الكلمة الطيبة صدقة في مواجهة الهيستريا الجماعية

حازم نهار

كان من أجمل التعليقات التي قرأتها في يوم 8 ديسمبر: كنا ذاهبين إلى نهاية عام 2024، لكننا فجأة وجدنا أنفسنا في عام 2011، عام الثورة والنقاء والوطنية السورية، و”سلمية سلمية” و”الشعب السوري واحد”.

اليوم هناك من يريد أن يعيدنا ليس إلى عام 2011، بل إلى ما قبله، إلى عهد الاستبداد والتوحش، وهناك من يريد أن يعيدنا إلى عصور ما قبل التاريخ حيث البشر يأكلون لحوم بعضهم بعضًا.

درجة الهيجان السوري اليوم خطرة جدًا، وتنذر بالأسوأ، ولن ينجو أي جزء أو فئة أو جماعة من هذا الأسوأ إن حصل لا سمح الله.

يبدأ الحل في هذه اللحظة بالذات من الكلمة، الكلمة الطيبة صدقة، نعم الكلمة الطيبة صدقة.

كلنا مسؤولون عن هذه الكلمة الطيبة، كلنا مسؤولون عن إيقاف المخربين والمخربات الذين يستسهلون الكلام وإطلاق الأحكام والاتهامات والقص والتفصيل بناء على عقولهم الضالة والانتهازية والتافهة.

بعد ذلك، الحل الرئيس، والدائم، هو في يد السلطة الراهنة أولًا وأخيرًا؛ السلطة التي لم تكترث لأهمية عقد مؤتمر وطني حقيقي، ولا لإصدار إعلان دستوري وطني وعام وشامل، ولا للبدء الجاد بتطبيق العدالة الانتقالية وإنصاف ضحايا خمسة عشر عامًا خلت، ولا للتصرف بصورة جدية تجاه الجرائم التي ارتُكبت في حق المدنيين في الساحل السوري… إلخ.

على التوازي، هناك مسؤولية كبيرة تقع على عاتق القوى السياسية (العربية والكردية و…)، وهي إن كانت مخلصة حقًا للمسألة الوطنية السورية فأفضل ما يمكن أن تفعله في الحقيقة هو أن تحلَّ نفسها؛ إنها لما تغادر بعد العقل القومي العصابي، وتفتقر إلى الوعي السياسي بحدوده الدنيا، فضلًا عن ضحالتها الثقافية، بل وانتهازية معظمها عندما تفصِّل سوريا على مقاس وعيها المتدني ومصالحها الضيقة وأوهامها الأيديولوجية.

ويتحمل معظم الهواة من “الإعلاميين السوريين” المسؤولية عما يحصل بدرجة ما بحكم السطحية والغوغائية والصوت العالي وافتقاد المهنية والرغبة القاتلة في الاستعراض والشهرة.

ويتحمَّل المثقفون أيضًا نصيبهم، أولئك الذين لم يستطيعوا أن يلتقوا على شيء أو يتفقوا على خطاب، ومعظمهم تنكَّر لقيم الديمقراطية وحقوق الإنسان بعد الثامن من ديسمبر، وتحول بعضهم إلى زعماء طوائف وقبائل وإثنيات، ولم يستطيعوا أن يكونوا مؤثرين في وعي الناس على مستوى تعميم قيم الوطنية السورية والمواطنة المتساوية.

بلدنا في خطر، ونحن جميعًا في خطر، فلنعقل ولنتعقَّل بدلًا من الاشتراك في الهيستريا السورية الجماعية أو الاكتفاء بموقف المتفرج.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى