نحو مشروع ناصري متجدد

أحمد ذبيان

في ذكرى ثورة جمال عبد الناصر لا بدّ من إعادة فتح ملَفِّها بالكامل لكي تُبحَثَ كلّ آفاقِها وتوضَعَ أمامَ الجيل الحاليّ لِيٌرى ما إذا كانت كلُّ مبادئها، أو بعضها، مازالت صالحة لتكون منهجًا في مقاربة القضايا القوميّة والوطنيّة والمعيشيّة والتنموِيّة الراهنة.

لن نتناول إنجازات الثورة لأنها في بطون عشرات الآلاف من المجلّدات والدراسات التي صدرت في عشرات السنين الماضية.

جاء جمال عبد الناصر في مرحلة من تاريخ العرب كان الاندفاع فيها ، نحو الوحدة والتهوض والتحرُّر من كلّ أشكال الاستعمار والإقطاع والتخلُّف ، لا يعرف الحدود .

فهِم الرجل ، بِحِسِّهِ القياديّ الصادق ، الدَورَ المٌهَيّأ له والذي تنتظره مصر والعرب والشعوب المستعمَرة والمضطَهَدة في عالم يضجّ بالثورات والمشاريع التحرُّريّة والاستقلاليّة والنهضويّة في طول الأرض وعرضها .

إنّ شخصيّة جمال عبد الناصر الزعاميّة والقياديّة وطاقتَهُ الاندفاعِيّة ومدى شعبيّته الهائل ودورَهُ وطبيعةَ مشروعِه هي حوافز لتحديث ذلك المشروع بمفاهيم ومضامين مناسبة للعصر الذي نعيش فيه وللظروف الاقليميّة والدوليّة بأمنِها واقتصادها وكُتَلِها البشريّة وتحالفاتها وتطوُّرها الهائل والمُخيف في مجال العلوم والتقنيّة .

هذا التجديد والتحديث يجب أن يتناول الأركان الرئيسة للمشروع القوميّ العربيّ الناصريّ على النحو التالي :

أوّلًا ، لم تعُد الوحدة العربيّة الاندماجيّة مُمكِنَة في هذه الظروف التي يمرّ بها العرب وفي ظلّ انحسار وانحدار – إن لم نقُل تآكُل – المشروع القوميّ العربيّ وغياب وتغييب كلّ قياداتِه الفاعلة والفعّآلة عن ساحة الدولة والعمل السياسيّ المؤثِّر . لذلك علينا البحث في صِيَغ أخرى بديلة مثل السوق العربيّة المشتركة المؤدِّية إلى شكل من أشكال الفدراليّة الاقتصاديّة الهادفة إلى التكامل في مجالات أخرى على المستوى الاستراتيجيّ .

ثانيًا ، لم تعد الاشتراكيّة العربيّة الطريق الوحيد للتنمية في ظلّ الثروات الهائلة التي يتمتّع بها الأفراد والجماعات والشركات – ناهيك عن الثروات التي تكتنزها بعض الدول والتي يمكنها احداث تنمية هائلة فيما لو عُمِلَ على استقرار المنطقة .

ثالثًا ، تحرير فلسطين أصبح أكثر بُعدًا من ذي قبل نظرًا لغياب المشروع العربيّ وتبنّي الولايات المتّحدة الأميركيّة ، والعديد من الدول الغربيّة ودول العالم ، للمشروع الصهيونيّ بكلّ أهدافِهِ وأبعادِه . لذلك يجب استحداث أشكال أخرى في إدارة هذا الصراع التاريخيّّ المُستمرّ بين أصحاب الأرض ومغتصِبيها .

هذه الأركان الثلاثة التي قام عليها المشروع القوميّ الناصريّ ضمن الدائرة العربيّة، بالإضافة إلى دعائم التنمية الشاملة والديموقراطيّة والتحرُّر، التي يجب تحديث مُنطلقاتِها واهدافها والآليّات التي يجب أن تُتّبَع في ظلّ المستجدّات والتغيُّرات التي طرأت على الواقع العربيّ والاقليميّ والعالميّ منذ غياب جمال عبد الناصر في ٢٨ أيلول (سبتمبر) عام ١٩٧٠ .

من هنا ندعو المفكرين والمثقفين والحركيّين والحزبيّين والمهتمّين بِهَمّ العمل القوميّ إلى الإدلاء بدَلوِهِم في طرح أفكار وبرامج تحاكي متَطلِّبات العصر وتشكّل دليلًا حضارِيًّا لمقاربة مشروع عربيٍ يرتكز على الأركان الاساسيّة التي بلوَرها المشروع التاريخيّ.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى