لم يألُ الشعب السوري جهدًا، منذ أن قام بثورته أواسط آذار/مارس 2011، وحتى الآن، من إعادة رسم ملامح وطن سوري خالٍ من الاستبداد والقمع والإجرام الأسدي، بل عمل ومازال (هذا الشعب العظيم) رغم كل المحن عبر التضحية بالغالي والنفيس من أجل قيامة وطن سوري حر وكريم، لا وجود فيه للطغاة، وتنتفي منه حالات التغول على الحريات، التي ما فتئ نظام الإرهاب الوظيفي الأسدي من الاشتغال فيها وعليها، منذ انقلابه سيء الذكر في 16 تشرين ثاني/نوفمبر 1970 وحتى اليوم. خلال سنوات الثورة السورية التسع كان الهم الأساس للسوريين هو العمل الدائم على إعادة صياغة الوطن ضمن أسس جديدة تُبنى على عقد اجتماعي جمعي جديد لا يستثني أحدًا، ويساهم في رسم ملامح الوطنية السورية الجديدة تأسيسًا على انتمائه الوطني/ العربي أصلًا وأساسًا.
لقد مرت على الشعب السوري خلال هذه الفترة من عمر ثورته الكثير من الأعياد، وتتابعت عليه العديد من المناسبات الوطنية، إلا أن الاحتفاء بالعيد (لديه) كان دائما وعلى طول المدى هو بعد النصر الحقيقي على الطغاة والمحتلين، مهما علت قائمة التضحيات، وهو (أي هذا الشعب) لم يستطع الاحتفال بالعيد لا أضحىً ولا سواه كما يريد ويتمنى، بينما القتل والدمار والتهجير ماثلاً أمام محياه، وحيث ما يزال نظام القتل الوظيفي متربعًا على ثرى الوطن السوري، مستعينًا بشذاذ الآفاق الذين استجلبهم من إيران وروسيا وغير ذلك من بقاع الأرض. لم يتمكن هذا الشعب السوري المضحي أن يعيش حالة العيد في الأضحى أو الفطر أو ما بينهما وما حولهما، قبل أن أن يتمكن من كنس الطغاة، وإعادة الحيوات البهيجة إلى السوريين، بعد أن فقدو كل أنواع الحياة الطبيعية التي يتمناها الناس كل الناس في كل المجتمعات الإنسانية.
وهو بذلك لم ييأس أبدًا بل ظل متمسكًا بقيمه ومبادئه ورؤيته للتغيير الوطني الديمقراطي، رغم هول المحن، وبالرغم من حجم الدمار والقتل والاعتقال الذي مر على الشعب السوري.
في العيد عادة ما يبتهج الناس ويفرح الأطفال، ويتلاقى الأصحاب والأهل، لكن للعيد في سورية طعم آخر، لأن للحرية أيضًا التي حلم بها السوري ذاك الطعم الآخر، وهو الذي عرف وأدرك أنه بغير التضحيات وبغير الدماء الطاهرة لا يمكن الانتصار على طغاة العصر وحاقديه، وأنه بثورته لا يناهض ويقاوم ويقاتل النظام المجرم لوحده، لكنه يقف في مواجهة المشروع الفارسي الطائفي للمنطقة، وهو اليوم في فوهة المدفع يواجه أعتى طغاة العصر ومجرميه، ولعل عمله هو الأكثر خطرًا والأكثر جذرية في مواجهة ذاك المشروع، الذي يطال المنطقة برمتها، ومن ثم فإن السوريين اليوم يدافعون عن المنطقة العربية بقضها وقضيضها، لدحر ذاك المشروع الذي رفعه وعمل عليه (الخميني) منذ أن انتصرت ثورة الشعوب في إيران، وهو الذي خطفها لبناء مشروعه (الحلم) للفرس في مواجهة العرب كل العرب.
سيكون عيد الأضحى المبارك والأكثر بهجة لدى السوريين يوم يتم اقتلاع الطغاة من قصر المهاجرين، ولحظة يعود الألق لعاصمة الأمويين، وتعاد لسورية حريتها المسروقة والمخطوفة من آل الأسد ومن والاهم، سيكون عيد الأضحى الحقيقي يوم يتم دحر المعتدين من روس وفرس وميليشيات طائفية من لبنان وباكستان وأفغان، وحينها سيحتفي كل سوري بعيد لا يعادله عيد.
قد يراه البعض بعيدًا، لكن الشعب السوري الذي ضحى بما يزيد عن مليون إنسان سوري، وتحمل عبء تهجير أكثر من نصفه بين نزوح داخلي وتهجير قسري خارجي، واعتقال ما ينوف عن 500 ألف سوري، وإعاقة أكثر من 400 ألف إنسان، وتدمير ما يزيد عن 60 بالمئة من البنية التحتية السورية، حتى باتت تكلفة إعادة الإعمار متجاوزة عتبة ال 400 مليار دولار.
هذا الحجم من التضحيات التي تحمل عبئها الشعب السوري وهو يقارع الاستبداد والإجرام، تشير وبوضوح إلى أن العيد قادم، وقد لا يكون على الأبواب، لكنه بكل تأكيد قادم، ومنجز بالقوة، وليس بالفعل. وسوف نحتفي جميعًا عاجلاً أم آجلاً بأعياد كنس الطغاة وبناء الوطن السوري الحر الكريم، وهو سيبنى على أسس ديمقراطية، خالية من كل أنواع القهر والعسف التي عاشها كل سوري عبر سنوات حكم آل الأسد والدولة الأمنية / العصابة التي قامت على أيدي المقبور حافظ الأسد. يرونه بعيدًا ونراه قريبًا بإذن الله.