
أصدر مجلس الشورى لجماعة الإخوان المسلمين في دورته العادية في آب ٢٠٢٥ بياناً سياسياً يوضح رؤيته للأوضاع السياسية في سورية ، ويعتبر هذا البيان متقدماً على البيانات والرؤية السياسية السابقة للجماعة ، إذ يرصد هذا البيان الأحوال السورية والمتغيرات الحاصلة برؤية أكد فيها على وحدة سورية أرضاً وشعباً ، ورفضه لأي تغيير ديمغرافي ، وبأن موقف الجماعة تجاه العهد الجديد موقف الناصح الأمين الحريص على بناء الدولة المدنية الحديثة بمرجعية إسلامية ، والتأكيد على العدالة الانتقالية والسلم الأهلي وعلى إشراك جميع المكونات السورية في تنمية وبناء الدولة على أساس تشاركية تمثيلية ، وانتخابات نيابية تعددية حرة ، وتبني خطاب العيش المشترك والابتعاد عن لغة التأجيج الطائفي منعاً للحروب الطائفية والتدخلات الخارجية ، وبأن الجماعة ستبقى مستقلة في توجهاتها وقرارها الذي يعتمد نهجها على الإسلام الوسطي من أجل بناء الإنسان ، ويدين المجلس الاعتداءات الاسرائيلية المتكررة ، ويحث على عودة السوريين من المهاجر ، ويتوجه إلى المجتمع الدولي برفع العقوبات لإطلاق إعادة الإعمار والتعافي الاقتصادي ، ويحذر من المشاريع الانفصالية التي تقودها إسرائيل وبعض الدول ، كما يحذر من محاولات إيران دعمها لفلول النظام والعبث باستقرار سورية والمنطقة ، ويحيي المجلس بطولات الشعب الفلسطيني في غزة والقطاع ، وتوجه بالشكر لتركيا وقطر والمملكة السعودية والدول العربية والأجنبية الصديقة .
من هذا الاستعراض السريع لبيان مجلس شورى جماعة الإخوان المسلمين، فإنه لا بد من التوقف عند هذا البيان بالإشارة إلى الملاحظات التالية:
١- في المشروع السياسي لسورية المستقبل الذي أصدرته الجماعة عام ٢٠٠٤ ، يؤكد المشروع على الدولة المدنية ، كما أن بيان مجلس الشورى الأخير يؤكد أيضاً على الدولة المدنية الحديثة بمرجعية إسلامية .. والحقيقة فإن تبني موضوع الدولة المدنية لا يعتبر نظام حكم ، وهو مفهوم لا يمكن تحويله لنظام حكم ، ذلك لأن مفهوم الدولة المدنية مفهوم عام ولا يستند إلى محددات وأسس لحكم الدولة وبناءها، وقد يعتبر بأنه عكس الدولة العسكرية لا أكثر ولا أقل ويمكن أعتباره يعاكس الدولة الدينية ، كما أن مفهوم الدولة المدنية يدور حول المجتمع المدني ( والمجتمع المدني مفهوم عام وغير محدد ) بما يعنيه من وجود منظمات وجمعيات ونقابات .. ولا يشير إلى طبيعة نظام الحكم في هذه الدولة المدنية ، وتظهر الإشكالية بشكل أوضح وأكبر حين الربط بين الدولة المدنية وارتكاز الدولة المدنية إلى المرجعية الإسلامية .. أي فرض المرجعية الإسلامية كمرجع رئيسي وأساسي في صناعة أسس الدولة وفي صناعة القوانين الناظمة لها ( وهو هنا لا يتحدث عن مرجعية الأخوان المسلمين كجماعة أو حزب وإنما عن مرجعية بناء الدولة الجديدة بعد التغيير )، وهذه المرجعية تتناقض مع ما طرحه بيان مجلس الشورى بالتزامه بمبدأ المواطنة ، ومبدأ التمثيلية التشاركية ، إذ كيف تتساوق المرجعية الإسلامية للدولة حصرياً مع حقوق المواطنة التي الأساس فيها التساوي بين المواطنين دون أي اعتبار للأقلية أو الأكثرية أو تبني مرجعية وفرضها على المواطنين بمختلف مشاربهم ، وكيف يقولون بالتشاركية وهي إحدى سمات الديمقراطية مع بناء الدولة أساساً على أساس المرجعية الإسلامية . كما أن فرض مرجعية إسلامية واحدة للدولة ومحددة للحكم قبل الوصول للحكم عن طريق الانتخابات الحرة ، يعني بالأساس رفض لمبدأ التداولية الذي يبدو أن الجماعة تتمسك به شكلا وتسويقاً لا أكثر .
٢- لم يذكر بيان مجلس الشورى الأخير لا من قريب أو بعيد كلمة الديمقراطية أو النظام الديمقراطي . وإذا كان المشروع السياسي لسورية المستقبل لجماعة الإخوان المسلمين قد حدد تبنية لنظام الحكم على أساس الشورى ( مع التنويه إلى أن الشورى بطبيعتها الموضوعية والتاريخية ليست نظام حكم في الدولة ،وانما هي تعبير عن التعامل ضمن الأسرة وفي العلاقات بين مجموعات لحل الخلافات ) ، فإنه في البيان الأخير للجماعة إذا لم يتطرق إلى نظام الشورى كما جاء برؤيته السياسية عام ٢٠٠٤ ، فإنه لم يحدد أي نظام سياسي في الدولة تتبناه الجماعة ( وعدم التحديد يثير تساؤلات وإشارات استفهام في هذه المرحلة بعد سيطرة هيئة تحرير الشام على الحكم في سورية ) وقد يكون أحد الأسباب عدم ذكر الشورى للصراع السياسي بين شباب وشيوخ الجماعة وتبني الشباب لمفاهيم أكثر حداثة وعصرية من الشيوخ . وبغض النظر عن أن نظام الشورى يقوم على حاكمية أهل الحل والعقد ، فإن عدم ذكرنظام الشورى قد يكون لتجنب الوقوع في التناقض مع طرحهم الجديد الذي يؤكد على أن ” بناء الدولة على أساس التشاركية التمثيلية وانتخابات نيابية تعددية حرة ” . وهذا الطرح الجديد يقترب ( جزئياً ) من بعض أسس النظام الديمقراطي ( دون الإشارة إليه في بيانهم ) الذي يقوم على القانون والمساواة أمام القانون وعلى احترام حقوق الإنسان وعلى مؤسسات وحكم المؤسسات وقواعد لعملها ، وٱليات إجرائية لاختيار ممثلي الشعب وفق قانون للانتخابات ينظم عملية الانتخاب عبر صندوق لانتخابات يشارك الشعب كله بجميع أطيافه في أختيار ممثليه مع ضمانات دستورية لتداول السلطة ، وصلاحيات دستورية للسلطات التنفيذية والتشريعة والقضائية اعتمادا على مبدأ فصل السلطات ..
٣- لم يتطرق بيان مجلس شورى الجماعة إلى الانتقال السياسي وفق القرار الدولي 2254 / 2015 ، وهو القرار وإن سقط في شقه الأول الخاص بالتفاوض مع النظام البائد وسقوط هذا النظام ، إلا أنه لا زال في شقه الثاني مطلوباً للخروج بالبلاد من الواقع الجديد المعقد الذي تتحرك فيه التهديدات الداخلية والخارجية ، وحالات الانقسام والتجييش الطائفي والإقوامي ومشاريع تفتيت الهوية الوطنية تمهيداً للتقسيم ، وهو يرسم لتجاوز هذا الواقع خارطة طريق لانتقال سياسي سلس مؤيداً بالقرار الدولي ومجموعة دولية لا زالت متمسكة بهذا القرار الدولي ، الذي يقوم على هيئة حكم انتقالية تنبثق عن مؤتمر وطني عام وشامل ، وتأسيس دستور للبلاد عن طريق هيئة تأسيسية منتخبة من المؤتمر الوطني العام ، وانتخابات برلمانية ورئاسية حرة ونزيهة وذات مصداقية بإشراف دولي وفي إطار بيئة ٱمنة ومحايدة …
إن عدم ذكر أو تبني القرار الدولي 2254 في بيان مجلس شورى الجماعة يمكن أن يكون – والله أعلم – جزء من ٱلية تفكير للجماعة في الدخول مع السلطة الجديدة في تقاسم السلطة دون الاضطرار إلى الدخول في مسار الحل السياسي على أساس القرار 2254 الذي يتطلب مشاركة لأوسع القوى السياسية والشرائح المجتمعية ، وتبنيهم لدور ( الناصح الأمين للسلطة) لا يعني تعففهم عن طلب السلطة ، وإنما قد يكون من أجل أيضاً مسايرة الإدارة السياسية الحالية التي ترفض تطبيق القرار الدولي والاستناد إليه في حكم المرحلة الانتقالية ، كما أن عدم التمسك بالقرار الدولي قد يتيح للجماعة منفردة بالتشارك مع الإدارة الجديدة في حكم البلاد ..
10 / 8 / 2025
قراءة موضوعية نقدية دقيقة للبيان السياسي الصادر عن الدورة العادية لمجلس الشورى لجماعة الإخوان المسلمين في سورية، يوضح رؤيته للأوضاع السياسية في سورية، ورؤيتهم للأحوال السورية والمتغيرات الحاصلة، محاولين أن يظهروا الموقف الناصح والشريك للحكومة، ولكنهم وقعوا بمطبات متعددة منها الموقف من الدولة المدنية والقرار 2254/2015 للإنتقال السياسي.