يهدف هذا البحث إلى إبراز أثر صعود الصين وتنافسها مع الولايات المتحدة، واحدا من أهم الاتجاهات الاستراتيجية في الشؤون الدولية، على الطلب المتصاعد، منذ عقد، من قوى اجتماعية متعدّدة في المنطقة العربية على التغيير. ويدرك الكاتب أن الربيع العربي، في موجتيه، بوصفه تطلعا من الشعوب العربية، وخصوصا الفئات الشابة منها، إلى الحرية والعدالة الاجتماعية والحكم الرشيد، واحتجاجا علي الفساد وسوء توزيع الدخل، هو تعبير عن تحوّل تاريخي في المنطقة، يعلن نهاية الصيغ القديمة في السياسة والثقافة والاجتماع، وبحث عن جديد لم يتبلور بعد، هو إعلان عن نهاية حقبة وبداية حقبة جديدة، فالمنطقة تعيش في طور انتقالي بين قديم مرتحل وجديد لم يتمأسس بعد، ومن ثم فنحن نعيش مرحلة خلو العرش، بتعبير زيغموند باومان في كتابه “الحداثة والهولوكوست”.
ويصير المشكل التاريخي، كما تدركه قوى التغيير، إعادة بناء الدولة الوطنية؛ دولة ما بعد الاستقلال بتجديد أصولها وإصلاح هياكلها من خلال عقد اجتماعي جديد، جوهره بناء نظام ديمقراطي تشاركي تعدّدي، قادر على أن يلبي الحاجات الأساسية للمواطنين. وهذه المقالة مخصصة لدراسة تأثيرات صعود الصين، والحرب الباردة الجديدة بينها وبين الولايات المتحدة، علي هذا المسار التاريخي للمنطقة، وتعتمد على تقديم قراءة في تقرير: “الاتجاهات الاستراتيجية 2020 .. التطورات الرئيسية في الشؤون الدولية”، ويضم فصولًا عن الصين والولايات المتحدة والنظام العالمي، والعلاقات الأميركية الصينية، وشبح حرب القوى العظمى والصين اختبار ضغط لتماسك أوروبا، ومشروع الحزام والطريق الصيني (طريق الحرير الجديد)، ومحوره في أوراسيا.
الاتجاهات الاستراتيجية منشور سنوي لمركز الدراسات الأمنية (CSS) في زيوريخ. ويقدّم تحليلات موجزة للتطورات الرئيسية في الشؤون العالمية، مع التركيز على الأمن الدولي. ويهدف إلى تقديم تفسيرات واضحة للاتجاهات الرئيسية، بدلاً من مسح شامل للأحداث ذات الصلة. ويقدّم التقرير وجهة نظر أوروبية/ غربية في الاتجاهات الاستراتيجية التي وقف بها عند أول مارس/ آذار 2020، إلا أن ما يحاول عمله الكاتب هنا هو التقاط الإشارات المتعدّدة فيه التي ستترك أثرا على مسار التغيير في المنطقة.
يرسم التقرير، في صفحاته الأولى، الملمح الاستراتيجي الأساسي الذي سيحكم النظام الدولي بعد جائحة فيروس كورونا، فيقول: “النتائج المحددة لهذه الأزمة [الفيروس] تظل غير قابلة للتنبؤ بأي قدر من اليقين. ومع ذلك، أحد الجوانب البارزة لهذه القضية إمكانية انتقال السلطة الإقليمية في شرق آسيا، مع تطبيقات شاملة على المستويين، الإقليمي والعالمي. وإذا كان هذا التحول يجب أن يتحقق، فسيؤدي إلى تشتيت جزئي على الأقل للقوة الأميركية، و(إعادة) تأسيس شكل من أشكال التفوق الصيني في تلك المنطقة. وعلى الرغم من أنه بعيد عن الحتمية، فإن إمكانية حدوث مثل هذا التحول في المستقبل المنظور أصبحت، في حد ذاتها، عاملاً محفزًا للمنافسة الجيوسياسية الحادة، حيث تتنافس الصين والولايات المتحدة بشكل متزايد على الصدارة على المستوى العالمي”. ويرى أن أوروبا قد تجد نفسها تتحوّل إلى ساحة لعب، يكشف فيها الفاعلون الخارجيون طموحاتهم طويلة المدى، من دون رادع من أي تركيز معاكس فعال للسلطة. وقد ترى نفسها يعيد الآخرون تشكيلها على صورتهم. ويضيف إن الصين تمتلك الوسائل المالية والإرادة السياسية لتأكيد نفسها قائدة اقتصادية وتكنولوجية عالمية، وبالتالي إضعاف دور أوروبا القوي تقليديا في التجارة الدولية. وهذا سيجبر أوروبا على التكيف. وإذا أثبتت عدم قدرتها على الوحدة حول سياسة مناسبة وفعالة، ستفقد الدول الأوروبية قدرتها التكنولوجية وموقعها المتميز في الأسواق العالمية.
الخلاصة أن صعود الصين تهديد لوحدة أووربا ومكانتها في النظام الدولي: “باختصار، على الدول الأوروبية أن تعمل معًا من أجل سياسة جغرافية اقتصادية، متشابكة بشكل أساسي مع استراتيجيتها الجيوسياسية لمنع الصين من تقويض أسس أوروبا”.
الحلم الصيني
في عام 2010، رَّف مسؤول بارز في السياسة الخارجية الصينية “المصالح الأساسية” بأنها: الاستقرار السياسي؛ السلامة الإقليمية؛ الاتحاد مع الدولة التايوانية المنفصلة الخاضعة للحكم الديمقراطي (بالقوة إذا لزم الأمر)؛ والتنمية الاقتصادية والاجتماعية المستدامة. وفي وقت مبكر من أواخر العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، بدأ صانعو السياسة الصينيون في مناقشة الحاجة إلى تسخير القوة الاقتصادية الصينية لتحقيق أغراض سياسية. لم يسعوا فقط إلى تعزيز صورة بلدهم، أو كسب حسن النية، على الرغم من أن هذا كان هدفًا رئيسيًا، خصوصا عندما يتعلق الأمر بجيران الصين في جنوب شرق آسيا، وإنما لإجبار الدول الأخرى على عكس السياسات غير المرحب بها. ونشر الرئيس الصيني، شي جين بينغ، فكرة ما يسمى “الحلم الصيني”، وبذلك يردد بشكل واعٍ فكرة الحلم الأميركي، لكنه يؤطرها بالتأكيد في سياق صيني. يمكن أن تختلف الرسالة، ولكنها تعزّز، بشكل عام، فكرة الاستعادة والمجد على الصعيد الوطني، باعتبارها مرتبطة ارتباطًا وثيقًا بالحزب الشيوعي الصيني.
أساس السياسة الخارجية لبكين هو القومية. وعلى الرغم من ذلك، ليس تركيز الحزب الشيوعي الصيني على نشر رؤية مثالية للشيوعية العالمية؛ وإنما الحفاظ على السيطرة على نظام استبدادي من حزب واحد. ومع ذلك، هناك مكون أممي متنامٍ في حوكمة الدولة الصينية، إذ تقدم الصين، بشكل صريح، بديلاً للنموذج الغربي، خصوصا بالنسبة للبلدان ذات الدخلين، المنخفض والمتوسط. وهناك ثلاثة مكونات للتفكير الاستراتيجي الصيني تم تحديدها: إعادة تشكيل النظام الدولي، لا إحداث ثورة فيه. إدراك تأثير نمو القوة الصينية على النظام، خصوصا عندما يتعلق الأمر بجيرانها؛ والحاجة إلى تحقيق توازن دقيق في العلاقة مع الولايات المتحدة.
الصين وأميركا والنظام الدولي
إذا جاز تلخيص ملامح الصراع الصيني الأميركي، كما شرحها التقرير، فإنه تمكن الإشارة إلي النقاط التالية:
لطالما طغت على الإستراتيجية العسكرية الصينية المخاوف بشأن القدرات الأميركية، وأفضل السبل لمواجهتها. يفهم صانعو السياسة في بكين تمامًا أهمية المنافسة الأميركية الصينية على النظام الدولي، ويأمل كثيرون في تعزيز نسخة من العلاقة تكون عملية وبناءة، بدلاً منها أيديولوجية ومزعزعة للاستقرار. ومع ذلك، احتمال تعاون أكبر بين الدولتين غير واضح، وهو ما يقوّضه، بشكل أكبر، التصور الصيني أن الولايات المتحدة قوة متراجعة؛ إن كانت لا تزال قائمة أصلا. ويرى التقرير أنه مع اشتداد التنافس الاستراتيجي بين الولايات المتحدة والصين، ستصبح الأزمات العسكرية أكثر احتمالية؛ فلم يعد الصراع العسكري الرئيسي بعيدًا كما كان يبدو من قبل. لقد دفع التحديث البعيد المدى لقواتها المسلحة الصين بالفعل إلى تبنّي رؤيةٍ أكثر تفاؤلاً بشأن الكيفية التي يمكن أن يحدث بها مثل هذا الصراع. وفي الوقت نفسه، تكافح الولايات المتحدة لصياغة استجابة متماسكة لمحاولة صينية محتملة، لإعادة صياغة النظام الإقليمي في شرق آسيا بالقوة.
تشير مجموعة متزايدة من الأدبيات إلى مزيد من التدهور في العلاقات الأميركية الصينية محفزا محتملا للأزمات العسكرية. وفي نهاية المطاف، قوة دفع عظمى للحرب، ويمكن التعرّف بسهولة على السبب الهيكلي الرئيسي الذي من شأنه أن يدفع مثل هذا التطور. على الرغم من أن الولايات المتحدة لا تزال أقوى بشكل ملحوظ على مستوى العالم، فإن القوتين الرائدتين في النظام الدولي تتجهان نحو انتقال محتمل للسلطة في شرق آسيا، مدفوعة برؤى القوتين الإستراتيجية غير المتوافقة بشكل أساسي لمستقبل المنطقة. وعلى الرغم من أن الدافع الرئيسي للصراع بين الولايات المتحدة والصين قد يكون هيكليًا، فلا يوجد نقص في المحفزات المحتملة للحرب؛ فالحروب تُخاض بشكل ساحق بين الدول المنخرطة بالفعل في منافساتٍ استراتيجيةٍ طويلة الأمد. وهذه إحدى النتائج العملية القليلة الواضحة في أدب دراسات الصراع.
الملمح الأساسي الذي ينتهي إليه التقرير في العلاقات الصينية الأميركية “إن التنافس الاستراتيجي الواضح، وانتقال السلطة الذي يلوح في الأفق، وأنماط التفاعل التي تسودها بشكل متزايد، واحتمال كبير للأزمات المستقبلية على الرهانات الكبيرة والصغيرة، تشير جميعها إلى خطر كبير من الصراع العسكري بين الولايات المتحدة والصين. لنقلها بصراحة: لم تعد القيادة الصينية تسعى إلى مجرّد الاعتراض على التفوق العسكري الأميركي في المنطقة، أو فرض تكاليف على القوة الرائدة في حالة الحرب. وبدلا من ذلك، تبنى جيش التحرير الشعبي انتصارًا عسكريًا صريحًا، بوصفه معيارا جديدا لتصميم قوته وتنمية قدراته”.
مسارات العلاقة بالتغيير
يمكن الحديث عن مسارات أربعة، ربما تأخذها هذه العلاقة:
أولا، إعادة صياغة معايير الاحتكام: الصراع حول أي المعايير يجب أن تحكم البشر في قلب الصراع الصيني الأميركي، صحيح أن كلا من الولايات المتحدة والصين يميل إلى العمل وفقًا للمعايير المعمول بها عندما تناسب مصالحهما، ويتجاهلان بسرعة المبادئ الأساسية للنظام عندما يكون ذلك مناسبًا. وبالتأكيد سيزداد تأثير الصين على صنع المعايير الدولية، فعلى طول طريق الحرير (مثالا)، ومع تطور مزيد من سلاسل التجارة والإمداد حول الصين، سيسمح لها بتشكيل المعايير العالمية، مثلا في السكك الحديدية عالية السرعة أو الاتصالات، من خلال زيادة حصص الصين ومستوى نفوذها في الدول الأوراسية، وستصبح وسائل التفاعل الأخرى قابلة للتطبيق بشكل متزايد، كما أن للحزام آثارًا جيوسياسية كبيرة، ليس أقلها بسبب شراكة الصين الاستراتيجية مع روسيا. ومعارضتهما ضد النظام الدولي بقيادة الولايات المتحدة توحد القوتين، وتمثل الشراكة الاستراتيجية للبلدين أيضًا معارضة قوية للنظام الليبرالي بقيادة الولايات المتحدة. ومن خلال أصوات دول طريق الحرير، ستحاول الصين، بشكل متزايد، تشكيل المعايير والمفاهيم على المستوى العالمي. علاوة على ذلك، من المتوقع أن يزداد استخدام عملتها وتكنولوجياها، بما في ذلك المراقبة في جميع أنحاء العالم.
المعايير الصينية الروسية مناهضة للقيم والممارسات الديمقراطية وحقوق الإنسان، وتقوم علي فرض رقابات صارمة على المواطنين، مع منع تواصلهم مع العالم من حولهم، بالإضافة إلى منع التدفق الحر للمعلومات، كما جرى في جائحة كورونا. يضاف إليها القضاء على التعدد العرقي والديني للأقليات، عبر معسكرات إعادة التأهيل، كما في إقليم تركستان الشرقية. وفي المقابل، تحتل الديمقراطية وحقوق الإنسان وزنا مهما في سياسة الولايات المتحدة، التنافسية مع الصين وروسيا، فهي أحد محاور الصراع الأيديولوجي معهما، وأحد مداخل بناء الشراكة التجارية والتحالف الأمني/ العسكري مع البلدان المختلفة، بل هو الأساس لبناء نظام دولي يعبر عن القيم الأميركية يتضمن الديمقراطيات في مقابل النظم الاستبدادية والشيوعية. صحيح أن الولايات المتحدة لا تقدّم دعما واضحا لبناء نظم ديمقراطية مستقرة. ولكن هل يمكن أن تستفيد قوى التغيير من التنافس الأيديولوجي الصيني الأميركي لبناء الحكم الرشيد؟
ثانيا، الاستقرار: حكم علاقة القوى الكبرى بالمنطقة العربية، بعد انتهاء الحرب الباردة، منطق الحفاظ على الوضع القائم. وقد مثّل تدخل الرئيسين الأميركيين، بوش الابن، بعد هجمات “11 سبتمبر” في العام 2001، وباراك أوباما في أثناء انتفاضات الربيع العربي، استثناء من ذلك. بعبارة أخرى، هناك طلب من الفاعلين الدوليين جميعا على الاستقرار في المنطقة، ولكن لم يكن في وسعهم التركيز على ترويج بنية أمنية جديدة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، بل على الاحتواء الجغرافي لانعدام الأمن الإقليمي. بعبارة أخرى، بات عليهم أن يقبلوا “زمن الاضطرابات” العربي المستمر، باعتباره ظاهرة تاريخية محدّدة سلفًا، والتي يكون للجهات الخارجية تأثير محدود للغاية عليها، إن وجدت أي تأثير. صار هدفهم أنه لا يجب محاولة “إصلاح” المنطقة، وإنما الحد من الآثار السلبية لمشكلات الشرق الأوسط على مناطق أخرى.
لا توجد عوامل خارجية يمكن أن تؤثر بشكل كبير على التغيرات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية الأساسية في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا منذ بداية الربيع العربي. من المحتمل أن تكون المنطقة في بداية تحول طويل فقط، حيث تكون الديناميات الإقليمية أكثر حسماً بكثير من التأثيرات الخارجية..
ومن منظور القوى الكبرى في هذه المرحلة من أزمة المنطقة، متعدّدة الجوانب والأبعاد، سيكون من غير المجدي البحث عن أي حل شامل للمشكلات الإقليمية، فمن غير المرجح أن ينجح نهج “مقاس واحد يناسب الجميع”. يبدو أكثر إنتاجية أن تتخذ نهجًا في البحث عن حلولٍ محدّدة لكل حالة نزاع فردية. وعلى الرغم من أن منطقة الشرق الأوسط لا تعتبر مجال التأثير الجيوسياسي الأساسي للصين (وهو تمييز مخصص لشرق بحر الصين الجنوبي)، إلا أنها أهمية أكبر لبكين من أي وقت مضى. تنظر الصين الآن إليها على أنها امتداد لأطرافها، وتسعى إلى تطوير العلاقات مع دول المنطقة، لتأمين واردات الطاقة، وتأمين الصادرات عبر الطرق التي تمر عبر المنطقة، وعلى المدى الطويل، وزيادة نفوذها الإقليمي وتشريد الولايات المتحدة في الشرق الأوسط. ولكن يجب تقييم آفاق نجاح مشروع طريق الحرير في الشرق الأوسط في سياق السمات والقضايا والتحديات الدينية والثقافية الخاصة بالمنطقة. وتشمل هذه الدين الإسلامي ونظام القيم الثقافية، والفجوات الطبقية الاجتماعية، والمشكلات العرقية والدينية، وتمتد إلى عدم معرفة الصينيين باللوائح المحلية، وكذلك النزاعات العمالية والتجارية.
المفتاح الأساسي لنجاح مبادرة طريق الحرير هو الاستقرار في الشرق الأوسط، وهذا هدف يبدو أنه يتجاوز القدرة الجيوسياسية للصين، فكلما انخرطت اقتصاديًا في المنطقة، زاد تعرّض الصين لعواقب عدم الاستقرار الإقليمي والمحلي. ولضمان نجاح المبادرة، على الصين أن تساهم في تسوية النزاعات في الشرق الأوسط، فهل لديها القدرة على فعل ذلك؛ حتى وإن امتلكت الإرادة السياسية، وهي: “ثقيلة الوزن اقتصاديًا، مع خفة وزن دبلوماسي، ووزن ريش عسكري” في الشرق الأوسط، كما وصفتها دراسة حديثة لمؤسسة راند.
ثالثا، حوكمة المؤسسات: على عكس الاستثمارات من الغرب أو روسيا، غالبًا ما تنظر الدول المتلقية إيجابيا إلى التعاون مع الصين والقروض منها، لأنها لا تأتي بشروط مرفقة. الصين لا تصر على الشفافية أو المعايير الديمقراطية أو التحرّر الاقتصادي كما يفعل الغرب، كما أنها لا تدعو إلى تنازلات سياسية فورية كما تفعل روسيا. الصين ونهجها المتمركز حول الدولة يعزّز الأنظمة القائمة. ومع ذلك، أثبتت أنظمةٌ عديدة عبر أوراسيا أنها غير فعالة وفاسدة، وبالتالي تزرع بذور عدم الاستقرار في المستقبل. علاوة على ذلك، غالبًا ما تكون الصين غير راغبة في الاعتراف بأن الاستدامة والنمو طويل الأجل في أوراسيا (من خلال إنشاء الحزام) يتطلبان إصلاحات مؤسسية.
وتؤكد أمثلة كثيرة من تعامل الصين مع الدول النامية أن القضايا الهيكلية، مثل ضعف سيادة القانون، ونقص القدرة المؤسسية، والمحسوبية المتفشية، أعاقت النمو والتحديث فيها، ففي آسيا الوسطى، يتوقع المسؤولون الصينيون أن يخسروا حوالي 30% من استثماراتهم بسبب الفساد. وفي أحد الأمثلة الأخيرة، أوقف البنك الصيني للتنمية الدولية تمويل بناء خط السكك الحديدية الخفيفة في العاصمة الكازاخستانية نور سلطان، بعد أن بدأت الأموال تختفي. وبما أن الفساد منتشر أيضًا في القطاعين، العام والخاص، في الصين، فقد يكون من الطبيعي افتراض أن المشاريع العملاقة ستشمل مدفوعات جانبية أو رسومًا زائدة من أي من الجانبين.
رابعا، التفاوتات الاجتماعية/ الاقتصادية: من خلال خبرة التعامل الصيني في أوراسيا؛ تدور اهتمامات الخبراء والشعب حول ثلاث قضايا أساسية: يُنظر إلى الاعتماد على الصين أنه يدعو إلى المخاطرة، ويؤدي إلى تفاقم التفاوتات القائمة. التعاون مع النخب المحلية الفاسدة قوّض سمعة الصينيين لدى المستثمرين والمراقبين المحليين. أخيرًا، تكشف تعليقات كثيرة عن شكوك أساسية حول الصين؛ ففي حين أن الصينيين يظهرون على أساس شخصي في أوراسيا، إلا أنه، على المستوى الأوسع، غالبًا ما يكون هناك قليل من المعرفة عن الاستراتيجية الكامنة وراء مشاركة الصين. الافتقار للثقة في نخبهم السياسية يجعل سكانا أوراسيين عديدين يشتبهون في أنهم قد يخدمون الأموال الصينية أكثر من المصالح الوطنية.
المصدر: العربي الجديد