توليه السلطة. وبعد “25 يوليو” (2025)، وُجّهت إلى قيادة الاتحاد أكثر من إشارة ضمنية تؤكّد أن السلطة غير قابلة للقسمة، وأن المطلوب من النقابات الخضوع سياسياً لاحتياجات الخطّة الاقتصادية والاجتماعية التي يضعها الرئيس بمفرده، ولا يشاركه في ذلك أحد. وساند المكتب التنفيذي للاتحاد الخطوات التي أقدمت عليها الرئاسة بغلق البرلمان، وحلّ الحكومة، وسحب البساط من تحت أقدام حركة النهضة، وأعلن مساندته القوية لقيس سعيّد. ثم مع توالي الإجراءات الرئاسية التي حجّمت دور الأحزاب والجمعيات، وقلّصت من مساحة الحريات، بدأت قيادة الاتحاد تعبّر عن مخاوفها، وتستشعر الخطر الذي قد تتعرّض له مستقبلاً، من دون أن تصطدم مباشرة بشخص الرئيس وبصلاحياته الجديدة.
عقبتان رئيستان حالتا دون تجنّب الاشتباك مع رئاسة الجمهورية. الأولى؛ الدور المزدوج للاتحاد الذي يخلط بين البعدين النقابي والسياسي، ويعود هذا المزج إلى لحظة تأسيس الاتحاد عندما كان النقابيون يجمعون بين الدفاع عن حقوق العمّال والدفاع عن مطالب التونسيين في تحقيق الاستقلال الوطني، كما أثار هذا الجمع بين البُعدَين خلافات مستمرّة بين الاتحاد وجميع الحكومات المتعاقبة، خصوصاً بعد الثورة. الثانية؛ الأزمة الاقتصادية التي تعصف بتونس، وقد بلغت درجة لم يعد بالإمكان التغاضي عنها وتحمّل تداعياتها على المواطنين، الذين يشعرون بتدهور قدرتهم الشرائية. لهذا تشعر قيادة الاتحاد بأنها أصبحت غير قادرة على السكوت عن الوضع الاجتماعي للعمّال الذي بلغ درجة من التدهور الكبير، وأصبحت المطالبة برفع الأجور وتحسين ظروف العمل أمراً حتمياً، هكذا اقترب الطرفان من خطوط التّماس، وأصبح الصدام وارداً في كلّ لحظة.
لم يتراجع الرئيس عن أيّ قرار اتخذه منذ انفراده بالحكم. لهذا يتوقّع أن يستمرّ الهجوم على آخر منظمة ترفض الاستسلام التام للإرادة الرئاسية. وستشهد الأسابيع المقبلة مناوراتٍ من الطرفَين، وتجييشاً متبادلاً. ولا يُستبعد أن يكون الخريف المقبل ساخناً، قد يعصف بالاستقرار الاجتماعي والسياسي الهشّ، وقد يتطوّر الاشتباك نحو إعادة سيناريو قديم نفّذه الرئيس بورقيبة، حين اعتقل القادة النقابيين وحاكمهم، وفرض قيادةً جديدةً على الاتحاد موالية للسلطة.
لن تكون المعركة سهلةً ضدّ الاتحاد، رغم حالة الضعف والانقسام الداخلي التي تعاني منها هياكل المنظّمة الشغيلة. صحيحٌ أن السلطة تملك أوراقاً ضاغطةً ومؤثّرةً ضدّ القيادة النقابية، منها ملفّات تتعلّق بفساد بعضهم، كما يُروَّج داخل الأوساط الرسمية. لكن بالرجوع إلى التجارب السابقة، يتمتّع الاتحاد بخبرة طويلة في مواجهة الأزمات مهما بلغت حدّتها، فالمعارك ضدّ السلطة عادة ما كانت تدفع إلى تقاطع المصالح بين الأضداد، وتجعل الخصوم مدفوعين نحو الوقوف صفّاً واحداً من أجل حماية المنظّمة الشغيلة، وبالتالي؛ تأجيل خلافاتهم إلى مرحلة أخرى. ونادراً ما خرج بعضهم عن هذه القاعدة، لما في ذلك من كلفة سياسية عالية، فالوقوف مع السلطة (بدل مواجهتها) يجعل أصحاب هذا الاختيار يُتَّهمون بـ”الخيانة” و”الانتهازية”، ويُعتبَرون جواداً خاسراً في موازين القوى داخل الاتحاد وخارجه.
في هذا السياق، أعلنت معظم الأحزاب والجمعيات مساندتها “اللامشروطة” الاتحاد وقيادته، ورأت في ما حصل “تتويجاً لحملة تصعيد ضدّ الاتحاد وهياكله”، فرغم الخلافات مع الاتحاد، والانتقادات الموجَّهة إلى التسيير النقابي، تبقى المعركة واحدةً والمصير مشتركاً.

المصدر: العربي الجديد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى