
تكللت جملة من المبادرات من جهات تركية وكردية على مدار أشهر بدعوة مؤسس حزب العمال الكردستاني (1978) عبدالله أوجلان، مسلحي حزبه إلى إلقاء سلاحهم والانتقال إلى العمل السياسي، وكانت مبررات أوجلان لهذه الدعوة هي تغير أوضاع النظام الاشتراكي في القرن العشرين ووجود تغييرات إيجابية كبيرة من حيث احترام الهويات والديمقراطية وحرية التعبير لم تكن موجودة حين تم إطلاق حزب العمال في أواخر السبعينيات.
ورغم أن أوجلان أعلن أن دعوته هذه لم تكن الأولى إلا أن ظروف الدعوة التي جاءت بعد مبادرة أطلقها رئيس الحركة القومية دولت بهتشلي في أكتوبر 2024 وأيدها أردوغان، لحل التنظيم وترك السلاح مقابل العفو، وحتى دعوة أوجلان لإلقاء خطاب تاريخي في البرلمان التركي.
ومع أن حزب العمال أعلن عن وقف إطلاق النار تجاوبا مع مبادرة أوجلان إلا أن الجميع ينتظر الخطوات العملية لهذا المسار والتي يبدو أن عملية التحضير لها قد بدأت إذ يتوقع أن يعلن خلال أسابيع عن مؤتمر لحزب العمال الكردستاني يتم فيه الإعلان عن حل الحزب وخطوات أخرى.
إن هذه القضية إن كتب لها النجاح ستكون بداية لعهد تاريخي في تركيا حيث يمكن أن تتخلص من خلالها تركيا من واحدة من أبرز المشكلات الأمنية التي هددتها على مدار أكثر من 40 عاما.
إن هذه القضية إن كتب لها النجاح ستكون بداية لعهد تاريخي في تركيا حيث يمكن أن تتخلص من خلالها تركيا من واحدة من أبرز المشكلات الأمنية التي هددتها على مدار أكثر من 40 عاما.
لقد كانت هناك شكوك حول تجاوب حزب العمال مع دعوة أوجلان وحديث عن وجود تيارات داخل الحزب يمكن أن ترفض نداءه، لكن أوجلان أثبت لا يزال يشكل مكانة روحية لدى حزب العمال من خلال قبول الحزب لدعوته التاريخية وكما ذكرنا من المتوقع أن يعقد مؤتمر لحزب العمال لاتخاذ قرار إلقاء السلاح وحل نفسه وربما يستغرق الأمر ما بين شهر إلى 3 أشهر على الأكثر لعقد المؤتمر، ومن المتوقع أن تكون هناك آليات لنزع السلاح في كل من تركيا وسوريا والعراق.
إن حل المشكلة الكردية مفيد لتركيا كدولة ولكن لأن هذا المسار يخدم التحالف الحكومي الذي يقوده أردوغان ويمنع المعارضة التقليدية من تجيير عداء الأكراد إلى قوة لصالحها فإنها بالتأكيد ستكون مستاءة من نجاح هذا المسار ومتضررة، ولكن رغم ذلك لم تملك المعارضة التركية إلا أن تعلن أنها تنظر لدعوة أوجلان على أنها دعوة مهمة، ولكن المعارضة وعلى رأسها حزب الشعب الجمهوري تخشى من تحول كبير يؤدي لتفاهمات بين حزب العدالة والتنمية وحزب السلام والديمقراطية توصل لدستور جديد يحقق أهداف أردوغان السياسية ويجعل موقف المعارضة أشد ضعفا.
هناك عوامل مساعدة على نجاح هذا المسار ومنها أن أكراد تركيا لم يعودوا يشعرون بأن مشكلتهم مسألة وجودية، إضافة لقناعة الحزب أنه لن يستطيع تحقيق أي من أهدافه بالسلاح. كما أن هناك إصلاحات كبيرة في عهد حزب العدالة والتنمية بخصوص الهوية واللغة الكردية والحقوق الأخرى.
وعلى المستوى الداخلي في تركيا أيضا كان القضاء على وجود الحزب العسكري داخل تركيا منذ 2014 وحتى 2024 بنسبة كبيرة جدا عاملا مساعدا في تهيئة الظروف لهذا المسار.
ودوليا لعل النقطة الأبرز هي أن موقف إدارة ترمب لا يميل لدعم الأكراد ويفضل التنسيق مع تركيا وهذه قضية مهمة جدا خاصة في ظل انهيار نظام الأسد في سوريا. وضعف واقع حزب العمال في سوريا والعراق بعد تزايد نفوذ الدول هناك. في حين يدعم إقليم كردستان العراق مسار التسوية وحل حزب العمال كما يدعم العراق هذا المسار أملا في انسحاب تركيا من 80 موقعا في شمالي العراق بعد حل الحزب.
ومع ذلك لا يخلو الأمر من تحديات فقد اعتبر أردوغان أن دعوة أوجلان فرصة تاريخية إلا أن حزب العدالة والتنمية يتعامل مع هذه الدعوة أنها تشمل وجود الحزب في سوريا والعراق بما في ذلك قوات قسد، وقد حذر أردوغان من أي استفزازات.
وفي هذا السياق يعد اعتبار عدد من قيادات قسد وعلى رأسهم مظلوم عبدي في سوريا أن دعوة أوجلان لا تشمل سوريا تحديا لنجاح هذا المسار كما أن دخول أطراف متضررة مثل دخول دولة الاحتلال الإسرائيلي أو إيران على خط إفشال المسار يعد تخوفا دعمته مؤشرات خاصة أن دولة الاحتلال الإسرائيلي لم تخف اعتماد مشروعها التوسعي على الأقليات في المنطقة.
إن انعكاسات نجاح هذا المسار داخليا في تركيا تبدأ من تقوية تحالف أردوغان السياسي وفتح المجال أمامه لتغيير الدستور وقيادة البلاد لمرحلة رئاسية جديدة حيث أنه سيكون نجح في حل أزمة أمنية مزمنة وتاريخية لتركيا استمرت 40 عاما.
ومن المتوقع أن يكون هناك فوائد متبادلة بين سوريا وتركيا في حال تم حل هذا الملف حيث سيضعف نفوذ قسد في حال حله كما ستسعى تركيا للضغط بكل السبل على قسد إذا عارضت نجاح هذا المسار.
من زاوية أخرى ستكون تركيا أكثر حرية في المناورة أمام الغرب الذي كان داعما أساسيا لحزب العمال الكردستاني خلال السنوات الماضية للضغط على تركيا، وربما يفتح نجاح هذا الملف والأزمة التي تعانيها أوروبا منذ قدوم ترمب إلى تسهيلات لتركيا لم تكن متوفرة مسبقا.
المصدر: تلفزيون سوريا