(قسد).. الحل بالإندماج ولا حل غيره

أحمد مظهر سعدو

لعل البحث والتأكد من مصداقية أي اتفاق يتم توقيعه بين طرفين اثنين يكمن في مدى القدرة على الالتزام به، ومن ثم تنفيذه عمليًا، بعيدًا عن كل الشعارات والتأكيدات الإعلامية أو الشعبوية المنتشرة هنا أو هناك.

الاتفاق الذي سبق وتم توقيعه في10 آذار/ مارس  2025   بين مظلوم عبدي زعيم تنظيم (قسد) والرئيس السوري أحمد الشرع مازال يراوح تنفيذيًا في المكان ذاته، وتعتريه في متاهات وحيز التنفيذ العملي الكثير من المعوقات وحسن الأداء، والتمنع المباشر عن تطبيقه واقعيًا، من قبل تنظيم (قسد) التي مازال تتحدث عن أهمية وشرط إقامة (اللامركزية السياسية) التي تريد قيادات (قسد) أن  تفرضها فرضًا على حكومة دمشق، ومسألة (اللامركزية السياسية) هي في الحقيقة خارج إطار الاتفاق المشار إليه بين الطرفين، ومع ذلك تود (قسد) وبعد أن اجتمعت ثم اتفقت مع بعض القوى الكردية الأخرى أن تجعل من مسألة (اللامركزية السياسة) عقدة العقد ومعضلة أي حل، بدونها (كما تريد أن تقول) لا يمكن أن تذهب قيادات (قسد) إلى العاصمة دمشق، أو أن تقبل بحل نفسها عسكريًا، والاندماج في أتون المؤسسة العسكرية السورية للحكم الجديد، باعتبار أن كل الفصائل تخلت عن تشكيلاتها العسكرية وقبلت الاندماج داخل  بناء المؤسسة العسكرية الجديدة، إلا (قسد) وبعض فصائل محافظة السويداء وجبل العرب الخارجين عن القانون .

لقد فشلت اجتماعات دمشق بين قيادات (قسد) مع الحكومة السورية، كما فشلت اجتماعات باريس أيضًا، علمًا  أنها كانت تحت رعاية أميركية بوجود (توماس براك) المبعوث الأميركي، والسبب أن (قسد)مازالت مصرة على أنها  لن تقبل التنازل عن مطالبها، بما يخص موضوع (اللامركزية السياسية) وبقاء ميليشيا (قسد) كتلة واحدة، بلا اندماج في المؤسسة العسكرية السورية، ووزارة الدفاع السورية، ولا يبدو أن (قسد) مدركة تمام الإدراك، لما كانت قد وقعت عليه من اتفاقات، حيث جمدتها من طرف واحد، وامتنعت حتى الآن عن الاندماج الكلي كمؤسسات مدنية أو عسكرية، متواجدة الآن شمال شرق سورية، ضمن سياقات الدولة السورية الجديدة. كما أن (قسد) لم تقرأ جيدًا، عبر تصرفاتها الميدانية، كما يتمظهر جليًا، ما جرى من تغيرات في السياسة الأميركية، وكذلك في المنطقة بكليتها، إذ إن أميركا باتت تعترف وعلى لسان (توماس براك) المبعوث الأميركي بحكومة دمشق فقط، وعدم اعترافها بأي كيانات أخرى، مثل كيان أو حكم ذاتي تقيمه (قسد) أو سواها شمال شرق سورية، وأن الاستقرار في سورية، بات من الأهمية بمكان للأميركان، بحيث أن الدعم الأميركي يُبنى عليه ويدفع باتجاهه إبان رفع العقوبات الأميركية على الدولة السورية.

المشكلة شمال شرق سورية أن (قسد) تسيطر على مدن  ومساحات واسعة من الجغرافيا السورية وحقول النفط وموارد أخرى، وتهيمن أيضًا على مدن كبرى في الجزيرة السورية، ذات طابع عربي وديمغرافيا عربية صرفة، مثل مدينة الرقة ومدينة دير الزور، وهي مستمرة في عدم اندماجها في أتون الدولة السورية الواحدة، مع أن سقف المهلة في ذلك الاتفاق نهاية العام ٢٠٢٥حسب تفاصيل الاتفاق بين عبدي والشرع، وهناك من يتحدث اليوم بوضوح عن أن  عدم الاندماج سوف يؤدي إلى اللجوء نحو خيار الحل العسكري، ومن ثم المزيد من الدماء السورية، وهو مالا يريده السوريون بقضهم وقضيضهم. بينما الدولة التركية باتت جاهزة لدعم حكومة دمشق في عملية إنهاء ظاهرة وجود مليشيات عسكرية خارج إطار الدولة السورية، بما يعنيه للأتراك من مصلحة أمنية لا يمكن القبول بالتعدي عليها أو اللعب بسياقاتها وديناميتها، فهي تشكل الخطر الأمني الأكبر الذي يهدد الأراضي التركية مستقبلًا، خصيصًا بعد أن تم حل حزب العمال الكردستاني لنفسه، وبدأ في عملية تسليم سلاحه.  لذلك فإن موقف تنظيم ومؤسسة (قسد) بات ضعيفًا جدًا، ولعل عدم قبولها في عملية الاندماج عبر المؤسسات السورية المدنية والعسكرية، قد يجعل من الحل العسكري قريبًا، أو أنه بات قاب قوسين أو أدنى من التنفيذ، وسقفه الزمني إجرائيًا قد يكون مع نهاية العام الحالي 2025.

إن قراءة جملة المتغيرات السياسية والجيوسياسية مهمة جدًا وضرورية لمن يريد لشعبه وناسه ووطنه حيوات أفضل، والأكراد في سورية هم جزء مهم من النسيج المجتمعي السوري، وهو ما أعلنته حكومة دمشق أكثر من مرة، ويعلنه السوريون جميعًا وعلى الدوام، ولا يوجد أحد في سورية يناقش أو يجادل في قضية سورية أو لا سورية الإخوة الكورد أو الإثنية الكوردية.

من هنا كان السؤال: هل من خلاص وطني سوري لأهل (قسد) والأثنية الكردية خارج إطار الدولة السورية الواحدة؟ وهل يمكن أن تبقى (قسد) بعيدة عن دمشق؟ وتذهب طوعًا إلى خيارات عسكرية تتوهم أنها قادرة عليها؟ ليس هناك من عاقل اليوم في سورية يمكن أن يقبل بتقسيم سورية، فوحدة السوريين أرضًا وشعبًا وجغرافية هي مسألة مقدسة، ويقتنع بها اليوم كل السوريين، وأي خروج عليها يعني الذهاب إلى اقتتال داخلي، لن يؤسس باتجاه حالة وطنية سورية مبتغاة. إن وحدة سورية اليوم لا غنى عنها نحو الاستمرار في إعادة قيام سورية الوطن السوري الديمقراطي، الذي كان وما يزال من حق الجميع أن يكونوا فاعلين فيه سواء كانوا في أتون السلطة والحكم أو المعارضة، وهي حالة صحية لابد من قيامها والعمل ما أمكن على إنشاء دولة المواطنة، وسيادة القانون، والوصول إلى بناء وصياغة دستور وطني سوري جامع، يتوافق عليه كل السوريين بلا استثناء. ومن ثم بناء صرح العقد الاجتماعي الوطني السوري، الذي يجمع ولا يفرق، يوحد ويبني ولا يهدم. فهل نحن ذاهبون إلى ذلك؟ وهل يعي الإخوة في (قسد) أهمية الاندماج في الحل الوطني الجامع، وعدم الخروج عن الاجماع الشعبي، وأن أي مسالة كبرى لابد من أن يتم التصويت عليها شعبيًا ديمقراطيًا ومن قبل كل السوريين، وليس من فئة أثنية أو طائفية أو أيديولوجية بعينها؟.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى