شهدت المحافظات السورية، موجة غضب وسط السوريين نتيجة التلاعب بنتائج ما يسمى «انتخابات مجلس الشعب» في الدورة التشريعية الثالثة، محملين الجهات المعنية المسؤولية الكاملة، كما اعتبروا أن الفائزين في الانتخابات جرى فرضهم أسوة بكل الجولات الانتخابية السابقة، فيما كان اللافت دعوة بعض الخاسرين في الانتخابات رأس النظام السوري للانسحاب من حزب البعث إن فشل في إصلاحه، وذلك نتيجة فساد مسؤوليه وعبثهم بالعملية الانتخابية.
ورصد المرصد السوري لحقوق الإنسان صباح الثلاثاء، وقفة احتجاجية نفذها العشرات من أهالي مدينة حماة، أمام «مبنى المحافظة»، وذلك احتجاجاً واعتراضاً منهم على نتائج انتخابات مجلس الشعب. ولم تكن حماة الوحيدة التي احتج أهلها، بل أن كثيراً من المحافظات السورية، شهدت موجة غضب عبر ناشطوها عن ذلك من خلال مواقع التواصل الاجتماعي.
وقالت مصادر محلية إن مرشحين لمجلس الشعب في الانتخابات النيابية التي أجراها النظام السوري، الأحد الفائت، هاجموا العملية الانتخابية رغم موالاتهم للنظام، ومن بينهم رئيس مجلس الإدارة لدى غرف الصناعة السورية فارس الشهابي، ورئيس حزب الشباب للبناء والتغيير بروين إبراهيم. فقد هاجم الشهابي سير العمليات الانتخابية، ووصفها بالفاسدة، في رسالة موجهة إلى «دواعش الداخل» حسب وصفه، وذلك عبر سلسلة منشورات على صفحته الشخصية عبر موقع «فيسبوك».
لغة البلطجة
ونشر على صفحته منشوراً جاء فيه «مجلس الشعب يسيطر عليه أمراء الحرب و النفط المسروق، وأصحاب الذمم الواسعة وعشائر الخسة والعار، اشترت النفوس والأصوات.. الملايين تم دفعها لإقصاء الفارس وللأسف انتصروا… هذه هي حلب مدينة يمثلها بلطجية لا يفقهون سوى لغة البلطجة». وكتب أيضاً «ندمي الوحيد هو أنني لم انسحب بعد زيارة الرفيق التوجيهية قبل الانتخابات، الرسالة كانت واضحة، إما الطاعة العمياء لمنظومة الفساد المتنامية أو الإقصاء والعقاب..!
حربهم ضدنا كانت علنية أمام الجميع وجندوا لها مليارات النفط المسروق وكل عفاريت الأرض.. ونسي هؤلاء جميعاً أن حلب ليست ملكهم و لن تكون أبداً». وحسب ناشطين، فإن الشهابي خسر لصالح المرشح «حسام قاطرجي» المسؤول عن تهريب النفط للنظام السوري.
كما هاجمت بروين إبراهيم التي تشغل منصب الأمين العام لحزب الشباب للبناء والتغيير، الانتخابات البرلمانية، وتوعدت بالحديث عن «الانتهاكات الصارخة والتزوير الممنهج، للعملية الانتخابية التي تم اختراق نتائجها بإسفاف» خلال مؤتمر صحافي. وفي تسجيل مصور، قالت إن «حزب البعث يتصرف بشكل رافض للمشاركة ولا يملك سوى سياسة الإقصاء، معتبرة أنه لعب دوراً كبيراً في تزوير الانتخابات. كما أصدر الحزب الذي تترأسه بياناً قدم فيه اعتراضاً إلى اللجنة القضائية الفرعية في محافظة الحسكة، يتضمن طعناً بما وصفه نزاهة انتخابات «مجلس الشعب» تحدث خلاله عن تكرار الأسماء وتزوير الناخبين واعتماد الجداول الإسمية من قبل لجان المراكز، فضلاً عن الرشاوى.
وفي حماة، وصف وضاح مراد عضو مجلس الشعب السابق الانتخابات في منشور على صفحته في فيسبوك «بالمهزلة التي وصل إليها المتحزبون الوصوليون»، حسب تعبيره، وكتب في رسالة على صفحته الشخصية، وجهها إلى رأس النظام بشار الأسد، «من خلال مُتابعتي لانتخابات مجلس الشعب بكافة المحافظات وفي حماة خاصّةً وتأكدي بأن المواطنين مدينة وريفاً مقاطعين ولا يوجد أكثر من عشرة آلاف (مدني) حقيقي ذهب للانتخاب! وأنا مسؤول عن كلامي سيادة الرئيس وإن تمّ التحقيق في السجلات المكتوبة في جميع المراكز ومقارنتها بالأصوات سيتّضح لك سيدي الرئيس ما الذي حصل ويحصل ويتم رفعه إليك بأن الأمور بخير.. سيدي الرئيس الأمور ليست بخير والسيد هلال هلال الحاكم بأمر الله هو وزبانيته بجميع أفرع حزب البعث الذين ائتمنتهم أنت كونك الأمين العام لحزب البعث العربي الاشتراكي لم يكونوا أُمناء! لا لك ولا للشعب! نعم».
وأضاف «نرى وفي ظل الحزب والقضاء ووزارة الداخلية ما يُدعى بالناشطين ووكلاء المرشحين والمفروض منهم فقط أن يراقبوا الصناديق والعملية الانتخابية! يراهم الجميع ينشطون ويعطون الناخب أوراقاً لمصلحة مُرشحهم وفي أحيان ممكن أن يدفعوا لهم ! والألعن من ذلك الذين حلفوا اليمين من البعثيين على أن يكونوا مؤتمنين على صناديق الاقتراع».
ودعا مراد بشار الأسد إلى الخروج من حزب البعث، في حال فشله في إصلاحه حيث كتب «نستحلفك بالله بأن تعمل على تنظيف الحزب من الكوادر الفاسدة التي تسيء إليك أولاً وتسيء لسوريتنا أو تنسحب من هذا الحزب إن لم تستطع وكن مع شعبك بدون حزب».
الموقف الأمريكي
في غضون ذلك، أصدر مكتب المتحدثة باسم وزارة الخارجية الأمريكية، مورغان أورتاغوس، الثلاثاء، بياناً تعليقاً على الانتخابات البرلمانية لدى النظام السوري، جاء فيه «أجرى نظام الأسد البارحة ما يسمى بالانتخابات البرلمانية في سوريا. ويسعى بشار الأسد إلى تقديم هذه الانتخابات المشكوك فيها على أنها تمثل نجاحًا ضد الخطط الغربية، ولكنها في الواقع مجرد انتخابات أخرى تضاف إلى سلسلة الانتخابات المفبركة والتصويت غير الحر الذي ليس للشعب السوري أي خيار فعلي فيه». وأضاف «لم تشهد سوريا أي انتخابات حرة ونزيهة منذ استلام حزب البعث التابع للأسد الحكم ولم تكن انتخابات هذه السنة باستثناء على ذلك. لقد اطلعنا على تقارير موثوقة تفيد بأن موظفي المراكز الانتخابية وزعوا أوراق تصويت معبأة مسبقاً بأسماء مرشحي حزب البعث. كما شاعت تقارير كثيرة تحدثت عن الضغط على المواطنين للتصويت ولم تكن حماية خصوصية المصوتين مضمونة. بالإضافة إلى ذلك، لم يسمح للسوريين المقيمين خارج البلاد بالتصويت، على الرغم من أنهم يشكلون حوالي ربع سكان سوريا ما قبل الثورة. وضمن هؤلاء السكان المحرومين من التصويت خمسة ملايين لاجئ فروا من البلاد بسبب الحرب القاسية التي شنها النظام ضد شعبه».
وبيّن أنه وفقاً لقرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254، ينبغي أن تكون الانتخابات في سوريا «حرة ونزيهة» و«تحت إشراف الأمم المتحدة» و»بمشاركة السوريين جميعاً»، بما في ذلك من هم في الشتات. وإلى حين يسمح نظام الأسد وحكومته بهذه الشروط ويلتزمون بها، سينظر المجتمع الدولي إلى هذه الانتخابات المزورة على حقيقتها، أي مجرد محاولة أخرى من النظام ليضفي على نفسه شرعية باطلة ويتجنب تنفيذ العملية السياسية التي يتطلبها قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254.
المصدر: «القدس العربي»