بين الرمزية الدينية والرسائل السياسية.. ما وراء تفجير كنيسة مار إلياس بدمشق

نوار شعبان

شهدت سوريا مؤخرًا حادثًا إرهابيًا مروّعًا استهدف كنيسة مار إلياس للروم الأرثوذكس في حي الدويلعة بالعاصمة دمشق، حيث أودى تفجير انتحاري بحياة العشرات من الأبرياء وأصاب عددًا كبيرًا من المصلين. يأتي هذا الهجوم في وقت حساس تمرّ فيه البلاد بمرحلة انتقالية واستقرار نسبي بعد سنوات الحرب، مما يجعله تحذيرًا وطنيًا خطيرًا من محاولات جديدة لزعزعة الأمن وضرب التعايش الأهلي. وعلى الرغم من أن الاستهداف وقع في دار عبادة مسيحية، إلا أن رسالته التخريبية موجّهة إلى السوريين جميعًا دون استثناء، في محاولة خبيثة لتمزيق النسيج الوطني المتعدد الأديان والطوائف

أسفر الهجوم الانتحاري عن سقوط نحو 25 شهيدًا وما يزيد على 60 جريحًا وفق ما أعلنته وزارة الصحة السورية. وقد أفادت مصادر محلية بأن بين الضحايا نساءً وأطفالًا كانوا يشاركون في القدّاس، مما ضاعف من حجم المأساة في نفوس السوريين جميعًا.

وروى شهود عيان مشاهد مأسوية؛ فقد قال أحد الناجين إنه رأى أشلاء ومصابين يصرخون طلبًا للمساعدة، في حين عجزت الكلمات عن وصف هول المنظر داخل دار العبادة التي تحولت في لحظات إلى ساحة دامية.

سارع عناصر الدفاع المدني وفرق الإسعاف إلى موقع التفجير فور وقوعه. هرعت سيارات الإسعاف إلى نقل الجرحى إلى المستشفيات القريبة، في حين ضربت قوات الأمن طوقًا حول منطقة الكنيسة تحسبًا لأي طارئ أو وجود متفجرات أخرى. وعاش أهالي الحي لحظات عصيبة، إذ اختلطت أصوات صفارات الإنذار وبكاء الناجين بصور ذهول من فقدوا أحباءهم في ثوان معدودة. وقد أدّى سكان المنطقة دورًا إنسانيًا نبيلًا؛ حيث سارع متطوعون من مختلف الطوائف للتبرع بالدم للمصابين والمساعدة في جهود الإغاثة، في مشهد يعكس روح التضامن الشعبي رغم الفاجعة.

على الصعيد الرسمي، وصفت الجهات الأمنية التفجير فورًا بأنه “عمل إرهابي انتحاري جبان”. ولم تعلن أي جهة مسؤوليتها مباشرة بعد الهجوم، لكن وزارة الداخلية السورية كشفت في مؤتمر صحفي عاجل أن المؤشرات الأولية للتحقيق ترجّح تورّط تنظيم داعش الإرهابي في التخطيط والتنفيذ. ووفق رواية الوزارة وشهادات بعض الحاضرين، فإن المهاجم دخل الكنيسة كان ملثم الوجه، وبدأ بإطلاق النار على المصلين قبل أن يفجّر نفسه بحزام ناسف. كما تحدث بعض الشهود عن احتمال وجود مساعدين آخرين للإرهابي تمكنوا من الفرار، حيث ذكر شاهد أنه رأى شخصين آخرين برفقة الانتحاري خارج الكنيسة قبيل الهجوم. هذه التفاصيل إن صحّت تشير إلى هجوم مخطط له بعناية وليس مجرد فعل فردي معزول.

تجدر الإشارة إلى أن هذا أول تفجير إرهابي انتحاري تشهده دمشق منذ سنوات، خاصة بعد انتهاء المعارك الكبرى واستقرار الأوضاع نسبيًا إثر التغيير السياسي الأخير في البلاد. فقد عاشت العاصمة خلال الفترة الماضية حالة من الهدوء الأمني النسبي، مما جعل وقع التفجير أشد صدمةً وقلقًا لدى المواطنين. لقد استهدف الإرهابيون هذه الكنيسة في وضح النهار وأثناء قدّاس مزدحم، في دلالة رمزية خطيرة على نواياهم في ضرب حالة السلم الأهلي وإيصال رسالة دموية بأن يد الإرهاب ما تزال قادرة على الوصول إلى الأماكن الآمنة والمقدسة. هذا السياق يضع الحدث في إطار تحدٍ أمني كبير تواجهه السلطات السورية في المرحلة الراهنة، ويطرح تساؤلات ملحّة حول كيفية اختراق الإجراءات الأمنية في قلب العاصمة بهذا الشكل، وحول هوية الجناة الحقيقية ودوافعهم.

من المستفيد من هذا الهجوم؟

أثار هذا التفجير تساؤلات واسعة لدى الرأي العام حول الجهات التي يمكن أن تقف وراء مثل هذا العمل الإجرامي، فالهجوم لم يكن مجرد جريمة كراهية عشوائية، بل يبدو جزءًا من مخطط لزعزعة الاستقرار وضرب الوحدة الوطنية في سوريا. وفيما يلي تحليل لأبرز الأطراف التي قد تكون مستفيدة من ارتكاب أو تبنّي مثل هذا الهجوم الإرهابي، يقابله استعراض لمن هم الخاسرون والمتضررون منه بشكل مباشر أو غير مباشر:

  • تنظيم داعش وخلاياه النائمة: يُعد تنظيم داعش المرشح الأول للاتهام في مثل هذه العمليات نظرًا لتاريخه الدموي في استهداف دور العبادة وقتل الأبرياء بهدف إثارة الفتنة الطائفية. فالتنظيم الذي خسر سيطرته الإقليمية على الأرض بعد حملات عسكرية مكثفة، يحاول إعادة إثبات وجوده عبر أعمال إرهابية نوعية تضرب أماكن غير متوقعة. إن استهداف كنيسة في قلب دمشق يتماشى مع نهج داعش الإجرامي في استهداف الأقليات الدينية لإحداث صدمة إعلامية وكسب دعاية سوداء، إضافة إلى محاولة جرّ البلاد إلى نزاع طائفي يتيح له أرضية لنشر فكره المتطرف مجددًا. التنظيم يستفيد مباشرة من زعزعة الأمن في مرحلة انتقالية حساسة تمرّ بها سوريا: فهو يوجّه رسالة بأن “الحرب لم تنته بعد” وأن بمقدوره الوصول حتى إلى العاصمة المحصنة نسبيًا. كما أن نجاحه (إن ثبت تورطه) في تنفيذ هذه العملية يشكّل دفعة معنوية لعناصره وخلاياه النائمة، ويجنّد عبرها متعاطفين جدداً مستغلًا حالة الاستقطاب والخوف. ومن زاوية أخرى، قد يهدف داعش إلى ضرب الثقة بين المكونات الدينية في سوريا؛ فإذا شعر المسيحيون مثلًا أنهم باتوا هدفًا دون حماية كافية، قد يتولّد احتقان أو شعور بالتهميش، مما يسهل على التنظيم ترويج خطاب “حماة السنة” زورًا والتحريض ضد المكوّنات الأخرى. باختصار، إن عودة التفجيرات إلى دمشق هو مكسب دعائي وأمني لداعش يسعى من خلاله إلى تقويض جهود الاستقرار، وإحياء دوامة العنف التي يقتات عليها وجوده.
  • فلول نظام الأسد البائد: إلى جانب داعش، لا يمكن إغفال احتمال تورّط عناصر من النظام السابق أو المنتفعين منه في هذا الهجوم. فبعد سقوط نظام الأسد وتولي حكومة انتقالية السلطة، وجد العديد من القيادات والمجموعات الموالية للنظام المخلوع نفسها خارج دائرة النفوذ. بعض هؤلاء قد يلجأ إلى أسلوب انتقامي وتخريبي لهزّ ثقة المواطنين بالوضع الجديد وإرباك الحكومة القائمة. إن فلول النظام السابق يمتلكون خبرة أمنية طويلة وإلمامًا بتفاصيل الثغرات الأمنية في البلاد، وربما احتفظوا بشبكات ولاء قادرة على تنفيذ عمليات نوعية أو تسهيل تسلل إرهابيين إلى مناطق آمنة. مصلحتهم من هكذا تفجير تكمن في إيصال رسالة مبطنة مفادها أن “الأمن كان مصونًا في عهدنا وهو الآن ينهار”، على أمل أن يُشعل ذلك حنينًا أو شكًّا لدى البعض في جدوى التغيير الحاصل. كما قد يسعى موالون متشددون إلى تقويض جهود المصالحة الوطنية عبر ارتكاب فظائع تُعقّد إعادة اللحمة بين السوريين وتستفز بعض المكونات ضد الأخرى. ومن المحتمل أن بعض فلول الأجهزة الأمنية السابقة ممن لم ينضموا إلى مسار الدولة الجديد يضمرون العداء للسلطة الانتقالية ويسعون لإفشالها عبر خلق الفوضى. إن مثل هذه العمليات الإرهابية توفّر لهم فرصة لتصفية الحسابات وإثبات الوجود، حتى لو كان الثمن أرواح الأبرياء واستقرار الوطن برمته. ولا يُستبعد نظريًا حصول تنسيق في المصالح بين خلايا داعش وهؤلاء الفلول؛ فكلاهما يلتقي في الرغبة بزعزعة الحكم الجديد، رغم الاختلاف الإيديولوجي بينهما. بهذا المعنى، تتقاطع أهداف التطرف الداعشي مع أهداف الثورة المضادة إن صح التعبير، في إغراق سوريا مجددًا في دوامة العنف وعدم الاستقرار.
  • إيران وجهات خارجية متدخلة: على الصعيد الإقليمي، برز اسم إيران كطرف يُحتمل استفادته من زعزعة الاستقرار السوري الحالي. فمن المعروف أن إيران كانت حليفًا وثيقًا للنظام السوري السابق وقد فقدت الكثير من نفوذها ومصالحها في سوريا بعد سقوط ذلك النظام عام 2024. إن استتباب الأمن في سوريا تحت حكومة انتقالية جديدة قد لا يصب تمامًا في مصلحة طهران، خاصة إذا كانت تلك الحكومة أقرب في توجهاتها إلى المعسكر العربي والدولي الذي يعارض النفوذ الإيراني. من هذا المنطلق، قد تسعى إيران, مباشرة أو عبر وكلاء لها على الأرض إلى إرباك المشهد السوري وإحراج الحكومة الجديدة من خلال أعمال تخريبية كالذي شهدناه. تفجير كنيسة مسيحية قد يخدم استراتيجية إشاعة الفوضى وإرسال رسائل متعددة: فمن جهة تريد إيران الظهور بمظهر “حامي الأقليات” في الشرق الأوسط فتلمّح (ضمنًا أو عبر إعلامها) إلى أن رحيل حليفها السابق جعل المسيحيين وغيرهم عرضة للإرهاب والقتل، ومن جهة أخرى توجه ضربة موجعة للحكومة السورية الجديدة عبر إظهارها بمظهر العاجز عن حماية شعبه وأماكنه المقدسة. وبالطبع، يصعب الجزم بمدى ضلوع طهران مباشرة في هكذا عملية دون أدلة دامغة، إلا أن التاريخ القريب للصراع في سوريا علّمنا أن ساحة الحرب كانت ملتقى لصراع إرادات إقليمية ودولية، استخدمت فيه بعض القوى سياسة التفجيرات والاغتيالات لخلط الأوراق. كما أن وجود ميليشيات مسلحة مدعومة من إيران في بعض المناطق السورية يمكن أن يشكّل عامل اضطراب إذا قررت تلك الميليشيات التحرك خارج سلطة الدولة سعياً لتخريب الوضع الداخلي. وعليه، تبقى فرضية تورط جهات ترتبط بإيران واردة ضمن سياق محاولة بعض القوى الإقليمية إبقاء سوريا ضعيفة ومنقسمة كي لا تخرج تمامًا من دائرة النفوذ القديمة.
  • جهات محلية مخربة أخرى: إلى جانب التنظيمات التكفيرية وفلول النظام السابق والجهات الخارجية، هناك عناصر محلية أخرى مستفيدة من الفوضى قد تكون ضالعة أو مشجعة لمثل هذه الأعمال. يشمل ذلك أمراء الحرب وتجار السوق السوداء والمجرمين المنظمين الذين ازدهرت مصالحهم في غياب القانون خلال سنوات النزاع. هؤلاء يرون في عودة الاستقرار والنظام تهديدًا لنفوذهم غير الشرعي، وبالتالي قد يسعون إلى إطالة أمد الفلتان الأمني عبر أي فرصة سانحة. التفجير الإرهابي في كنيسة بالعاصمة قد يوفر لهؤلاء بيئة من الخوف والانقسام تمكنهم من الاستمرار في أنشطتهم التخريبية بعيدًا عن الأنظار. كذلك قد توجد مجموعات دينية متطرفة محلية غير مرتبطة رسميًا بداعش أو القاعدة، لكنها تحمل الفكر التكفيري نفسه وتستهدف المكونات المخالفة لها. هذه المجموعات الصغيرة قد تعمل بشكل مستقل أو بالتنسيق مع جهات أكبر لتحقيق غاياتها الظلامية. في المحصلة، كل من يتغذى على الفتنة والفوضى داخل المجتمع السوري هو مستفيد محتمل من هكذا جريمة، لأن انفلات الأمن وارتفاع منسوب التوتر الطائفي يسمح له بتوسيع نفوذه وتحقيق مصالحه الضيقة على حساب مصلحة الوطن.

توصيات أمنية لمنع تكرار مثل هذه الحوادث

أمام خطورة هذا الهجوم ودلالاته، يصبح من الضروري اتخاذ إجراءات أمنية واستراتيجية عاجلة للحيلولة دون وقوع حوادث مماثلة في المستقبل. وفيما يلي مجموعة من التوصيات الفعّالة التي يمكن للجهات المختصة اعتمادها لتعزيز الأمن وحماية المواطنين ودور العبادة في عموم البلاد:

  • تعزيز حماية دور العبادة والأماكن الحيوية: يجب رفع مستوى التأمين على الكنائس والمساجد وغيرها من أماكن التجمع، خاصة أثناء الصلوات والاحتفالات الدينية. يتضمن ذلك وضع نقاط تفتيش وحراسة مشددة على مداخل دور العبادة، واستخدام أجهزة الكشف عن المعادن والمتفجرات عند الضرورة، وتنظيم فرق حراسة شعبية مدربة من أبناء المنطقة بالتنسيق مع الشرطة لحماية التجمعات من أي تهديد محتمل.
  • تكثيف الجهود الاستخباراتية والاستباقية: من المهم أن تبذل الأجهزة الأمنية جهودًا مضاعفة في رصد الخلايا الإرهابية النائمة وتتبع تحركاتها قبل أن تشرع في التنفيذ. ويتطلب ذلك تعزيز عمل الاستخبارات البشرية والتقنية، ومراقبة مصادر تمويل وتسليح الجماعات المتطرفة، واختراق شبكاتها المحتملة للحصول على معلومات استباقية. كما ينبغي التعاون مع أجهزة استخبارات الدول الصديقة وتبادل المعلومات حول تسلل الإرهابيين أو المخططات المكتشفة في الإقليم.
  • مراقبة الحدود ومنع تسلّل الإرهابيين والأسلحة: نظرًا لأن الجماعات المتطرفة تعتمد أحيانًا على الدعم الخارجي والتسلل عبر الحدود، فإن إحكام السيطرة على الحدود والمعابر غير الشرعية ضرورة قصوى. يجب تعزيز قوات حرس الحدود وتزويدها بالتقنيات الحديثة للرصد، لمنع تسلل إرهابيين أو تهريب متفجرات وأسلحة قد تُستخدم في عمليات تخريبية داخل البلاد.
  • تطوير التنسيق بين الأجهزة الأمنية والعسكرية: لا بد من توحيد غرفة العمليات الأمنية بين مختلف الأجهزة (الشرطة، والأمن الداخلي، والاستخبارات، والجيش) لضمان سرعة الاستجابة وفاعلية تبادل المعلومات. المرحلة الجديدة تتطلب إزالة أي حواجز إدارية أو تنافس بين هذه الجهات، وتشكيل خلية أزمة دائمة تجتمع بانتظام لتقييم التهديدات ومتابعة تنفيذ الخطط الأمنية الوقائية في جميع المناطق، خاصة تلك التي كانت بؤرًا ساخنة سابقًا أو يحتمل استهدافها.
  • إشراك المواطنين في منظومة الإنذار المبكر: يلعب المواطنون دورًا جوهريًا في حفظ الأمن؛ لذا يتوجب على السلطات إطلاق حملات توعية تشجع الناس على التبليغ الفوري عن أي تحركات مريبة أو أشخاص مشبوهين في أحيائهم. إن إنشاء قنوات تواصل آمنة وسريعة بين المجتمع والأجهزة الأمنية (كخطوط ساخنة أو تطبيقات هاتفية) من شأنه تعزيز قدرة الأمن على الاستجابة قبل وقوع الحادث. لقد أثبتت التجارب أن يقظة الأهالي وتعاونهم هي خط الدفاع الأول ضد الإرهاب.
  • تعزيز الوحدة الوطنية ونبذ الفتنة: قد تكون هذه توصية معنوية أكثر منها تقنية، لكنها الأهم والأجدى على المدى الطويل. يجب على جميع القوى السياسية والمرجعيات الدينية والاجتماعية أن ترفع صوتًا واحدًا في رفض الفتنة والكراهية، وأن تؤكد أن المستهدف هو السوريون جميعًا وليس طائفة بعينها. إن مشاهد التكافل بين المسلمين والمسيحيين إثر الهجوم (من تبرع بالدم إلى إدانة مشتركة في بيانات رجال الدين) يجب البناء عليها وتعزيزها. فوحدة الصف الداخلي وترسيخ ثقافة أن “الإرهاب عدو الجميع” سيجعلان من الصعب على المتطرفين تحقيق مآربهم، بل سيشكلان حصانة مجتمعية تتداعى أمامها مؤامرات التفريق والتخريب.

بتطبيق هذه التوصيات بشكل شامل وعاجل، ستكون سوريا أقدر على قطع الطريق أمام الإرهابيين والمتآمرين، وتصعيب مهمة تكرار مثل هذه الهجمات مستقبلاً. إنها معركة أمنية وفكرية واجتماعية في آن واحد، تتطلب تكاتف الجميع دولةً وشعبًا لعبورها بسلام.

خاتمة

لا شك أن تفجير كنيسة مار إلياس في الدويلعة مثّل ناقوس خطرٍ دوّى في ضمير الوطن السوري بأسره. فهذا الاعتداء الآثم لم يستهدف كنيسةً بعينها أو طائفةً محددة فحسب، بل حاول إصابة قلب سوريا النابض بالتنوع والوحدة. لقد أراد الإرهابيون ومن يقف وراءهم إيصال رسالة سوداء مفادها أن سوريا لن تنعم بالأمان، وأن التفرقة والفتنة قادمتان لا محالة؛ ولكن ردّ الشعب السوري جاء أقوى وأبلغ. ففي مواجهة الدم والدمار، توحدت أصوات المسلمين والمسيحيين وباقي مكونات المجتمع تندد بالجريمة وتقف صفًا واحدًا معزيةً ومواسيةً ومتضامنة. إن هذا التلاحم الوطني هو بالذات ما يخشاه أعداء سوريا في الداخل والخارج، وهو السلاح الأمضى لإفشال مخططاتهم.

سيحاول الإرهاب مرارًا اختبار صلابة مجتمعنا، وقد تتكرر المحاولات التخريبية بأقنعة وشعارات مختلفة، لكن دروس هذه المحنة واضحة: وحدتنا هي حصننا الحصين. وعليه، تقع مسؤولية كبيرة على عاتق القيادات والجهات الرسمية في ترجمة هذه الوحدة إلى خطط عمل تحمي جميع أبناء الوطن وتضمن عدم تكرار مثل هذه المآسي. كذلك يُطلب من المواطنين المزيد من اليقظة والتمسك بنهج العيش المشترك ونبذ أي دعوات مشبوهة للتعصب أو الانتقام، فهذه بالذات هي الفخ الذي يريد الإرهابيون جرّنا إليه.

في الختام، ورغم فداحة الثمن الذي دفع في تفجير كنيسة مار إلياس، يبقى الأمل معقودًا على قدرة سوريا وشعبها على النهوض مجددًا أكثر قوةً ومنعة. إن الدماء الزكية التي سالت في بيت من بيوت الله ستصبح بذارًا لوحدة وطنية أمتن، وسيذكر التاريخ أن السوريين وقت الشدائد كانوا جسدًا واحدًا لم تنل منه سهام الفتنة. تلك هي الرسالة الأقوى التي نوجّهها اليوم للعالم وللمتربصين: سوريا واحدة موحدة، بكل أطيافها، ترفض الإرهاب وتصمد أمام محاولات التخريب، وتمضي بثبات نحو مستقبل آمن ومستقر يسوده التضامن والسلام

المصدر: تلفزيون سوريا

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى