قراءة المجموعة القصصية: وجوه متعددة للحب

أحمد العربي

رزان نعيم المغربي كاتبة ليبية مهاجرة الى هولندا. مجموعتها القصصية وجوه متعددة للحب. الصادرة عن دار السراج الليبية هي أول عمل أدبي اقرؤه لها.

سأعتمد في قراءتي المجموعة القصصية: وجوه متعددة للحب معتمدا الإضاءة على القاسم المشترك بين القصص ملتقطا الخط العام للمجموعة. و هدف الكاتبة ورسالتها التي تود أن توصلها لنا نحن القراء…

إن السرد في المجموعة يظهر على لسان الراوي المتابع  لأبطال قصصه في واقعهم المُعاش وأغلبهم من المهاجرين والمغتربين و الهاربين من بلادهم إلى أحضان أوروبا. وهولندا هي البلد المقصود في المجموعة القصصية.

 كما أن المجموعة تتحدث عن الرجال والنساء وتسبر أغوارهم . وهي تتابع معيشتهم بصفتهم أفرادا مسكونين بهواجسهم الشخصية واحساسهم بغربتهم ووحدتهم . مع محاولاتهم ان يجدوا الاخر الشريك الإنساني لتحقيق إمكانية العيش السوي في الحياة. الشريك صديقا وحبيبا وعلاقة ود وبوح وقرب يطرد برد الغربة وفراغ الحياة ومعناها عندما لا يجد المرء إلا ذاته يتصافى معها في صراع نفسي حول ما عاشه وما يعيشه وما سوف يعيشه لا نهاية له. حيث يعيش اللاجئ الغريب محاولة دؤوبة لصناعة حياة جديدة و معنى لوجوده على كل المستويات.

لذلك نرى المقهى المكان الذي يتوجه له اللاجئ الغريب. بحثا عن فنجان قهوة او شاي كسسب مباشر لادمان محبوب. وبالعمق يكون المقهى ذلك المكان الذي يعيد بعض الوطن المفقود وبعض العائلة وبعض الحب المفتقد أو المطلوب لتجاوز احساس الضياع في هذه الجنة الجديدة. او بحث عن صديق لعله يشكل مرفأ علاقة تعطي للحياة معناها عبر الصحبة والتفاعل .

الوطن المصاب الغائب الحاضر لا يتم التحدث عنه. لعله جرح قديم تود أن يندمل وتطلب ان تنساه. يحضر عبر صراعات وخلافات القوى المتحكمة فيه. لم ارى اي اثر لليبيا الشعب والثورة وإسقاط استبداد دام لعقود في المجموعة. لعل المعاش الان بعد عقد وأكثر على الثورة الليبية بما فيه جعل ابنة ليبيا تنسى واقع ما كان وما أقرب اليوم من البارحة.

القصص كلها تدور حول رجال ونساء في الغربة يبحثون عن علاقة يشعرون من خلالها أنهم ليسوا وحيدين في هذا العالم وأنهم بتواصلهم مع الاخرين يعيدون اعطاء حياتهم معناها ومضمونها الإنساني. يحاولون ان يزرعوا وجودهم سواء بالعمل او التعلم، وإتقان لغة البلاد التي هاجروا اليها. هم فنانون وكتاب ومن كل الاصناف رجال ونساء يعيدون نسج الوطن الغائب في حياتهم، الحاضر في وجدانهم. سيلتقون كعرب من بلاد الأوجاع التي طردت أبنائها وكانت هولندا وأوروبا مأوى جديد يعيدون به بناء حياتهم التي فقدوها في أوطانهم…

العلاقات المنسجوة في القصص كلها تبدو في بداية تشكلها. بذرة تزرع في أرض الغربة  متروكة لاحتمالات تطورها وتحولها من لقاءات عابرة الى علاقات مستمرة ، وقد تبقى عند حدود التعارف…

المرأة بصفتها الإنسان المظلوم في معادلة العلاقة المجتمعية والأسرية في أغلب المجتمعات العربية. حاضرة في المجموعة القصصية. المرأة الأم التي تحوف العائلة والمرأة الزوجة التي قد تكون ضحية زوج ظالم تنجب الأولاد تتحمل حياتها. تقع ضحية علاقات النساء المتخلفة زوجة – حماة. ورجال غير ناضجين واسوياء وتكون المرأة وأطفالها ضحية اغلب الوقت.

إن واقع المرأة العربية يحتاج أن يتم معالجته ضمن احترام انسانيتها وحقوقها كاملة وأن تنصف من المجتمع …

ننتهي من قراءة المجموعة القصصية محملين بـ أحاسيس متنوعة لقد عشنا واقع الغربة. ونحن ايضا مغتربين و نفهم ونتفهم رسالة الكاتبة في قصصها.

الحياة مستمرة والإنسان مهما يحصل معه في بلاده حيث المظالم بلاد الاستبداد والثورات المنصورة و المنخورة والمسروقة والمتحولة الى استبداد جديد. او بلاد استبداد قاتل استباح البلاد والعباد قتل وشرد الشعب ودمر البلاد، كما واقع حالنا نحن السوريين…

لذلك كان اللجوء والهروب الى اوروبا “جنة الأرض” بالقياس ببلادنا. كان الهروب واللجوء الحل الأخير في مواجهة استباحة انسانية او موت محتمل و حتمي في بلادنا المنكوبة…

 من يصل إلى أوروبا ويعيش في أمان نفسي واجتماعي يعيد بناء حياته من الصفر. لا يستسلم الانسان ابدا ، يبدأ من جديد دوما. باحثا عن الحب والصحبة وبناء أسس حياة جديدة مستمرة. متجاوزا كل ما عاشه. الأهم عند انسان الغربة أن يركز على ما يجب أن يفعله ليصنع حياة أفضل تليق به، وأن يكون ممتلئا نفسيا باحساسه بكرامته وعيشه الكريم وأن يصنع استمراره وان يكوّن اسرة ويستمر عبر ابنائه وابنائهم خالدا في الوجود…أو هكذا يجب أن يكون.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى