عبد الاله بلقزيز. باحث مغربي في الشأن السياسي والفكري والتاريخي العربي. له مؤلفات عدة.
* كتاب الفتنة والانقسام، هو الجزء الثاني المكمل لكتابه تكوين المجال السياسي الإسلامي النبوة والسياسة، وهو يغطي المرحلة الممتدة من لحظة وفاة الرسول ص الى استتباب السلطة السياسية بيد معاوية بن أبي سفيان، وبداية المرحلة الأموية والملك الوراثي العضوض، عند انتهاء ما سمي الخلافة الراشدة.
* الكتاب يعمل على مستويات عدة ، سياسي و ديني واجتماعي واقتصادي، مغطيا كل العوامل التي رافقت هذه المرحلة التاريخية المهمة، والتي صنعتها ايضا، مستفيدا من اغلب المراجع التاريخية والمعاصرة حول الموضوع الذي يتناوله.
* يتوقف الباحث عند لحظة وفاة الرسول ص وكون الصحابة في حالة من الذهول بين مصدق ومنكر لوفاته، و كونهم مرتبكين حول كيفية إدارة الحكم بعده، وخاصة انه لم يترك آلية للحكم يعتمدونها بغيابه، وأنه لا يوجد صيغة نصية من القرآن أو حديث تحدد طريقة الحكم وآليتها بعده، لذلك كان الجميع مرتبكا، ويبحث حول من يحكم ؟، وما هي اهليته ؟، وما هي شروط الحكم وآلياته ؟،
* تداعى الأنصار إلى الاجتماع في سقيفة بني ساعدة، و تداولوا بشأن وفاة الرسول ومن يجب ان يخلفه، وحضر معهم ابي بكر وعمر وأبو عبيدة بن الجراح، واكد الانصار حقهم بأن يكون الخليفة منهم، خاصة أنهم من آوى الرسول واحتضنه، لكن ابي بكر أكد لهم أن الخلافة يجب ان تكون في أصحاب الرسول من قريش، بسبب فضل قريش وحضورها عند العرب، وأكد لهم أن من قريش الامراء ومن الانصار الوزراء، ووافق الأنصار على ذلك ولو على مضض لعدم توحد موقفهم ممثلي قبيلتي الأوس والخزرج، وبادر عمر ابن الخطاب فبايع أبا بكر في السقيفة وكذلك أبو عبيدة ابن الجراح وتبعه الأنصار، وتم تأكيد البيعة في اليوم الثاني بيعة عامة في مسجد رسول الله، رغم تخلف علي بن أبي طالب وبعض الصحابة عن البيعة في نفس الوقت.
* ان أول مشكلة واجهت صحابة الرسول في تحديد من يخلفه بكيفية تحديد ذلك، خاصة أن الصفة الدينية كنبي مرسل من الله قد ألغيت بموت النبي محمد ص، وأصبح الخليفة واحدا من الصحابة ودورة دنيوي مباشر، عبر التوافق مع بقية الصحابة وعموم المسلمين، وهذا اعاد حال المسلمين لواقعهم الاجتماعي الاصلي، كمهاجرين أوائل وأنصار وقريش خاصة بعد الفتح و قبائل طرفيه التحقت بالولاء للإسلام والرسول والرسالة متأخرين وخاصة بعد فتح مكة، لذلك كان التوافق على أبو بكر هو توافق على السابقة الدينية وصحبة الرسول، وكونه من قريش العصبية الاكبر والاقوى في الجزيرة العربية، ومع ذلك هناك من أعتقد بان الأحق بالخلافة هو علي بن ابي طالب لكونه الاقرب للرسول، ومن بني هاشم التي تمثل مع الأمويين بني عبد مناف القبائل الاقوى وسادة قريش، حاول البعض خاصة أبو سفيان الأموي ان يلعب على هذا الوتر مع علي بن أبي طالب لكنه فشل، وبقي طموح الأمويين كسادة قريش قبل الاسلام ان يعودوا سادة المسلمين وهم في الاسلام جمرة تحت الرماد.
* كان استتباب الحكم لأبي بكر متوقعا، خاصة انه الاقرب للرسول، وأنه اعتمد على مجموع الصحابة المحيطين حول الرسول وجعلهم خاصته ودائرة الرأي عنده، وكذلك كون الخلافة مهددة بالتلاشي، خاصة ان القبائل الطرفية قد بدأت بالتمرد ورفضت دفع الزكاة وبعضهم تنبأ كمسيلمة الكذاب وغيره، وكانت كلها مؤشرات للعودة لواقع ما قبل الدولة التي بناها الرسول من حيث الولاء والتبعية ودفع الزكاة كمؤشر على السلطة المركزية الواحدة، وكان رفض أبي بكر المطلق التنازل عن دفع الصدقة، وإرسال الجيوش لمحاربتهم على أنهم مرتدين ، دفاعا واقعيا عن الدولة وليس عن الدين، واعادة الكل الى الطاعة والتبعية والالتزام بدولة المدينة، ادى ذلك الى ترسيخ الدولة الاسلامية، وتجاوز احتمال اندثار التجربة الإسلامية وحصرها في المدينة ومكة ودخولها في التآكل الذاتي.
* كانت مرحلة حكم أبي بكر قصيره، ثبت أركان الحكم ووحد أصحاب الرسول حول دولتهم في مواجهة الردة، دفع بطلائع جيوش الفتح خارج الجزيرة العربية، التي أعطت لكل هدفا يتم التحرك له، وخروج المسلمين من خصوصيتهم الجغرافية التي يعيشون فيها وهي الصحراء وفقرها وقلة مواردها الى الاطراف خاصة العراق والشام، حيث الخير والوفرة وفرص نشر الاسلام ايضا.
* عندما مرض أبو بكر مرض الموت جمع صحابة رسول الله الاقرب إليه وطلب منهم مبايعة عمر بن الخطاب ، على أن يكون خليفة للمسلمين بعده وكان له ما أراد، رغم أن هناك من كان يعتقد انه الاحق كعلي بن أبي طالب، لكنه مرة اخرى التزم بمطلب الأغلب الذي تجاوب مع ما أراد أبو بكر وأصبح عمر بن الخطاب خليفة وأميرا للمؤمنين، كانت فترته الأطول والأكثر توسعا في دولة الإسلام، شملت بلاد الشام والعراق ومصر، وفيها توسعت أملاك الخلافة وأموالها، وفيها حصل تطور نوعي سواء في التعامل مع الأرض الزراعية الخصبة المفتوحة كأرض أصبحت مملوكة للدولة ويعاد ريعها للمسلمين، وتوظيف هذا الريع في تحويل الفاتحين الى صيغة عسكرية نظامية كجيوش ملتزمة، وكذلك تثبيت الدواوين والاستفاده من نمط الادارة في البلاد المفتوحة، ومجيء الثروات الخيالية، وبداية تشكيل طبقة غناء فاحش، وتجاوز شظف العيش، كل ذلك والمسلمون منشغلين بالفتوحات و نمط الحياة الجديد وتبعاته عليهم.
* كان اغتيال عمر بن الخطاب على يد أبي لؤلؤة، تغيرا نوعيا مفاجئا، استدعى من عمر ان يختار مجموعة الستة كهيئة شورى يختار منها الخليفة الجديد، ووفق آلية محددة، وهم عثمان وعلي وطلحة بن عبيد الله والزبير بن العوام. وعبد الرحمن بن عوف وسعد بن أبي وقاص، ومن ثم التوافق على عثمان بن عفان، الذي أعاد مشكلة الحكم في الخلافة لأصلها، حيث عاد بني أمية عبر عثمان الأموي لـ يحاولوا الهيمنه على الدولة وتجييرها لهم كعصبة قويه ومركزة وتغلغلها في الدولة وفي مسؤولية ولايات البلدان، كالشام ومصر والكوفة والبصرة بشكل أساسي، وهذا أخذ يظهر مقترنا مع طريقة تعامل عثمان مع المال العام وأملاك الدولة، كملكية لعثمان أو عماله في الامصار، مما ألب عليه المسلمين خاصة بعض الصحابة الاوائل كأبي ذر الغفاري وعمار بن ياسر والمقداد بن الأسود.. الخ، وكذلك القرّاء من حفظة القرآن وممن وجدوا بسلوك عثمان وعماله خروجا عن نهج النبي وأبو بكر وعمر بعده مما دفعهم لمطالبة عثمان بالتغيير، عثمان الذي كان يستجيب للمطالب تارة ويتراجع تارة أخرى و ظهر كرجل دولة متردد، حيث يتحكم في قراراته اقرباؤه من الأمويين الذين هم عماله على البلدان، مثل مروان بن الحكم ومعاوية بن أبي سفيان وسعيد بن العاص..الخ، وهذا أدى لخلق حالة غياب الثقة وبداية صراع تراكم ليصل أخيرا لاغتيال عثمان كأسوأ حدث في الخلافة، الذي كان مقدمة الاختلاف والصراع وبداية انتهاء الحكم الراشدي.
١٧ . ٩ . ٢٠١٦م.
كتاب “الفتنة والانقسام” بالجزء الأول من قراءة كتاب الباحث “عبد الإله بلقزيز” وهو الجزء الثاني المكمل لكتابه “تكوين المجال السياسي الإسلامي” قراءة جميلة وتعقيب موضوعي من الكاتب “احمد العربي” كتاب عمل على مستويات عدة، سياسي و ديني واجتماعي واقتصادي، مغطيا لعوامل عديدة رافقت مرحلة تاريخية مهمة بعد وفاة رسول الله والخلافة.