عن استشهاد الضيف وأكاذيب إسرائيلية

أسامة الرشيدي

عقب إعلان وقف إطلاق النار في قطاع غزّة، نشط بعضهم من أجل الترويج للاحتلال الإسرائيلي بطريقة مختلفة. فبعد إعلان أبو عبيدة، الناطق باسم كتائب عزّ الدين القسّام، الجناح العسكري لحركة المقاومة الإسلامية (حماس)، استشهاد القائد العام للكتائب محمد الضيف، وآخرين من القادة العسكريين، ملأ هؤلاء مواقع التواصل صياحاً، مؤكّدين أن إسرائيل قد أثبتت “صدقها”.

اعتمد هؤلاء في مزاعم “الصدق” هذه على أن الاحتلال كان قد أعلن قتل الضيف، وقائد لواء خانيونس في كتائب القسّام رافع سلامة، في يوليو/ تمّوز الماضي، جرّاء غارة في منطقة مواصي خانيونس، أسفرت عن مجزرة ارتقى فيها أكثر من 90 شهيداً، فضلاً عن مئات الجرحى. وبالتالي، صار الاحتلال بالنسبة إليهم منزّهاً عن الكذب ونموذجاً للصدق، بينما هاجموا المقاومة واتهموها بإخفاء الخبر طوال الأشهر الماضية. وقال أحدهم بالنصّ إن المواطن العربي يضطر لتصديق إسرائيل بسبب مثل هذه الوقائع، وكأنه كان ينتظر حدثاً مثل هذا على أحرّ من الجمر حتى يمنح تصهينه وقوداً جديداً.

بالطبع، تناسى هؤلاء أن المقاومة لم تعلن مكان استشهاد الضيف أو توقيته، وبالتالي تظلّ رواية الاحتلال غير معتمدة، حتى تقول المقاومة روايتها في وقتٍ تراه مناسباً. كما تناسى هؤلاء عشرات الوقائع التي ثبت بالدليل القاطع كذب الاحتلال فيها، وتتعلّق بالضيف نفسه، إذ سبق أن أعلنت إسرائيل (قبل ذلك مراراً) نجاحها في تصفيته، كما زعموا أنه مشلول ولا يستطيع المشي، وأنه بذراع واحدة، وغير ذلك من أوهامٍ نُسِفت نسفاً بعد بثّ لقطات للضيف في أثناء تحضيره معركة طوفان الأقصى.

وحتى في خضمّ المعركة الماضية، ثبت كذب الاحتلال مراراً وتكراراً. ولا نقصد هنا إنكار الاحتلال لمجازره، فهذا بديهي، بل بادعائه على سبيل المثال أنه قتل قائد كتيبة بيت حانون في كتائب القسّام حسين فياض (أبو حمزة)، قبل أن يفاجأ بالأخير يتجوَّل بين المواطنين للاطمئنان على أحوالهم، ومتابعة عودتهم إلى مناطقهم، عقب وقف إطلاق النار.

صار الاحتلال بالنسبة للبعض منزّهاً عن الكذب ونموذجاً للصدق

ومؤكّد أن المقاومة الفلسطينية نفسها واعية بحرب السرديات والروايات مع الاحتلال، فبعد الإعلان عن استشهاد الضيف، فاجأت المقاومة إسرائيل بقائد كتيبة الشاطئ في كتائب القسّام هيثم الحواجري حاضراً في أثناء عملية تسليم المحتجز الإسرائيلي، الذي يحمل الجنسية الأميركية، كيث سيغال، في ميناء غزّة.

ووجّه بعضهم اللوم للمقاومة على إخفائها الخبر طوال الأشهر الماضية، متناسين أن مجريات القتال كانت تقتضي ذلك، وهو أمر يحدث في جميع الحروب. أمّا عن الوقائع التاريخية لكذب الاحتلال، في ما يتعلّق بإخفاء خسائره، فهي أكبر من أن تُحصَى، ويكفينا هنا ما أعلنته إسرائيل بعد 30 عاماً على تعرّضها للقصف من العراق، أثناء حرب الخليج الثانية. ففي عام 2021، كشف أرشيف الجيش الإسرائيلي (للمرّة الأولى) عن سقوط 14 قتيلاً وعشرات الجرحى في هذا القصف. وأخفت إسرائيل خسائر الضربتَين اللتَين تعرّضت لهما من إيران في العام الماضي، ولن يُكشَف عنها إلا بعد سنوات، لكنّ الفارق هذه المرّة أن مواقع التواصل وثّقت لحظات سقوط الصواريخ الإيرانية في قلب المدن الإسرائيلية، والتأثير الكبير لها بالصوت والصورة، وهو ما أضعف كثيراً ادّعاءات الاحتلال بشأن تقليله من قوة الضربتَين.

جانب آخر من التصهين ظهر في زمن الهدنة، لكنّه أظهر هذه المرّة تناقضاً في روايات المتصهينين أنفسهم، فقد قالوا إن الضيف كان “مختبئاً” في خيام النازحين بمنطقة مواصي خانيونس، متناسين أنهم هم أنفسهم سبق أن زعموا أن قادة المقاومة “يختبئون” في أنفاق قطاع غزّة، تاركين المدنيين يُقتَلون بالقصف الإسرائيلي الجوي والمدفعي، وهو ما يضع هؤلاء أمام سؤال لم يستطيعوا الإجابة عنه، هل يختبئ قادة المقاومة في الأنفاق أم بين خيام النازحين؟ خاصّة أن قائد حركة حماس يحيى السنوار استشهد خلال معركة خاضها مع قوات الاحتلال فوق الأرض، وبعيداً من خيام النازحين. سؤال يفرض على هؤلاء المتصهينين الإجابة عنه، لكنّهم لن يجيبوا، لأنهم لا يهمهم أن تكون لديهم مصداقية من أيّ نوع، بل همّهم كلّه إطلاق الأكاذيب وترويجها فحسب، بغرض التشويش والتغطية على جرائم الاحتلال، عبر اتهام المقاومة بأنها “منحت” ذرائع للاحتلال لقتل المدنيين، وكأن الاحتلال يحتاج ذرائع لارتكاب المجازر.

المصدر: العربي الجديد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى