
في مستهل حملاته الانتخابية وبداية ولايته، أوحى دونالد ترامب بأن علاقته برئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ستكون في غاية الانسجام.
وبدوره، بدا نتنياهو مقتنعاً بهذا الانسجام، استناداً إلى عاملين رئيسيين: تشاركهما التوجهات اليمينية المتطرفة، وسجل ترامب في ولايته الأولى الذي تضمن الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، وضم الجولان، وفرض عقوبات أشمل على حزب الله وإيران، فضلاً عن وعوده بضم أجزاء واسعة من الضفة الغربية وتهجير سكان غزة. غير أن ما حدث لاحقاً خالف توقعات كثيرين.
لكن أول صدمة تلقاها نتنياهو جاءت خلال زيارته الأخيرة إلى واشنطن، حيث كان يعتقد أنه سيحظى بدعم مطلق من ترامب في ملفات غزة، اليمن، وإيران. لكن اللقاء كان مخيباً للآمال، وشابه توتر كاد يبلغ حدّ التوبيخ، على غرار ما تعرض له الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي في لقاء سابق مع ترامب.
جوهر التباين يتجاوز الأشخاص إلى تعارض استراتيجي تاريخي بين الولايات المتحدة وإسرائيل، وخصوصاً في رؤيتهما لمستقبل الشرق الأوسط، رغم التزام واشنطن الدائم بتفوق إسرائيل العسكري.
ثمة من يذهب إلى حدّ القول إن نتنياهو ربما بات يفضل استمرار بايدن في الرئاسة، رغم تحفظه على مواقفه العلنية، باعتبار أن بايدن وظّف فعلياً إمكانات بلاده لخدمة إسرائيل. أما ترامب، فغالباً ما يطلق وعوداً كبيرة، لكنه في التطبيق يسعى لإرضاء الجميع، بما في ذلك خصوم إسرائيل.
التوتر بين الرجلين ليس جديداً، إذ بدأ مع الانتخابات الرئاسية الأميركية عام 2020، عندما سارع نتنياهو إلى تهنئة بايدن بالفوز، في وقت كان ترامب يرفض نتائج الانتخابات ويتجه إلى الطعن بها. وقد شعر ترامب آنذاك بالخيانة، وظلّ هذا الشعور حاضراً رغم الاعتقاد بأن العلاقة بين الطرفين ستتحسن تدريجياً في حال عودة ترامب إلى السلطة، وهو ما لم يحصل حتى الآن.
الخلاف بين ترامب ونتنياهو يرتكز إلى طباع شخصية حادة وغير تقليدية يتقاسمها الاثنان، بالإضافة إلى اختلاف أولوياتهما الإقليمية. فبينما يركّز ترامب على عقد “صفقات كبرى” تشمل لبنان، سوريا، غزة، اليمن، وإيران، فإن نتنياهو مهووس بإزالة التهديدات العسكرية والسياسية على إسرائيل من الجذور.
غير أن جوهر التباين يتجاوز الأشخاص إلى تعارض استراتيجي تاريخي بين الولايات المتحدة وإسرائيل، وخصوصاً في رؤيتهما لمستقبل الشرق الأوسط، رغم التزام واشنطن الدائم بتفوق إسرائيل العسكري.
اليمين الإسرائيلي، بقيادة نتنياهو، يرى في المرحلة الحالية فرصة “تاريخية” لترسيخ مشروع إسرائيل الكبرى، عبر تصفية القضية الفلسطينية وفرض واقع استراتيجي جديد في المنطقة. ولهذا، سعى نتنياهو في اتصاله الأخير مع ترامب إلى انتزاع تعهد واضح منه بتنفيذ وعوده، خاصة ما يتعلق بتهجير سكان غزة وتحويلها إلى منطقة اقتصادية سياحية. لكن ترامب أبدى تراجعاً جزئياً، وركّز على إنهاء وجود “حماس” واستبدالها بسلطة فلسطينية جديدة.
كما أعرب نتنياهو عن امتعاضه من انخراط واشنطن في حوارات مع الحوثيين، وغضبه من مساعي ترامب لعقد صفقة مع إيران حول ملفها النووي، بدلاً من توجيه ضربة عسكرية حاسمة. ويترقب الجميع مخرجات الجولة الخامسة من المفاوضات الجارية في روما، والتي من شأنها أن ترسم خيارات إسرائيل المقبلة.
في هذا السياق، قد يلجأ نتنياهو إلى إفشال هذه التسويات، عبر خطة مضادة تشمل الضغط السياسي من خلال مجموعات ضغط داخل الولايات المتحدة، وحملة دبلوماسية دولية مكثفة، وربما افتعال تصعيد عسكري في أكثر من جبهة، لإغلاق الباب أمام أي اتفاقات محتملة.
ويُدرك الجميع أن إسرائيل لا تستطيع بمفردها توجيه ضربة عسكرية للمفاعلات النووية الإيرانية دون مشاركة أميركية، وما تملكه فعلياً هو قدرات تخريب إلكتروني محدودة.
ليس مستبعداً أن يستكمل نتنياهو خططه الحربية في سوريا ولبنان، وخاصة في ظل إصرار أطراف في جنوبي سوريا على عدم فهم طبيعة التحولات الحاصلة، والتي ترجمت بلقاء الرئيس أحمد الشرع مع ترامب، إضافة لخططه الدائمة لتكريس واقع عسكري متأرجح في لبنان.
لذا، قد يكون السيناريو الأكثر احتمالاً هو تفجير الأوضاع على أكثر من جبهة: لبنان، سوريا، غزة، وربما ضرب أهداف في اليمن، في محاولة لنسف المساعي الدبلوماسية التي يقودها ترامب.
وليس مستبعداً أن يستكمل نتنياهو خططه الحربية في سوريا ولبنان، وخاصة في ظل إصرار أطراف في جنوبي سوريا على عدم فهم طبيعة التحولات الحاصلة، والتي ترجمت بلقاء الرئيس أحمد الشرع مع ترامب، إضافة لخططه الدائمة لتكريس واقع عسكري متأرجح في لبنان، وهذا ما نقله مسؤولون مصريون وأتراك لنظرائهم اللبنانيين منذ مدة حول إمكانية أن يستأنف نتنياهو الحرب على لبنان، بتكثيف الاغتيالات وتوسيع رقعة الوجود في جنوبي الليطاني.
في هذا الإطار، يمكن فهم حادثة إطلاق النار قرب السفارة الإسرائيلية في واشنطن قبل يومين، والتي قُتل فيها شخصان، كفرصة تستغلها إسرائيل لتبرير أي تصعيد مرتقب. مع العلم أن العملية نفذها مواطن أميركي احتجاجاً على ما يجري في غزة، إلا أنها تفتح الباب لاستثمار إعلامي وسياسي تحت ذريعة ضرب حزب الله وحماس والتنظيمات المسلحة في المنطقة.
وعلى الرغم من أن الفاعل هذه المرة لا ينتمي إلى أصول عربية، فإن استغلال الحدث قد يكون حاضراً في مخططات نتنياهو، خصوصاً في ظل موجة تعاطف عالمية أثارها الهجوم، وهو ما طالما عرف الإسرائيليون كيف يستثمرونه لفرض أجنداتهم على المنطقة.
المصدر: تلفزيون سوريا