قراءة موجزة في المشهد السوري

مصطفى إبراهيم المصطفى

في يومنا هذا لا أحد يستطيع إقناع السوريين بوجود يوم في تاريخ سوريا الحديث والمعاصر أهم من يوم الأحد (08-12-2024) ذكرى إسقاط نظام هو الأعتى بين أنظمة الطغيان، فهو يوم الولادة الجديدة لسوريا الحرة، وهو يوم الخلاص من كابوس جثم على صدور السوريين لأكثر من نصف قرن وأذاقهم شتى أشكال القهر والاستعباد، بل هو اليوم الذي تحققت فيه الأحلام وانتصر فيه الحق على الباطل وتفتحت دماء الشهداء التي أريقت في سبيل الحرية ربيعا في قلب الشتاء.

  • متلازمة النصر

بحجم المعاناة كانت الأفراح وبحجم المفاجأة كان الصخب، وبين هذا وذاك خفت صوت الزغاريد واختنقت الضحكات مع البدء بإزاحة اللثام عن الوجه الحقيقي للنظام السوري الذي يعرفه كل السوريين وتعرفه كل الأبواق العربية التي كانت تدافع عنه.

وهكذا من قلب الأفراح الممتزجة بمشاعر القهر والألم لذوي المفقودين بدأت تطفو على السطح أعراض ما يسمى بمتلازمة النصر، وتمظهرت بالخوف من فقدان النصر، والضغوط الناتجة عن التوقعات، والخوف من المستقبل.

تجلّى ذلك بوضوح من خلال ما جادت به قريحة السوريين عبر وسائل التواصل الاجتماعي بمختلف أشكالها، فهذا ينصح وهذا يؤيد وذاك يعترض، وكل بأسلوبه الخاص، علماً بأنّ الغالبية العظمى من هؤلاء تهدف إلى الحفاظ على النصر وإن كان بأسلوب ارتجالي فردي قد يسبب الإرباك.

ولعل هذا غير مستغرب، فمع الساعات الأولى لتحرير حلب تبين أن ما يحصل هو زلزال سوف يغير كل شيء.

  • سلطة جديدة قيم جديدة

في أحد أهم التعريفات للسياسة يقول “دافيد إيستون”: “السياسة هي التحويل السلطوي للقيم”، بمعنى أن السياسة في نهاية المطاف هي الأداة التي نستطيع من خلالها فرض قيم معينة على المجتمع.

تجلّى هذا التعريف للسياسة بوضوح مع الأيام الأولى لتحرير حلب، فالشبّان الذين تسابقوا لحمل الخبز وبعض المساعدات لأهالي مدينة حلب هم ذاتهم لو سألتهم قبل يوم من التحرير ماذا أنتم فاعلون لو دخلتم حلب؟ ستأتيك إجابات تختلف جذريا عما بدر من هؤلاء عندما تحررت حلب.

كل ذلك حصل لأن السلطة الجديدة أرادت ذلك. ورغم أن الأيام التالية شهدت بعض الاعتراضات على العفو الذي صدر عن قائد عملية التحرير نتيجة لوقاحة بعض الشبيحة ولضبابية قرار العفو، إلا أن التسامح كقيمة جديدة بدأت تجد مكانا لها في سلم القيم لدى معظم السوريين. وهكذا مع الأيام الأولى لعملية تحرير سوريا بدأت منظومة القيم التي كرسها عهد الاستبداد تهتز بعنف.

  • ملف يجب أن يقفل

إذن، مع تحرير مدينة حلب يمكن القول إن الثورة بدأت تتلمس الخطى نحو الكمال، بمعنى أنها أضافت للبعد السياسي والبعد الاقتصادي بعدا اجتماعيا أخلاقيا لتصبح مكتملة الأركان.

وإذا كان هذا التطور الملفت يدعو إلى التفاؤل، فإن المواقف الدولية التي يمكن قراءتها في ثنايا بعض التصريحات تجعل التفاؤل أكبر، فهي توحي بأن قرارا قد اتخذ في العواصم الكبرى يتضمن الرغبة الصريحة بطي الملف السوري مع تقديم جميع التسهيلات للسلطة الجديدة لبسط سيطرتها على كامل التراب السوري، إذ بات من المؤكد أن هيئة تحرير الشام التي يقودها أحمد الشرع، والتي قادت عملية التحرير بالتشارك مع باقي الفصائل الثورية كانت تعد نفسها منذ ما يزيد عن العامين لتكون بديلا مقبولا عن النظام البائد، ويبدو أنها قد حظيت بالقبول والإعجاب.

وبلغة أخرى، يبدو أن قيادة الهيئة استطاعت الإجابة عن السؤال الذي طالما ألقي على السوريين: أين البديل؟ ويبدو أنهم استطاعوا معرفة مواصفات البديل المطلوب فتقمصوها بنجاح مبهر.

قلق وترقب

رغم العوامل المتعددة التي تدعو إلى التفاؤل، فإن القلق مازال يساور كثير من السوريين، فالنظام البائد من أجل الدفاع عن نفسه صنع ورعى فئة من الدوغمائيين أصحاب العقول المغلقة والمعادين للثقافة السلمية واستثمر بهم حتى اللحظات الأخيرة، ثم تركهم خلفه كالقنابل الموقوتة، فهؤلاء مع فلول النظام البائد ما زالوا مصدر خطر على أمن البلاد واستقرارها، وهم لن يدخروا جهدا في محاولة إرباك السلطات الجديدة وإحراجها بعد أن تعهدت بالتسامح والصفح.

وعلى المقلب الآخر لا يعتبر الشارع الثوري ناضج بما فيه الكفاية لاستيعاب سياسة المهادنة التي انتهجتها السلطات الجديدة، لذلك، قد تخلق الاحتجاجات غير الواعية بيئة خصبة للاستثمار من قبل الفئات المتضررة من سقوط نظام الإجرام. وهكذا إذا ما أضفنا لذلك بعض الملفات المؤجلة كملف قسد وملف الفصائل وملف السلاح المنفلت، يكون العنوان العريض لهذه المرحلة هو القلق والترقب.

أخيراً، هناك قلق من نوع آخر يهيمن على بعض فئات المجتمع السوري متمثلا بالتوجس من توجهات السلطات الجديدة التي قد تلجأ لفرض أيديولوجيتها. يحدث هذا رغم كل التطمينات التي تطلقها القيادة الجديدة التي أظهرت حتى الآن سلوكا مقبولا امتدحه الجميع.

 

المصدر: تلفزيون سوريا

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى