“باراك” القادم إلى بيروت في تموز.. أيّ مستقبل لحزب الله؟

عبد الرحمن خوندي

مع زيارة توماس باراك إلى لبنان في 19 حزيران/يونيو، التي تزامنت مع الحرب الإسرائيلية-الإيرانية، يعود التساؤل المحوري حول مستقبل حزب الله وسلاحه، ومدى فعالية الحزب – وأذرع وحلفاء طهران عمومًا – ضمن السياق الإقليمي الجديد، خصوصًا مع تراجع النفوذ الإيراني في المنطقة، مع بعض المحاولات للعب أدوار مراوغة في سوريا ولبنان والعراق.

فحزب الله الخارج من حرب إسرائيلية مدمّرة على لبنان، قد أُطيح بالعديد من قياداته التاريخية المؤسسة وقيادات الصفوف الأولى، بالإضافة إلى الخسائر اللاحقة به على المستويات الإدارية والبشرية في عمليتي “البيجر” و”اللاسلكي”، وقيادات الوحدات العسكرية المختلفة مثل قائد وحدة الرضوان إبراهيم عقيل، والقيادي في الرضوان أحمد وهبي، وقائد وحدة نصر طالب عبد الله، وقائد وحدة عزيز محمد ناصر، وقائد منظومة الصواريخ والقذائف إبراهيم قبيسي، وغيرهم من القيادات العسكرية وقادة الفرق داخل الجسم العسكري.

بالإضافة إلى هذه الخسارات القاسمة، فإن حزب الله قد مُني بهزيمة إقليمية على مستوى نفوذه في سوريا بعد سقوط نظام الأسد، وبالتالي فإن ما أطلق عليه الملك الأردني عبد الله الثاني “الهلال الشيعي”، قد كُسر في أحد أهم روابطه من إيران إلى لبنان مرورًا بالعراق.

لا يزال حزب الله يملك قدرة عسكرية رغم ضعفها ومحاصرتها، ولا يزال يراوغ في مسألة تسليم سلاحه للدولة اللبنانية، رغم الضغط الأميركي ضمن التصادم الحاصل حول أسبقية تسليم السلاح على الانسحاب الإسرائيلي.

إذ إن إيران، منذ حكم الشاه وقبل الثورة الإسلامية، كانت قد رسمت استراتيجية تتضمن ربط مكونات شيعية بها في المنطقة، بشكل يضمن لها نوعًا من “الدفاع المتقدّم” والنفوذ المرتبط بالولاء الشيعي لها. فدعمَ الشاه ذهاب الإمام موسى الصدر إلى لبنان عام 1956، بالإضافة إلى الدعم الذي تلقاه الصدر من المرجعين الشيعيين حسين البروجردي في قم ومحسن الحكيم في النجف، واستثمر الشاه في مسألة دعم الطائفة الشيعية المهمشة في لبنان آنذاك، لكن هذا الاستثمار والدعم تراجع إلى حدّ بعيد لأسباب عدة لاحقًا.

إلى أن سقط نظام الشاه، وتسلم الخميني ورفاقه زمام الحكم، وعزموا على تمدد النفوذ أيضًا ضمن إطار “تصدير الثورة”. وأتى هذا مع صعود نجم حزب الله، الذي ارتبط بالثورة الإسلامية في إيران عقائديًا، والذي أحكم هيمنته واحتكاره المقاومة في لبنان بعد بداية التوافق السوري-الإيراني مع تسلم الخامنئي الحكم بعد وفاة الخميني، إلى التمدد لاحقًا نحو العراق عبر ميليشيات شيعية ضمن مظلة ديمقراطية أميركية، وصولًا إلى التمدد الفعلي المباشر وعبر ميليشيات شيعية في سوريا، مساندة لنظام الأسد المخلوع، ومعها دعم الحوثي في اليمن، وخلق الانقسام في حركة حماس بين تيار يرى ضرورة تعزيز العلاقات مع إيران وحلفائها في المنطقة، وتيار آخر بقيادة خالد مشعل الذي أغلق مكاتب الحركة في سوريا بعد الثورة.

وعليه، مع سقوط نظام الأسد، ومع العدوان الإسرائيلي على لبنان، والهزيمة التي مُني بها حزب الله بضربات ثقيلة على عدة مستويات، والتي يصعب ترميمها لعدم وجود ظهر لحزب الله في سوريا كما كان الحال بعد حرب 2006، فإن هذا “الدفاع المتقدّم” عبر الأذرع قد تراجع إلى حدّ كبير، وحُيِّد الرأس الأقوى فيه وهو حزب الله، مما أدى إلى الاستهداف الإسرائيلي-الأميركي المباشر لطهران من دون أذرع، بعد تفكك هذه الاستراتيجية التي تحفظ أمنها القومي إلى حد بعيد.

لكن، رغم كل ما حصل، لا يزال حزب الله يملك قدرة عسكرية رغم ضعفها ومحاصرتها، ولا يزال يراوغ في مسألة تسليم سلاحه للدولة اللبنانية، رغم الضغط الأميركي ضمن التصادم الحاصل حول أسبقية تسليم السلاح على الانسحاب الإسرائيلي. حيث تمثلت هذه المراوغة مؤخرًا بالمشادّات الكلامية والتوتر في العلاقة بين الحزب ورئيس الحكومة نواف سلام، والمماطلة في ملف تسليم السلاح، واصطناع التدرج فيه من حيث الحديث عن تسليم سلاح المخيمات الفلسطينية بدايةً، بالإضافة إلى تصعيد الموقف أميركيًا من خلال إقالة المبعوثة الأميركية إلى لبنان مورغان أورتاغوس، وقضية التمديد لليونيفيل.

في هذا السياق، ظهرت التسريبات عبر وسائل إعلامية نقلًا عن “مصادر في حزب الله” و”مصادر في الحرس الثوري” تفيد بإمكانية تدخل حزب الله في الحرب الإسرائيلية الإيرانية، ولعب دور إسنادي فيها، وتحديدًا في حالة التدخل الأميركي.

يعتمد الحزب في عموم سرديته على شرعية المقاومة في ظل احتلال المزارع، التي يشدد على لبنانيتها في ظل ضبابية رأي نظام الأسد سابقًا حيالها.

وهو ما تزامن مع زيارة المبعوث الأميركي توماس باراك إلى لبنان، حيث وجّه تحذيرات مباشرة إلى أطراف لبنانية حول تدخل حزب الله، بالإضافة إلى تطمينات قدمتها الرئاسات اللبنانية الثلاث بشأن عدم تدخل الحزب. وكان لافتًا إصدار حزب الله بيانًا يدعو فيه إلى عدم الاستناد إلى “مصادر مقربة من حزب الله” إعلاميًا، في سياق تصاعد الحديث عن انقسامات داخل حزب الله، ووجود تيارات مختلفة وتباينات حول مستقبل الحزب وأدواره.

وجاءت زيارة باراك بطابع عملي في التعامل مع سلاح حزب الله، على عكس زيارات المبعوثة السابقة أورتاغوس التي خلّفت مشادات عدة مع مسؤولين لبنانيين، واستفزازات طالت رئاسة الجمهورية، مع ارتدائها خاتمًا يحمل نجمة داود خلال اللقاء مع الرئيس جوزاف عون، إلا أن باراك أتى حاملًا ورقة أميركية تتضمن آلية سحب السلاح، واقتراح مبادرة “خطوة بخطوة” لذلك، بحيث يقابل التقدّم المرحلي في ملف السلاح بانسحاب إسرائيلي تدريجي.

وكان لافتًا تصريح الزعيم الدرزي وليد جنبلاط المتكرر حول سورية مزارع شبعا المحتلة والمختلف على هويتها، وإعلانه تسليم سلاح الحزب التقدمي الاشتراكي في مؤتمر صحفي، إذ أتت هذه الخطوة بعد لقائه مع باراك، والحديث عن تمدد شيخ العقل الدرزي موفق طريف تنظيميًا إلى داخل البيت الدرزي اللبناني، وهو ما يهدد زعامة جنبلاط الذي أخذ موقفًا حاسمًا ضد مواقف الهجري في سوريا. وفي هذا السياق، زودت فرنسا الخارجية اللبنانية بخرائط تعود لفترة الاحتلال الفرنسي، للمساعدة في ملف ترسيم الحدود البرية بعد لقاء الرئيس الفرنسي ماكرون بنظيره اللبناني، وانضمام الرئيس السوري لهما عن بعد.

يأتي هذا مع توجّه لتطويق حزب الله حدوديًا إلى جانب حلّ مسألة سلاحه، إذ يعتمد الحزب في عموم سرديته على شرعية المقاومة في ظل احتلال المزارع، التي يشدد على لبنانيتها في ظل ضبابية رأي نظام الأسد سابقًا حيالها، مع اعتبار إسرائيل أنّ المزارع سورية الهوية من جملة الأراضي السورية التي احتلتها وضمتها عام 1981، إلى أن يثبت الجانب السوري واللبناني لبنانيتها.

ختامًا، يحاول حزب الله، في ظل كل هذا، المراوغة واللعب ضمن بقايا المساحات المتاحة أمامه. وآخر هذه المراوغات تأتي مع محاولة اصطناع دور جديد له باعتباره مواجهًا للمدّ السوري، والحامي الوحيد لطائفته بعد أحداث الساحل، وأنّ أي تسليم للسلاح قد يترك الطائفة الشيعية بلا ظهير، مما يفتح احتمالات مشابهة لحدوث مثل تلك المجازر، بالإضافة إلى التهويل من دور سوري قادم في لبنان. ويأتي هذا في ظل إعادة إنتاج خطاب “دعشنة” طرابلس، بعد إلقاء القبض مؤخرًا على متورط بعملية قتل في طرابلس رمضان الفائت، وتحويل القضية إلى وجود مجموعات وخلايا لداعش في المنطقة.

وعلى الرغم من هذا، فإن توماس باراك، القادم في الأسبوع الأول من تموز/يوليو القادم، ينتظر جوابًا حول ورقته المقدّمة، في ظل تحذيرات ورسائل تدعو إلى عدم المماطلة، وضربات إسرائيلية كبيرة نهاية الأسبوع الفائت.

المصدر: تلفزيون سوريا

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى