قراءة في رواية: خطوة واحدة فقط

أحمد العربي

حسام السفان روائي وشاعر وناقد سوري، من مدينة دير الزور. له العديد من الروايات والكتب النقدية، كما أنه حاصل على العديد من الجوائز الأدبية على انتاجه…

خطوة واحدة فقط روايته التي نكتب عنها حصلت المركز الأول في مسابقة الخطلاء الكويتية لعام ٢٠٢٣م…

تعتمد الرواية لغة المتكلم في سردها على لسان الشخصيتين الأساسيتين فيها امجد ومصطفى. وهي رواية تعتمد الحوار الذاتي واسترجاع الذاكرة وأمل في المستقبل يسكن المخيلة لدى أبطال الرواية…

تبدأ الرواية من لحظة مصيرية حرجة يعيشها امجد ابن الدير الذي كان من فريق اعدام مجموعة من الشباب حيث كان المطلوب اعدامه أمامه صديق عمره وزوج اخته مصطفى. الأمر من أصحاب “الرايات السود” وعليه التنفيذ. وإمامه القليل من الوقت ليوثق صديقه مصطفى بحيث يستطيع فك وثاقه لاحقا. وأن يفهمه بلغة العيون أنه لن يصيبه باطلاق النار. لكنه يجب ان يتصرف وكأنه مصاب ويسقط على الارض. بجوار نهر الفرات حيث الإعدام سيحصل على شطه. ويقذفه بالماء وامامه ٢٠٠ ثانية ليفك وثاق نفسه ويخرج حيا. هكذا قرر امجد ان ينقذ صديقه وقريبه مصطفى…

 أطلقوا النار وسقط مصطفى في الماء وها هو امجد ينتظره هذه الثواني ليخرج من الماء لكنه يتأخر. وسرعان ما يلقي امجد نفسه بالنهر ليبحث عن صديقه على عمق أكثر من ثلاثين مترا حتى يساعده وينقذه…

الحدث الروائي هذا هو وامجد يغوص عميقا. يبحث ويصل الى لحظة الغرق والموت مع صديقه مصطفى. لكن في آخر لحظة يس امجد أن مصطفى يعيد إليه نفس الحياة على انغام اغنية يدندنها مصطفى…

في هذه الدقائق السابقة للإعدام والتي تليه وحيث ينتظر أمجد مصطفى لينقذه من ماء نهر الفرات. ثم وهو يبحث عنه في قاع النهر. يستعيد امجد حياته كاملة مع مصطفى وفي مدينة دير الزور وعلاقة العشق بنهر الفرات وحياتهما المشتركة. امجد ومصطفى اصدقاء ومن سن واحدة. يعيشان بجوار نهر الفرات. علاقتهم به علاقة وجدانية عميقة. مصطفى اكثر جرأة واندفاعا وثقة بالنفس. تعلموا السباحة بالنهر. وجلسوا بجاره كثيرا. تحت ظلال الاشجار وكانوا يعشقونه واصبح مع الزمن جزء من ذاتيتهم. المترعة حبا للدير والفرات والشاي والغناء المتميز لكثير من المطربين…

تزوج مصطفى من اخت امجد وانجب منها طفلة وزوجته حامل بجنين. اما امجد فهو يعيش مع والديه واختيه الصغيرتان. عندما حصلت الثورة السورية ووصلت لدير الزور كان مصطفى وامجد من الشباب الذين شاركوا بها في التظاهر. وعندنا تغيرت الاجواء وجاء أصحاب الرايات السود، قرر امجد أن يصطحب والده ووالدته وأختيه ان يذهبوا إلى تركيا هربا للنجاة بأرواحهم لحماية العائلة. لكن على الحدود اصيبت والدة امجد بطلق ناري من حرس الحدود وسرعان ما ماتت. عاد أمجد حتى يدفن والدته في حديقة بيتها. وتابع والده واختيه طريقهما في الغربة…

اما مصطفى فقد رفض اللجوء والمغادرة. وبقي مع زوجته الحامل وامه وطفلته. وقرر ان يعيش متخفيا في الدير حتى يفرجها رب العالمين. وعندما عاد أمجد ودفن امه في الدير عاش مع صديقه مصطفى واخته. ولكي يستطيع دوام العيش في الدير اضطر ان يبايع اصحاب الرايات السود. ولو تقية ليحمي نفسه. اما مصطفى فرفض…

كان للعيش في الدير ايام سيطرة أصحاب الرايات السود منعكسات سيئة اسوأها الحصار الذي فرض على الدير. وجعلهم يتضورون جوعا. مما دفع مصطفى ليغامر للخروج من الدير عبر السباحة بهر الفرات والحصول على الغذاء وان يعود ليطعم عائلته امه وزوجته الحامل وطفلته الصغيرة. كانت مغامرة نجح بالذهاب وعندما عاد قبض عليه أصحاب الرايات السود. يحمل ربطة خبز. وحاكموه بالردة وحكموا عليه بالقتل…

كان امجد بعد مبايعته لاصحاب الرايات السود. قد أصبح من فريق الاعدام. وكانت مهمته أن يعدم قريبه وصديق عمره مصطفى…

تتمة الحكاية أصبحت معروفة… وحتى نهايتها قد ذكرتها بداية. وهناك احتمالين. الأول هو غرق مصطفى وامجد في قاع الفرات. او انقاذ مصطفى لامجد ولا نعلم كيف. فالمفروض ان امجد هو من ينقذ مصطفى…

في التعقيب نقول:

الأهم في الرواية هو هذا التحفز والقلق النفسي الذي عاشه مصطفى والذي انتقل إلي كقارئ بحيث صرت اتوق للوصول الى نهاية للحدث الذي يقبض على أنفاسي وأن ينقذ الغريقان.

كذلك هذا الوله والحب لمدينة دير الزور ونهرها وأشجارها واجواءها وجسرها المعلق.

لقد قالت الرواية بصفحاتها القليلة ماذا يعني أن يكون لك وطن. وان وطنك هو حيث تعيش وتعايش وتحب وتكبر وينزرع في ذاتك وخيالك كل معاني  وجودك ومحتواه جيده وسيئه. ونفهم ماذا يعني أن تخسر كل ذلك عندما تغادر حيث عشت. أو تخسر من احببت او من تعايشت معهم. خاصة من غير وجه بالقتل بالصواريخ والطائرات والبراميل المتفجرة. أو إعداما على يد أصحاب الرايات السود. إنهم تنظيم الدولة الإسلامية داعش…

الرواية لا تغوص عميقا بواقع سورية الذي صنع الثورة السورية عام ٢٠١١م. لكن تومئ إلى خروج الناس ثائرين ضد الظلم الذي كانوا يعيشون به. وأن النتائج كانت قصف وقتل وتدمير، وتتحرر دير الزور على يد أبنائها. وأن مجيء داعش لتغتصب دير المحررة، وتجعل الحياة فيها جحيما. ثم لتقع تحت الحصار ويتم طرد داعش على يد التحالف الدولي وامريكا أخيرا، لتعود الدير جزء من المشروع الأمريكي وسيطرة حزب العمال الكردستاني الانفصالي. وتدخل طورا آخر…

اختم بالقول اننا وبعد مضي ما يزيد عن عقد على ثورتنا اصبحنا على اطلاع عما عشناه قبل الثورة واثناءها الى الان. اما ما ابدعت به هو هذه الحميمية في استعادة الحدث الذي يعرفه الكثيرين منا. لكن من جانب نفسي ذاتي وجودي انساني مترع بالحب والوفاء والانتماء والأصالة. بحيث تجعل قضيتنا السورية اكثر حضورا بصفتها قضية عادلة وإنسانية …

نعم ثورتنا قامت من اجل حرية الانسان وكرامته وحقه بالعدالة والديمقراطية والحياة الأفضل…

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

  1. رواية “خطوة واحدة فقط” للروائي والشاعر الناقدة”حسام السفان” قراءة جميلة وتعقيب موضوعي من الكاتب “احمد العربي” رواية تسرد قصة شابين “امجد ومصطفى” من دير الزور، تعتمد على الحوار واسترجاع الذاكرة وأمل في المستقبل يسكن المخيلة، ليكون أمجد من ذو الرايات السوداء عليه تنفيذ الإعدم بصديقه مصطفى.

زر الذهاب إلى الأعلى