السلم الأهلي يُنتهَك في السويداء… ما الحلّ؟

أحمد مظهر سعدو

الحوار مقدّمة العمل… والديمقراطية غاية وطريق”. هكذا كتب جمال الأتاسي في مطلع ثمانينيّات القرن الفائت. وتحت هذا العنوان، عندما كان السلم الأهلي في سورية مهدّداً ومهدوراً، والتفتّت والتشظّي واقعاً ملموساً، مع وجود سلطة حافظ الأسد ودولته الأمنية، التي لم تكن ترى في الواقع السوري إلا مكاناً رحباً للعبث به، وبسلمه الأهلي، ذلك كلّه من أجل بقائها في السلطة، ضمن حالة النهب والفساد والإفساد، والتمسّك (ثمّ المضي) بذلك الدور الوظيفي المعروف في المنطقة لنظام حافظ الأسد، وآل الأسد من بعده، الذي كان غارقاً في عنفه (ومقتلته)، الذي طال أمده، في مواجهة كلّ أطراف الشعب السوري.

أمّا اليوم، فسوف نفترض جدلاً أننا خرجنا كلّياً من حالة الفوات الكبرى، التي عاشتها سورية 54 عاماً من هدر الإنسان، والقهر والسلب والنهب والقمع، حيث ولج السوريون، منذ 8 ديسمبر/ كانون الأول الفائت، في أتون عهد جديد، لا يتساوق أبداً مع المحدّدات التي قام على أساسها نظام الأسد، ومن ثمّ فإن أولى أولويات عمارة السلم الأهلي المطلوب اليوم، وبعد أن عاشت سورية، تلك العقود كلّها من الظلام والظلمة، أن نبادر حكومةً وشعباً، وقوىً سياسيةً ووطنيةً، بحوار وطني جامع لا يستثني أحداً، من أجل إعادة بناء الوطن والدولة السورية، ضمن سياقات إعادة بناء الهُويَّة الوطنية السورية، التي تعبّر بالضرورة عن مجمل تلوين الواقع السوري، وتنبثق عقداً اجتماعياً خارجاً من رحم المعاناة، بعد تشييد صرح بناءات العدالة الانتقالية التي باتت سورية محتاجة إليها جدّاً لبناء هذا السلم الأهلي السوري المبتغى، إذ لم يعد الواقع السوري يقبل أبداً المزيد من الاحتراب أو سفك الدماء أو الهدم، إذ تحتاج سورية إعادة بناء البنية التحتية، التي هدمها بشّار الأسد وأدواته، بما تجاوزت نسبته 65%، كما تحتاج سورية إعادة رسم سياسات جديدة تستوعب الجميع، بكلّ ما تعنيه هذه الكلمة من معنى، ولتعبّر عن هذا الجميع المتنوّع والمتعدّد.

في السويداء وجبل العرب اليوم، كثير من عمليات انتهاك السلم الأهلي وحالاته، وعديد من حالات تفلّت السلاح في أيدٍ كثيرة خارج إطار الدولة الوطنية السورية، وهو ما يؤدّي واقعاً (بين فينة وأخرى) إلى مزيد من هدر الدماء، وكثرة حالات الفلتان الأمني، وتقويض أركان السلم الأهلي برمّته، الذي بات مطلباً ملحّاً من الجميع. وإذا كانت السياسات المتبعة في محافظة السويداء لم تنتج سلماً أهلياً حقيقياً، ولم تبنِ أساساتٍ متينة لحوار وطني جدّي، الذي يمكن فعلاً (لا قولاً) أن يصل بالجميع إلى مصاف التمسّك بالوعي الوطني السوري الجامع، فلا بدّ من البحث في الأسباب والحيثيات، والدخول في ماهية المشكلة وجوهرها، وليس في قشورها، من دون الاستسهال في عملية رمي وتوصيف تخويني أو شتائمي. ما يهمّ السوريين جميعاً اليوم هو الوصول إلى اتفاق وتفاهم وطني سوري بما يخصّ مشكلات أهل السويداء، وجبل العرب بكلّيته ومجموعه، وتنويعاته الطائفية والدينية، وبالتالي اندراج الوضع في السويداء ضمن محدّدات الدولة الوطنية السورية المطلوبة وطنياً وشعبياً، ومنع التعدّيات المتواصلة والمستمرّة، على حيوات الناس، والانطلاق من جديد نحو تشييد بناءات جديدة للدمج المجتمعي والمؤسّساتي، والدخول في السياقات الوطنية، التي ستنتح لامحالة مع الوقت والحوار المتواصل عقداً وطنياً سورياً جامعاً.

سياسات السلطة السورية المتبعة في محافظة السويداء لم تنتج سلماً أهلياً ولم تبنِ أساساتٍ متينة لحوار وطني

لن يكون الحلّ الوطني في السويداء وغيرها إلا بالحوار الوطني الصريح والواضح والشفّاف، الذي يؤدّي إلى اتفاقات وتفاهمات ما يفترض أن توقّع من الفعاليات الوطنية، الروحية والسياسية والعسكرية، في السويداء وجبل العرب، تكون ملبيّةً للجميع، ولكلّ متطلّبات الحالة الوطنية في السويداء، بما تعنيه من خصوصيةٍ وطنيةٍ ما، وحتى تكون هذه المسألة عملية وحقيقية ومعبّرة عن الكلّ، لا بدّ من تحديد السقف الزمني لها، ولإنفاذ توافقاتها واتفاقاتها، التي لا بدّ من أن تبرم عاجلاً وليس آجلاً، وتوقّع عليها حكومة دمشق، وكلّ الفعاليات الوطنية المتنوعة والمتعدّدة، التي تتفق معها الدولة والحكومة أو تلك التي تختلف معها، إذ لا يجوز أن يجري توقيع هذا الاتفاق المطلوب ممَّن يتوافقون مع الحكومة وسياساتها الحالية فقط، وإلا نكون قد دخلنا في حالات إعادة بناء أجندات ما يحصل، التي تتهم الحكومة بالمسؤولية عنها. ولا بدّ من الإشارة إلى أهمية تحديد السقف الزمني الذي سيوضع لتطبيق الاتفاق المنشود، الذي لا يجوز تعدّيه أو إهماله أو عدم الانتباه إلى أهمية تنفيذه والالتزام به، حفظاً للسلم الأهلي، الذي يبتغيه السوريون. وفي نهاية تلك الفترة سيكون من حقّ الدولة أن تفرض سيادة القانون ضدّ كلّ من أخل بحيثيات هذا الاتفاق. أمّا قبل ذلك، فلا يجوز (ويجب آلّا) يسمح وطنياً بالدخول في دهاليز انتهاك السلم الأهلي أو السماح لأيّ كان بالتعدّي على أرواح الناس، وانتهاك حرمات المجتمع السوري وأنساقه، سواء كان في محافظة السويداء أو خارجها.

الأوضاع الدراماتيكية في محافظة السويداء وجبل العرب اليوم خطيرة بحقّ، ولعلّ ما هو أشد خطورة منها أن تترك أوضاع السويداء كما كانت من دون الإسراع إلى معالجتها، عبر إعلان فتح الحوار الواسع، والبدء به عملانياً، الذي سيفضي بالضرورة إلى ذاك الاتفاق الوطني السوري المطلوب، وقد يكون منه (وجزء مهم فيه) إعادة تعديل الإعلان الدستوري الذي عليه ملاحظات كبيرة، من بعض فعاليات السويداء وسواها، وإذا كان هناك من يعمل على استمرار بعض حالات التقاعس، فذلك يعني بالضرورة أن ينجرّ البلد إلى دهاليز ومتاهات تعوق عملية السلم الأهلي، وتقوّض أركانه، وتعوق نتيجةً بناء جدران السلم الأهلي، سواء أدركت ذلك أم لم تدركه.

المصدر: العربي الجديد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى