زياد حمامي كاتب سوري من مدينة حلب، قرأت له سابقا رواية قيامة البتول الأخيرة وكتبت عنها.
الخاتم الأعظم رواية كُتبت عام ٢٠١٥م. وهي ترصد ما حصل في مدينة حلب وخاصة حي بستان القصر وانعكاس ذلك على سكانه من تطورات، منذ بداية الثورة السورية عام ٢٠١١م حتى ذلك التاريخ.
تعتمد الرواية التأريخ للحدث من خلال متابعة شخصية د.زين سواء بالحديث بلغة المتكلم، او بصفته راويا، وذلك بخلط مدروس للزمن والأحداث لتخدم الموضوع وتطوراته. كما تعتمد الرواية أسلوب السرد للوقائع كما حصلت مع تداخل مع الحالة المشاعرية لأبطال الرواية، بصفته يعيشون هذه الأحداث. كما اعتمد الكاتب السرد بأسلوب غرائبي مصاحب لكل فصول الرواية، يقصد من خلاله توصيل كثير من أفكاره ورؤاه، المسكوت عنها و المتغلغلة عميقا في شعوره ولا شعوره، بما فيها هواجسه النسائية.
تبدأ الرواية من المظاهرات التي حصلت في حلب وفي حي بستان القصر ومشاركة أهل الحي وشبابه في تلك المظاهرات، في بداية الثورة السورية ربيع عام ٢٠١١م. دون ذكر مجموعة الاسباب التي ادت بالسوريين للخروج في ثورتهم في أغلب سوريا، التي امتدت ووصلت الى حلب. ماذا عن النظام المستبد القمعي الطائفي، الفساد، المحسوبية، المظالم الاجتماعية والسياسية، هيمنة النظام الطائفي على الجيش والأمن وكل مفاصل الدولة لعقود سابقة، وعيش الناس في الخوف والصمت والاستكانة ؟. إلى أن جاءت الثورة.
يتابع الكاتب واقع حراك التظاهر في حي بستان القصر الذي شارك به خيرة شباب وصبايا الحي. محمد وخالد ومريم وغيرهم كثير، وكيف واجهتهم القوى الامنية بالعنف المسلح، حيث استشهد محمد مع آخرين واعتقلت مريم مع الكثيرين، ووثقت كاميرا خالد الذي حصل بكل التفاصيل، وكيف هرب المتظاهرين من موت محقق أو اعتقال نهايته اسوأ من الموت.
يتابع الكاتب ما حصل عبر رصد عينة من سكان الحي منهم د.زين وعائلته وجيرانه وأصدقائه.
د.زين مدرس في جامعة حلب، يكره الظلم، لا ينتمي لحزب النظام ولاشبكة المؤيدين والمنتفعين والانتهازيين. كذلك لم يكن منتميا للمعارضة التي له عليها تحفظات كثيرة؛ رغم موقفه الضمني المعارض للنظام. له رؤيته المتحفّظة على تطور مسار الثورة من جهة العمل المسلح خاصة، و ردّ النظام العنيف عليها.
نستنتج انتصار الكاتب لحال الثورة الأولى في المرحلة السلمية، ورموزها الشباب والصبايا الذين استشهدوا واعتقلوا، حيث استمر يتابع تطورات حال مريم خطيبة ابنه خالد الموثق للثورة، التي اُعتقلت و اختفت، واستمر خالد يبحث عنها حتى نهاية العمل الروابي بعد سنوات على الثورة.
يبدأ الكاتب من تتبع أحداث الصراع الذي سيصبح مسلحا بين المجموعات المسلحة الكثيرة المتوالدة في حلب وريفها. والنظام الذي انسحب من الحي ومن أحياء كثيرة من حلب، وانتقل الى القصف بالطيران والمدفعية والصواريخ، على الأحياء المحررة، دون تمييز بين مجموعات مسلحة أو الناس المدنيين وبيوتهم.
توقف الكاتب عند المجموعات المسلحة المحسوبة على الثورة كثيرا واكد ان اغلبهم من قطاع الطرق والسجناء السابقين وأصحاب السوابق، حيث حملوا السلاح وتحولوا إلى القوة المسيطرة على الأرض في حلب المحررة ومنها بستان القصر.
لقد حصلت عمليات خطف كثيرة، وطلبات فدية، واعتقالات كيدية. بدأ الناس بالتململ والخوف، فهم بين نارين؛ النظام وعنفه وقصفه المستمر، والمجموعات المسلحة وأعمالها التشبيحية … كل ذلك دفع الناس للهروب من حلب الى مناطق سورية اكثر امنا. حيث خليت كثير من البيوت وأصبحت مستهدفة بالسرقة من المجموعات المسلحة، تحت حجج واهية كاذبة، هذا عميل للنظام وذاك مخبر … كما تم سرقة كثير من المعامل لأصحابها الذين غادروا حلب حفاظا على حياتهم.
د.زين حاول الصمود في حيّه بداية واستمر الذهاب الى الجامعة للتدريس، وهناك حصل قصف على الجامعة كانت حصيلته الكثير من الضحايا من الطلبة، النظام اتهم المسلحين، والمسلحين اتّهموا النظام، علما ان الجامعة كانت بؤرة نشاط ثوري سلمي، وضاع دم الطلاب المهدور.
لم يستطع د.زين وعائلته احتمال الوضع في حيّه بعد أن هرب أغلب ساكنيه، وقرر الذهاب الى الساحل السوري، فقد كان منطقة آمنة، لكونها منطقة حاضنة النظام العلوية، هناك رأى الكثير من النازحين مثله. البعض استطاع استئجار سكنا له، والاغلب مشردين في العراء يملؤون الشوارع، يستعطون لقمة خبز وملبس ومأوى.
يحمل د.زين رؤية خاصة للأحداث والعنف المتبادل ويرى أنها تضر بالنظام والمعارضة والشعب السوري معا. كان يرى أن هناك حلا ثالثا للصراع الصفري بين الأطراف، حيث الخاسر الوحيد فيه هم الناس، كان يرى التعايش والسلام الاجتماعي والقبول المتبادل هو المخرج، متغاضيا أو صامتا عن أصل المظلومية المجتمعية العامة التي تطال أغلب المجتمع السوري بغض النظر عن دينه وطائفته، وأن الطائفية -إن وجدت- فهي نتاج سياسة النظام والتمييز والظالمة .
قرر د.زين زيارة أخواله في قرى الساحل العلوية فوالدته علوية ووالده سني المذهب من حلب، مع ما يشكّله ذلك من خطورة عليه . الاصطفاف الصراعي في سوريا بين النظام وحاضنته الشعبية العلوية من طرف واغلبية الشعب بطائفته السنية لا يحتاج إلى بيان، خاصة بعد تطور الحرب على الشعب السوري. غامر وذهب استقبلوه، أغلبهم في الجيش والأمن، مسكونين بالارتياب والخوف والحقد، أظهروا له التفافهم المطلق حول النظام وأنهم يخوضون معركة وجود وغير مستعدين للتنازل ابدا.
عاد يحمل خيبة ورؤيا ان الامور تسير الى مزيد من السوء.
في الساحل حيث يلتجئ استدعاه المسؤولين ليكون وسيطا بين النظام والمسلحين في بستان القصر، لإنقاذ مخطوفين عند المسلحين محسوبين على النظام في حيّه بستان القصر، حاول ولم ينجح. أصبح مستهدفا من النظام واعتبرته من المعارضة ويجب محاسبته. كذلك المسلحين الذين اعتبروه يخدم النظام. التقط د.زين الاشارة والخطر على حياته وحياة عائلته، لذلك قرر الهروب بعائلته إلى لبنان، تاركا ابنه الأكبر خالد يوثق الأحداث بكمرته، ويستمر باحثا عن خطيبته مريم.
استعان د.زين بصديق له لبناني مازال وفيا له منذ دراسته الجامعية في بيروت منذ عقود. استطاع تهريب أولاده مجد ومهند المطلوبين للجندية بشكل غير نظامي، لرفضه أن يكونوا جزء من المقتلة السورية. غادر إلى لبنان، استطاع الحصول على سكن متواضع. لكنه فُجع بتواجد الكثير من المخيمات للسوريين موزعة في كثير من المواقع. السوريين الذين لاقوا معاملة سيئة من الدولة اللبنانية ومن غالبية الشعب اللبناني للأسف. اللاجئين الذين وصلوا الى مليون ونصف في وقت من الأوقات. عاش د.زين في لبنان أكثر من سنة، وهناك أدرك أن القضية السورية تسير نحو الاسوأ، وأن السوريين هناك يعيشون حياة الذل وموت غير معلن وظلم. توج ذلك مجيء شتاء قارص وثلج كثيف ادى لسقوط الخيام على رؤوس ساكنيها، وموت الكثير من الناس نتيجة البرد والثلج وغياب التدفئة، شارك مع آخرين في الإنقاذ وانتشال الموتى ودفنهم، لقد عايش الذل والهوان السوري في لبنان. كما تابع انتقال شرارة الصراع من داخل سوريا الى لبنان. لبنان وسوريا كانوا دوما في مركب واحد، السوريين نظام وشعب حاضرين دوما هناك. لقد التحق الكثير من اللبنانيين في صفوف المسلحين السوريين، خاصة من حي باب التبانة السني في طرابلس، وكذلك التحاق المسلحين العلويين بصفوى النظام من حي جبل محسن في ذات المدينة.
لقد كان واقع السوريين في لبنان والمظلومية التي وقعوا ضحيتها وراء قرار د.زين بمغادرة لبنان وعائلته الى اسطنبول في تركيا، حيث كان ذلك سهلا وميسرا في سنوات الثورة السورية الأولى.
وصل د.زين وعائلته الى اسطنبول وبدأ بالتواصل مع كثير من اصدقائه، بعضهم تجار نقلوا أعمالهم وجارتها الى تركيا، وبعضهم سياسيين محسوبين على المعارضة. واكتشف ان الكل محكوم بقاعدة الخلاص الفردي. بعد أن خسر السوريين سوريا. خسر اغلبهم أنفسهم.
في إسطنبول استمر د.زين يتابع التطورات في سوريا من خلال متابعة اخبار ابنه خالد الذي مازال مستمرا في بحثه عن مريم. حيث ذهب متابعا الصراع بين القوى الدولية التي أعلنت حربها وقتها على ارهاب داعش وقاتلت دفاعا عن عين العرب. في ذات الوقت لم يتوقف د.زين وعائلته البحث عن فرصة لجوء الى احدى الدول الاوروبية مثل المانيا . لكنه اصطدام بغلاء أسعار التهريب وخطورته مع ما صاحب ذلك من نصب واحتيال. وأن الأولوية للأطفال والنساء في قبول الدول اللجوء إلى هناك. مما دفع الكثير من العائلات إلى المغامرة بركوب البحر مع مهربين فاقدي الضمير، ممن يبحثون عن المال ولو كان الثمن موت الناس غرقا في البحر أو ضياعا وموتا في غابات أوروبا الشاسعة. كما حصل ما هو اسوأ من ذلك وهو خطف الأطفال والمتاجرة بهم وبيع اعضائهم في سوق نخاسة عالمي.
لم يستسلم مجد ابن د.زين للعيش في تركيا، بل قرر العمل سرا للانتقال إلى أوروبا. تواصل مع أحد المهربين الذين تكاثروا جدا في تركيا على حساب الهروب السوري إلى أمان منتظر في أوروبا. غادر بيت أهله دون علمهم، غامر بالركوب في مركب مع آخرين بوجود مهرب بينهم. تعطل المركب في عرض البحر، اختفى المهرب، بدأت الأمواج تضرب المركب، والناس خافوا واضطربوا، اغلبهم نساء واطفال وشيوخ، تحطم المركب. حاول مجد مساعدة البعض، ثم توجه للشاطئ طالبا للنجدة، وصل قبل الغرق بقليل، حضرت النجدة، غرق العشرات وانقذ القليل، منهم مجد…
في مسار آخر لم يتقبل د.زين ان يترك ابنه خالد وراءه باحثا عن مريم في عين العرب، ترك عائلته وراءه في اسطنبول، بعد لجوء مجد إلى أوروبا، وعاد ادراجه الى عين العرب باحثا عن خالد ومريم. لعله يعثر عليهم ويستعيدهم معه إلى اسطنبول. غامر كثيرا، كانت عين العرب تحت وابل من النار من النظام والتحالف الدولي، الدمار والنار والقتل يطال كل الناس وكل شيء. وصل إلى عين العرب لكنه أصيب وقتل هناك، لعله يلتحم بثرى يضم ابنه خالد وحبيبته مريم، التي كان يبحث عنها، مريم التي ترمز فيما ترمز إلى سوريا المفتقدة والسوريين المظلومين الضحايا…
هنا تنتهي الرواية.
في التعقيب عليها اقول:
لقد نجح الكاتب في الخلط بين العام المعاش في سوريا سنوات الثورة الأولى في حلب وما عايشه السوريين في نزوحهم الداخلي والى الخارج في لبنان كنموذج، كذلك تركيا ومحاولة الخروج إلى أوروبا والمغامرة في ركوب البحر الذي يُغرق السوريين دون رحمه. من خلال طرح كل ذلك عبر ابطال الرواية بكل تنوعهم مع طرح وجهة نظره في الحدث بحيث لم يكن مجرد شاهد، بل يقدم أطروحته التي تدين الحرب، مهما كانت أسبابها. حيث يدعو بطل الرواية الى انتصار الانسانية، ودعت الى الطريق الثالث الذي يتآخى مع العدالة والمساواة والحرية.
الحساب الختامي لما حصل في سوريا بعد ثلاثة عشر عاما على انطلاقة الثورة، مأساة على السوريين كلهم، مليون شهيد، ومثلهم مصابين ومعاقين، ١٣ مليون إنسان مشردين داخل وخارج سوريا، أكثر من نصف سوريا مدمر، ساهم في صنعها النظام وحلفائه، كذلك صمت أمريكا والغرب عمّا حصل في سوريا…
عار يجلل العالم كله في سوريا …
نكبة السوريين فاجعة العالم …
رواية “الخاتم الأعظم” للروائي السوري “زياد حمامي” قراءة جميلة وتعقيب موضوعي من الكاتب “احمد العربي” الرواية ترصد ما حصل في مدينة حلب وخاصة حي بستان القصر وانعكاس ذلك على سكانه من تطورات، منذ بداية الثورة السورية عام ٢٠١١م حتى 2015 تاريخ كتاب الرواية.