في مسار الحل السياسي للقضية السورية تتراجع التوقعات في الأشهر الأخيرة، فقبل أعوام مضت كانت المباحثات بين الأطراف الدولية تتحدث عن ضرورات جنيف وأستانا لفتح الطريق أمام تطبيق القرارات الدولية، فبينما كانت المعارضة السورية تتمسك بجنيف دون رفض مبادرة أستانا، التي تمثل شراكة ثلاثية للتقريب بين مصالح روسيا وتركيا وإيران تحت شعار الخيارات المحدودة. فإن بدأ التحول في التموضع الإقليمي والدولي حيال الملف السوري برغبة أميركية روسية، يوجب على القيادة السياسية للثورة مراجعة استراتيجية التحرك لأن كلا المسارين كبلا خياراتنا مما يوجب المغادرة السريعة لهذه الوضعية فهذه هي الفرصة المتبقية للعودة إلى المسار الصحيح في البحث عن حل يحافظ على الحد الأدنى من مطالب الثورة.
فالجولة الأخيرة من محادثات أستانة لم تفرز سوى بيان من الدول الضامنة كرر ماتحاول تأكيده على إتفاقات لم تر النور على أرض الواقع، ولم تستطع الوصول إلى الحد الأدنى من مطالب أهلنا في جنوب إدلب ومنطقة جبل الزاوية في تثبيت الوقف الدائم لإطلاق النار وإنما جل ما تم التوصل إليه هو تمديد “التهدئة على الأرض” والذي انعكس بتصعيد عسكري دفع نحو المزيد من النزوح لأهلنا من المنطقة وتفريغها تمهيداً لجولة قادمة من الأعمال العسكرية، وهذا ماتجسد في عدم خروج الجولة بتحديد زمني للجلسة المقبلة لأعمال اللجنة الدستورية المنوط بها وضع دستور جديد للبلاد. مما يؤكد على أن مسار أستانا لا يمكن التعويل عليه من أجل التوصل لحل سياسي ناهيك عن كون كل الضمانات السابقة فشلت، والخروقات لم تتوقف ومناطق خفض التصعيد قضمتها عصابات النظام بدعم روسي وإيراني.
في ظل هذه الظروف عقد الإئتلاف الوطني إنتخابات لقيادته الجديدة والتي عكست حرص القائمين على هذه المؤسسة المحافظة على توزيعهم للمناصب ضمن محاصصة متفق عليها، وتصدير شخصية لمنصب الرئاسة لم تخرج من إطار ذات التركيبة التي كانت تدير هذه المؤسسة، مما يجعلها غير قادرة على تحقيق طموحات الثورة في تجسيد الديمقراطية الحقيقة وتبادل السلطة وإفساح المجال لدماء جديدة شابة لتقوم بإدارة ملفات مؤسسات الثورة.
وفي ظل هذه الهشاشة والضعف البالغين تتنافس أطراف سورية عدة لتوظيفها من قبل الأطراف الخارجية، وبالمقابل يحاول كل طرف خارجي تعزيز إمكانات من يتبع له، فبدءاً من بشار الأسد الذي تعتمده روسيا وإيران أداتهما الأساسية في حماية مصالحهما، مروراً بقوى الأمر الواقع الموجودة في إدلب أو الجزيرة السورية أو غيرها، وانتهاءً بالهياكل السياسية التي تدعي تمثيلها للمعارضة السورية، كلها بلا استثناء، تعمل على إرضاء من تتبع له، كي تبقى حاضرة في المشهد السوري.
رغم كل هذا اليأس، وهذا السواد الذي يغطي المشهد الراهن للحالة السورية، فإنه ما يزال بالإمكان إبعاد سورية عن المنزلق الخطير الذي يودي بكل طموحات الحاضنة الشعبية للثورة، ولكي لا يبدو الأمر مجرد أمنية ليس لها ما يعززها في الواقع، فإن الانتقال ولو لخطوة واحدة من حالة الانتظار المستسلم إلى حالة الرأي المعلن من شأنه أن يفتح بوابة الانتقال من الانفعال إلى الفعل. وإن كان وحدهم السوريون الذين ثاروا على النظام، ويوجدون خارج سيطرته، هم الأقدر على إحداث هذه الخطوة، وبالتالي فهم المطالبون بها أولاً، وهذا الرأي ليس اتهاماً للسوريين الخاضعين لسيطرة النظام، إنما هو اعتراف باختلاف ظروف كل طرف، واعتراف بتفاوت القدرة على الفعل أيضاً، وخلاصة توجب المسؤولية التاريخية الملقاة على عاتق ماتبقى من طاقات ثورية موجودة خارج سيطرة عصابات الأسد وتمتلك المقدرة والحرية على الفعل الإيجابي.
وإن كان هذا الفعل الإيجابي يتطلب مساندة لانتشال سورية من بين براثن هذا الوضع المأساوي، فإنه في هذه اللحظة التاريخية يتوجب على من يساند القضية السورية وحرية الشعوب في وجه الظلم والدكتاتورية أن يدركوا أنّهم بحاجة لشركاء لا لعملاء. ولأجل ذلك، عليهم أن يساعدو السوريين على فرز شريحة سياسية وطنية، تستطيع أن تتصدى لمهمة إنجاز مشروع الثورة بالتحرّر من الاستبداد والخلاص من حكم الطاغية، فسورية اليوم مريضة، وشعبها منهكٌ، حائرٌ، خائر القوى، يتوجب على أحرار العالم أن يقفوا معها، قبل أن يأتي يومٌ لا ينفع فيه الندم.
المصدر: إشراق