ماذا يخبئ لنا الفاسدون

سمير خراط

التفجير  الذي حدث بميناء العاصمة اللبنانية مؤخرا والذي نتج عنه ما نتج من خسارات بشرية ومادية وسياسية ، أودت بحكومة بأكملها ووضعت لبنان ضمن حلقة مفرغة من كل ما يسمى المنطق بالإدارة السياسية،  ولكن هل هو ناتج إهمال أو ضغينة ما من طرف ما ،  ما يهمنا اليوم هو تداول هكذا مواد وتخزينها بأماكن تكتظ بالحياة البشرية ، والعبرة  هنا بقدر إذا ما بحثنا عن عمليات مشابه  بقدر  ما نجد خطورتها وبشكل خاص  فيما إذا عدنا بالتاريخ بضع سنوات ، والتخوف لا يتوقف عند مواد متفجرة ، بل هناك ما هو أخطر كالنفايات النووية ، مواد السلاح الكيماوي المخزنة هنا وهناك ، والتي أعتبرها أشد خطورة مما حدث ببيروت ، وأكيد لم ننس على سبيل المثال ماذا خزن سياسيوا لبنان عام 1986 من نفايات بالأراضي اللبنانية،  وأيضا ما تم تخزينه بالصحراء السورية أيام خدام وأولاده ، ولا يمكن تناسي زوجة البشير بالسودان التي جعلت منها مكب خاص للنفايات الايرانية ، وسنأتي على كل واحدة على حدى بالتدريج بعد أن نوضح أن الموضوع لا يتوقف عند هذا الحد،  فهل نسينا أن الدول تخزن مواد سامة ، وتصنع منها بالاف الأطنان يومياً بغية استعمالها  كمبيدات حشرية بالزراعة ، وهل يمكننا تناسي أيضا المخازين من المواد السامة التي تدخل بالصناعات الكيمائية إن كان ذلك أصبغة أو أدوية ، وبلاشك المواطن العادي لا ينتبه الى هذه المواضيع إلا بعد حدوث الكارثة ويعطي أهمية  للموضوع،  حتى يتدخل الجهاز الاعلامي ويلفلف الحادثة  بأسلوب أو آخر ،ويحملون الخطأ إما لفاسد ويعاقبون أصغر فرد بالحلقة ، أو يستعملون منطق القضاء والقدر،  ولكن أين منطق الحمايات ومنظوماتها الدولية ومعاييرها ، أين الحس الانساني والوطني بهكذا حالات ، وكم من مرة المنظمات الدولية حذرت من هكذا كوارث،  وتسعى جاهدة يومياً  للكشف عن تلوثات هنا وهناك ناتجه عن مصانع المواد الكيمائية،  وكم من مرة حاولت أيادي العبث بتلك المنظمات حتى وصلوا لمرحلة الاغتيالات لأعضائها ،  وسنرى بالاسطر التالية وبالترتيب البعض من تلك الفضائح ، التي تم التعتيم عليها،  علما أنها مازالت متواجدة وتعتبر كقنابل زرية موقوته بباطن الارض ومعرضة للإنفجار بين يوم وآخر وتمتد من أقصى الشرق الى أقصى الغرب ولا يوجد دولة واحدة لا تخلو منها هذه الأخطار وبدون استثناء

النفايات بلبنان 
ما هو مؤكد أن 15800 برميل و20 مستوعباً من النفايات السامة دخلت لمرفأ بيروت آتية من إيطاليا على متن الباخرة التشيكية “ردهوست” في  1987،  وكانت الحرب الأهلية (1975-1990) قد أضعفت الدولة ومؤسساتها، ما أدّى إلى سيطرة الميليشيات على المرافق العامة وإلى تقسيم مناطق النفوذ فيما بينها ، وكانت “القوات اللبنانية” حينها تسيطر على ما عرف بـ”المناطق الشرقية” وعلى الحوض الخامس من المرفأ،  فكانت هي المسؤولة عن مراقبة البضاعة التي تدخل وتغادر المرفأ ، في المقابل، كانت البلاد الأوروبية تعاني من إنتاجها كميةً كبيرةً من النفايات الصناعية، فقررت التخلّص منها عبر بيعها لما يعرف بـ”مافيا النفايات” ، وهذه المافيات تستغل البلاد التي تعاني من اضطرابات أمنية أو من فساد في الدولة لعقد اتفاقات تشمل بيع نفايات والتخلّص منها مقابل بدل مادي مرتفع ، وهذا ما جرى حينها إذ اتفقت شركة “إيكولايف” الإيطالية على التخلّص من النفايات السامة والخطرة فعهدتها إلى شركة “جيلي واكس” المتخصصة في التخلص من المواد السامة ، حيث  ووقع الاختيار  على لبنان وتحديداً على “شركة نصار للشحن”  وعليه، وصلت الشحنة إلى الحوض الخامس الواقع تحت سيطرة “الصندوق الوطني” في ميليشيا “القوات” وبموافقتها الكاملة،   وتعتبر  المسؤولة عن إدخالها ، وتوّرط قائدها سمير جعجع في القضية، لاسيّما بعد أن أوحى الأخير بأنه لم يكن على علم بالمسألة، وبأنه سيتابع الملف للتأكّد من التخلّص من النفايات ،
بعد أن أنتشر الخبر بين الاهالي وتدخلت الدولة بشكل مباشر بالموضوع مع الدولة المصدرة،  توصل الطرفان إلى اعادتها إلى ايطاليا ، ولكن للأسف كانت عملية الإعادة فاشلة بالكامل ، ذلك وفق التقارير الموجودة لليوم بأرشيف الدولة اللبنانية ، وتم تلويث كل المنطقة ومياهها الجوفية وظهرت الأمراض على بعض السكان بالمنطقة .

قضية النفايات بالاراضي السورية 
أبرم التاجر السوري وصاحب سفينة ((زنوبيا)) ،محمد طبالو صفقة مع شركة “جيلي واكس ” الإيطالية التي تعمل في مجال تصريف النفايات النووية بعد تغيير اسم سفينته وعلمها وكل أوراقها.
تعد شركة “جيلي واكس “الإيطالية أشهر شركة في العالم ، تعمل كمتعهد لمفاعلات نووية في بلدان عديدة عبر الاستيراد ، وعقد الصفقات لدفن نفاياتها بمكان آخر،  وهي وراء النفايات التي تم ارسالها الى لبنان أيضاً وبطريقة مافيوية مرعبة،  تتهم التقارير البيئية هذه الشركة بأنها أهم شركة لـ” تجارة الموت ” في العالم ، والملفت للنظر ما قاله  مديرها  خلال رده على بعض ما أثير حول شركته إثر فضحية دفن نفايات خطيرة في منطقتنا،  (نحن نعقد صفقاتنا مع مسؤولين رسميين في بلادهم ، وعليهم تترتب مسألة دفنها بطريقة صحية سليمة  في إشارة واضحة لبنان وسوريا ولا علاقة لنا كيف يديرون ذلك ) ، حيث تم دفن أكثر من اربعة آلاف طن بصحراء تدمر .
حسب التحقيقات  فإن المتورطين في هذه القضية ، هم التاجر محمد طبالو وعبد الحليم خدام وأولاده واللواء مصطفى طيارة المسؤول عن أمن الميناء في ذلك الوقت بالإضافة إلى بعض رؤساء الأجهزة الأمنية .
اكتشفت المخابرات الروسية خطورة المواد (الراسية في ميناء طرطوس)،  حيث كانت لا تزال بعض سفنها راسية في الميناء منذ حرب تشرين  وقام الجنرال “ يوري آندروف ” بالاتصال بقيادته،  التي أبلغت بدورها القيادة السورية،   لكن الحافلات كانت قد نقلت الحمولة التي تبلغ ما يعادل 10592 برميل ـ كانت قد استوردتها الشركة من الولايات المتحدة من نفايات سلاحها الجوي ومن شركة ألمانية أخرى ـ ودفنت في البادية السورية ، وفي عملية أخرى أدخلت سفينة أخرى في العام 1988 تحمل 2000 طن من النفايات الكيميائية كان قد تم استرجاعها من نيجيريا إلى إيطاليا،  لكنها لم تصل إلى ميناء (جانو )إلا بعد استراحة في ميناء في ميناء طرطوس،  وهذا أكبر دليل على أن المافيا الايطالية فعالة بصفقاتها مع اللبنان وفساده  وسوريا والفاسدين بها .
في الحقيقية لم تكن (زنوبيا أو لينكس )هما الوحيدتان اللتان وصلتا إلى سوريا ، فلقد قام رجل أعمال   بإبرام صفقة مشابهة جمعت بين زعماء المافيا اللبنانية والسورية ، ودخلت أربع سفن محملة بالنفايات على إثرها إلى ميناء بيروت في 21-9-1987 قادمة من ميناء كريرا إيطاليا،  وإثر اكتشاف البراميل في عدة مناطق منها جبل كسروان، عقدت صفقة سريعة مع المافيا السورية دخلت على إثرها سفينتان إحداهما تدعى ( إيفون )تحمل علم “سنت فانسنت ” والأخرى تدعى ( رد هوست) بتاريخ 6-10-1978 وأفرغت الحمولة في ميناء طرطوس.
ويشير التحقيق أيضا إلى أن شركة ” جيلي واكس ” دفنت نفايات أخرى في 2-4-1988 بشكل عشوائي في جبل لبنان والساحل اللبناني ، لكن ورغم طي الدعوى التي رفعها المحامي العام لمحكمة استئناف بيروت على شركتي (إيكو ليف وواكس ) الإيطاليين إلا أن إعادة فتح الملف من قبل رئيس الوزراء اللبناني الأسبق سليم الحص مع الحكومة الإيطالية كان السبب في استرجاع المواد من قبلها وإعادة تأهيل المناطق التي تم الدفن فيها في لبنان لكن سفينة واحدة وصلت إلى ميناء لاسينزيا في إيطاليا فيما دخلت سفينة أخرى وتدعى (جون رامو ) المياه الاقليمية السورية،  وأفرغت قسم من الحمولة في المياه الاقليمية ، والقسم الأخر في ميناء طرطوس ، علماً لم يكن هناك أي دراسة لتأهيل تلك الأماكن أو حمايتها كما يجب ومازالت الجهات المعنية بثبات عميق .
بدراسة جيولوجية صغيرة يمكن أن نكتشف فيما إذا  هذه النفايات  قد تكون تسربت للمياه الجوفية أو السطحية ، وساعدت  السيول وحالة التعري الدائمة والحركة الجيولوجية للأرض والمياه إلى انتقال هذه النفايات إلى مكان آخر، وربما تغذي هذه المياه السدود التي تروي القرى المحيطة ، بالإضافة إلى الحيوانات التي تأكل من الأعشاب السطحية الملوثة،  ومن ثم يشرب الإنسان من حليبها ويأكل من لحمها وينتقل إليه التلوث ، وهذا ما يفسر كثرة أمراض السرطان في الأماكن الأكثر قربا من مكاني الدفن ، ولليوم نتساءل هل الدولة قامت بمسح كامل وشامل لتلك المناطق سؤال بقيد المعنيين .
رغم كل هذه الإحصاءات وارتفاع نسبة المصابين بالسرطان والضجة الإعلامية التي أثارها مجلس الشعب السوري بعد انشقاق عبد الحليم خدام،  إلا أن أحداً لم يحرك ساكناً تجاه تحليل التربة وإعادة تأهيل أماكن الدفن ، محذراً من أننا مقبلون على كارثة حقيقية على المستويين البيئي والصحي ، وما زال القيمون على الأمر في سبات شتوي ـ صيفي مخيف .
تدمر اليوم اختلطت هياكل حضارتها بنفايات الغرب وباتت تدمر وملكتها زنوبيا عروس الصحراء أرملة يتزاحم عليها فاسدون من كل الأطراف منهم تحت رايات دينية ومنهم طمعاً بالمال غير مكترثين بما سيؤول لها وسيبكونها آلهة الشمس ونتدبها حتى عشتار.
يشار إلى أن أبناء عبد الحليم خدام كانوا نفوا في بيان لهم في الشهر الأول من العام 2006 تورطهم بهذه القضية ،( وقالوا إن المدعو محمد طبالو(وكيل بحري) اتفق مع ضابط في شعبة المخابرات العسكرية لدفن علب دهانات فيها مواد مشعة  منتهية مدة استخدامها في البادية السورية بعد أن وصلت عبر مرفأ طرطوس ) ،علماً أن النفايات لا تزال مدفونة في صحراء تدمر ووكدا أبناء خدام  (السلطات أجبرت محمد طبالو على إعادة البضائع النووية إلى باخرته ليعيدها إلى مصدرها،  وبحسب البيان فإن الشركة الإيطالية التي زودته بها وافقت على استعادتها بعد أن هددها طبالو برميها في البحر أمام مرفأ نابولي) .
المعلومات المبينه أعلاه مذكورة بالاعلام وبمواقع مختصه بتلوث البيئة ، وليست سراً على أحد ، وهي نتاج صحفيين مختصين بالميدان ، ووثائق التحقيقات موجودة لدى الدوائر الرسمية لكلا الدولتين وليست ناتج بنات أفكار أحد،  بل هي نتاج  حقائق موثقة من الألف الى الياء ،  ولكن ضرورة العودة لها اليوم هي للفت انتباه القائمين على إدارة الدول الى خطورة بعض المواد وأخذ الحذر بكيفية التعامل معها ليس فقط على البشر بل على البيئة ولسنوات طويلة .

النفايات بالسودان 
تشير التحقيقات إلى دفن ايران نفايات نووية في مناطق ريفية بالقرب من أم درمان بالسودان ، حيث يتبين أن السيدة  وداد بابكر حرم الرئيس السابق عمر البشير تمتلك 50% من الأراضي الزراعية بتلك المنطقة،  وتم اكتشاف مقابر للنفايات النووية والطبية ، حيث دفنت بسرية تامة ، ولكن تم كشفها وأنها آتية من ايران ، لليوم تتهاون الحكومة مع هذا الموضوع ،وكلنا يعلم أنه سيسبب باصابات سرطانية وتشويه أجنة وإجهاضات مستمرة للنساء ، وبالوقت ذاته ستقضي على الحيوانات والنباتات،  ومازالت حرم الرئيس قيد الاعتقال ولكن ما الفائدة الضرر وقع ولا حراك لتفادي الأضرار القادمة .
أما إذا تحدثنا عن خطورة الصناعاعات الكيمائية بالشكل العام كما بينت بالبداية  كالمبيدات الحشرية للزراعات المتنوعة وتأثيرها على البيئة والحياة لبعض الحشرات الطائرة كالنحل وغيره والاضرار التي تخلفها ليست أقل خطورة للانسان  على المدى الطويل ، ناهيك عن تلوث مياه الانهار والمياه الجوفية التي تتحدث يومياً عنها منظمات حماية البيئة ، وبشكل خاص الصراع القائم اليوم بالاتحاد الأوربي حول إحدى مواد المبيادات ومنع استعمالها حيث ثبت وبالشكل الصريح أضرارها   وأعطت الشركات مهلة لإيجاد البديل .
لا يمكن أن نهمل السلاح الكيماوي بشتى أنواعه  الى الجرثومي ومستودعاته الموزعة بأنحاء مختلفة بالدول ، البعض منها تحت رقابة شديدة ، والبعض لا يعلم حتى مخزنيها ما هي تلك المواد لسرية الموضوع،  ولا يمكن أن نهمل الناحية الأمنية بامتياز ، حيث يمكن تهريب البعض منها الى جهات غير مخولة باستعمالها إن كان عن طريق مفهوم الفساد أو عن طريق الاستعمال تحت شعار الوطنية وكلاهما يودي الى كارثة لا تقدر أحجامها ، ولكي تتوضح الفكرة عن السلاح الكيماوي لدى النظام السوري،  فكلنا يذكر  على أساس تم تدميره ، وكيف ثبت للعالم استعماله مرة ثانية  بعد التدمير بعدة مناطق بسوريا ، مما يشير وبشكل صريح أنه هناك مخازين لم تصل اليها اللجان الدولية ، أو بأبسط الأحول استطاع النظام تصنيع كميات جديدة عبر تهريب موادها الاولية بالتعاون مع مافيات مختصه بذلك ، وأعتقد لا يخفي على أحد مدى فتك هذا السلاح أو الغازات السامه التي تملكها بعض الدول،  والكل يعلم أن طرق تصنيعها أصبحت بسيطه ومعروفة من قبل طالب بالمعهد للكيماء، وكيف استعملت بالعراق ضد الأكراد والنتائج التي لليوم يعانون  منها ،وكيف استعملها  أيضاً الجيش الأمريكي بحربه ضد صدام علماً هي أسلحة محرمة دولياً وكم تحدث الأعلام عن الموضوع ونقل معاناة  الجنود الأمريكيين العائدين من ساحة المعركة والأثار التي ظهرت على أغلبهم من عقم وغيره .
اليوم نحتاج الى وعي فكري كامل لهذا الموضوع ، ونشر مخاطره ليس فقط بوضع منظومة أمنية لتداوله، بل التشديد والاقرار الدولي بمنعه نهائياً ،واصدار عقوبات صارمة بحق الدولة التي تصنعه أو تساهم بتصنيعه إن كان عبر خبراتها بذلك أو تصديرها للمواد الأولية التي تدخل بتلك الصناعات ، ويمكننا أن نستنتج بآخر المطاف أن كارثة ميناء بيروت ماهي إلا جرس إنذار للمجتمع الدولي على أنه يوجد بأنحاء العالم مخازين ومستودعات تحتوي على مواد عالية الخطورة ، ويتوجب التعامل معها بكل وجدان وإنسانية،  بعيدين كل البعد عن المصالح الشخصية، حيث ثبت لنا أن أغلبها ناتج عن فساد للقائمين على بعض الدول والنفوس الضعيفة بالدول الأخرى ساعية وراء الكسب السريع غير مبالية أين تذهب تلك المواد أللهم المكسب السريع لا أكثر .

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى