عُدّ “العرّاب” (1972)، لمخرِجه فرنسيس فورد كوبولا، من أكثر الأفلام إيراداً في العالم، وهو عن زعيم مافيا إيطالية وعائلته التي احترفت القتل والتصفيات والاتّجار بالمخدّرات. ويظنّ صاحب هذه المقالة أن فيلماً سينمائياً مُتقناً عن رفعت الأسد (87 عاما) سيكون، أيضاً، من الأكثر إيراداً. ذلك أن مساحات التشويق في منعطفات سيرة هذا الرجل، غير العطرة طبعاً، تُوفّر على صنّاع فيلمٍ كهذا استعانةً بتخييلٍ أو إضافة مبالغاتٍ ومصادفاتٍ و”أكشنات”، ففي جريان حياة رفعت الأسد هذا كلّه وفائضٌ مثلُه. … نجاحُه في الهروب من سورية، ثم اختفاؤه في لبنان بعض الوقت، قبل أن يُغادر، بشكلٍ طبيعيٍّ قبل يومين، إلى دبي، وقائع لا تُؤكّد فقط أن هذا الشخص بسبعة أرواح، بل أيضا أنه يرفُلُ في حظٍّ مُستدام، منذ عام “تزبيط” خروجه من سورية في 1984 وصولاً إلى عودته إليها، في 2021، لمّا “أنعم” عليه ابن أخيه بعفوٍ معلوم، بعد “ترتيبٍ” ما أنجزه مع الدولة الفرنسية لخروجه منها، وهو الذي كان مُلاحقاً فيها وفي غيرها بكمّيةٍ من القضايا، لو بُتّ فيها لاحتاج مجرم الحرب هذا، وهذه واحدة من نعوته السيّارة، إلى عقودٍ في السجون، تُضاف إلى شيخوخته الراهنة. ولكنه يفلت من القبض عليه كما الشعرة عندما تُنزَع من العجين.
لا يليق برفعت الأسد أن يُختصَر بأنه العمّ الأصغر للرئيس السوري الهارب، والمتّهم الأبرز في ارتكاب المذبحة العتيدة في أهالي مدينة حماة، في 1982، فسيرتُه تضجّ بمذابح أخرى وبمباذل غزيرة، جاءت على بعضها محاكمُ في فرنسا وسويسرا وإسبانيا، من قبيل الاختلاس والتهرّب الضريبي وغسل الأموال، و”تشغيل عاملات منازل بشكلٍ غير قانوني”، والاحتيال في جمع أصولٍ مالية. فضلا عن مذكّرة توقيف له أصدرَها المدّعي العام في سويسرا، لإشرافه على عمليات مجزرة حماة. ومع الإيجاز الشديد هنا في موبقات رفعت الأسد هذه، الموثّقة في مطالبات محاكم أوروبية، لك، للتسرية عن النفس، أن تُضيف عدم دفعه رسوم اشتراكات عضويّته في اتحاد الكتّاب العرب في سورية (!)، ما دعا الاتحاد إلى فصله، من دون أن يُسأل هنا عمّ جعلَه عضواً، إلا إذا اعتُدَّ بدكتوراة فخرية في العلوم السياسية منحتها له أكاديميّة سوفييتية.
كأنه عُظامٌ أصاب رفعت الأسد لمّا أمكن لقوات سرايا الدفاع، تحت إمرته، قتل المحتجزين في سجن تدمر في يونيو/ حزيران 1980، وعددهم نحو 900، قيل إنهم من “الإخوان المسلمين”، ردّاً منه على ما قيل إنها محاولةٌ من هؤلاء قتل أخيه الرئيس حافظ الأسد في مطار دمشق في أثناء توديعه رئيس نيجيريا بقنبلةٍ لم تنفجر. في أقلّ من نصف ساعة “كان جميع من في مهاجع السجن قتلى”، على ما قال عارفون. راوده بعد “بطولته” هذه، ثم رديفتها في حماة، ومع تفاقم نفوذ تلك القوة المخيفة، أن يصبح رئيس سورية، ففي “موقفٍ خسيسٍ وانتهازي” في 1984، بنعت عبد السلام جلّود، بينما كان أخوه في وضعٍ صعبٍ في المستشفى، حرّك دبّاباتٍ ومدرّعاتٍ لتخطف السلطة، وتُواجه الجيش والحرس الجمهوري. ولمّا بدا أن الحال لن يستقيم له، فاوض الوسيط جلّود، من أجل تأمين مائتي مليون دولار له (ولأسرته المؤلفة من 48 فرداً كما قال)، فيخرُج إلى أوروبا، بعد زيارة إلى الاتحاد السوفياتي. أمّنت جماهيرية القذافي المبلغ، منحةً لسورية بالعملة الصعبة، وهذا ما كان، قبل أن تنحلّ تلك القطعات العسكرية المأمورة منه، وقبل أن نبدأ متابعة أخبار الرجل، الموهوب في غير شأن، وقد أنشأ مجلات وتلفزات، وصار أولادُه (كم عددهم؟)، وهو المتزوّج من ثلاث، في الأخبار نجوم صفقاتٍ في هذا البلد وذاك. وفي الغضون، ما انفكّ رفعت الأسد ينفي عن نفسه أي مسؤوليةٍ عن مذبحة حماة، وكأنه عندما يوهم نفسه بنظافةٍ في سيرته يستطيع إيهام الناس ببراءته كما الذئب بريئاً من دم يوسف.
ليست سيرةُ رفعت الأسد سيرةَ عسكريٍّ في عائلةٍ خطفت الحكم في سورية، أو سيرة ضابطٍ كان آمراً وناهياً في لبنان، وقد أوصى بيار الجميل (الجدّ طبعا) بأن يتحدّث عن فلسطين كثيراً وينصُب المشانق، أو سيرة لصٍّ تنعّم بعيشٍ رغيدٍ في بريطانيا وفرنسا وأسبانيا، أو سيرة مطلوبٍ نجا من محاكم قوضي فيها، فأصدرت بصدده مذكّرات توقيف، أو سيرة رجلٍ في وسعه أن يُقنع دولة حقوق وحرّيات عامة، وهو مطلوبٌ فيها، إسمها فرنسا، بأن يسافر منها، كما أيُّ مسنٍّ وديع، أو سيرة فارٍّ من قصاص الشعب السوري إلى لبنان الذي يُغادره بهناءة بال، … إنه هذا كلّه في سيرة سورية كلها، في زمن الدم الثقيل، فمن يكتُب السيناريو وينجز فيلماً شائقاً عن قطٍّ جارحٍ بأنيابِ ثعلبٍ شائخ، ناجٍ من أكثر من مقصلة؟.
المصدر: العربي الجديد
مقاربة جميلة بين المجرم الإرهابي رفعت الأسد وبطل فلم “العرّاب” (1972)، لمخرِجه فرنسيس فورد كوبولا عن زعيم مافيا إيطالية وعائلته ، والذي كان من أكثر الأفلام إيراداً في العالم، مجرم إرهابي محكوم بفرنسا منفذ مجزرة حماه وتدمر ، لم يكفيه بأنه عم طاغية الشام بشار بل إنه متمترس بالإجرام إستطاع أن يهرب من سورية الى لبنان ومن ثم الى الإمارات .قراءة دقيقة عنه.