أسفرت الانتخابات الأخيرة لرئاسة (ائتلاف قوى الثورة والمعارضة) السبت الماضي11تموز/يوليو 2020 عن معادلة جديدة، إذ فاز نصر الحريري برئاسته وحل محل أنس العبدة الذي بدوره حل مكان الحريري برئاسة (الهيئة العليا للمفاوضات) في الانتخابات التي جرت منتصف حزيران/ يونيو الماضي، الأمر الذي أثار الاستياء والسخرية المرة والهزء على نطاق واسع بين السوريين الذين أداروا ظهورهم منذ زمن بعيد لهذه المؤسسات المحسوبة على المعارضة والثورة، نتيجة فشلها وعجزها عن انجاز شيء ذي قيمة من مطالب شعبها وأحلامهم، وتطلعاتهم المهدورة والمنتهكة.
لعبة تبادل المواقع التي جرت في قمة الائتلاف وهيئة التفاوض تشبه في الواقع لعبة الكراسي الموسيقية التي يلعبها الأطفال، وتضع هذه المجموعات المحسوبة على المعارضة السورية برمتها تحت الملاحظة وفي دائرة الاتهام، ببنيتها وأفرادها، وآليات اتخاذ القرار داخلها، وتسلط الضوء مجددًا على مراكز القوى فيها، والتي لم يعد خافيًا على أحد ارتهانها وتبعيتها للأجندات الدولية الخارجية، وخضوع كتل عديدة منها لإملاءات الممولين، الذين لا صلة لهم ولا لها بمصالح الشعب السوري، ولا يمثلون ثورته العظيمة وأهدافها.
لقد انتفض الشعب السوري وثار على نظام استبدادي شمولي حوّل النظام الجمهوري نظامًا وراثيًا عائليًا فاسدًا واقطاعيًا، وطالب الحراك الشعبي والثوري منذ اليوم الأول عام 2011 بالحرية والتغيير، وبالأخذ بالخيار التعددي وفق النهج الديمقراطي القائم على الانتخابات الحرة والشفافة والنزيهة، وها هو شعبنا بعد عشر سنوات من الثورة يواجه معارضة تمت صناعتها وتصميمها، على عجل، على مقاس الأجندات الإقليمية والدولية المتدخلة في الشأن السوري، وهي من جنس النظام وتشبهه، في السلوك وازدواجية الخطاب واغتصاب تمثيل الارادة الشعبية، وتزييف الوعي الجماهيري، مما يثير الألم والغضب والاستنكار الشديد، وبالقدر نفسه القرف والاشمئزاز، من هؤلاء، ومن انتخاباتهم القائمة على المحاصصة والشللية والفساد السياسي.
حالة المعارضة الراهنة تكشف عن عللها التي لا برء منها، وتؤكد أنها يمكن أن تصلح لأي شيء سوى تمثيل إرادة الثورة ومصالح الشعب السوري والتعبير عنهما، وهي ذات بنية معتلة منذ أن تخلقت وتكونت، ولذلك فهي من نوع فالج لا تعالج كما يقول المثل، عصية على التغيير أو التحسن والبرء، مهما حاولت، مرة بإجراء بعض التوسعة وإضافة مكونات مستوردة أو مصنعة، ومرة، أو مرات ومرات، بتغيير وجوهها وملامحها.
الحالة الأخيرة يمكن تشبيهها بالحالة الروسية بين القيصر فلاديمير بوتين وديمتري ميدفيديف رئيس وزرائه اللذين تبادلا الرئاستين الأولى والثانية في النظام الروسي التفافًا على الدستور والاستحقاقات السياسية، ما أثار السخرية منهما وعلى هذه القدرة التي يتمتعان بها في التجاوز على القانون، أو الدستور، الذي تم انتهاكه أكثر من مرة تشبثًا بالسلطة والزعامة والمصالح والولاءات.
لا يكفي ما سبق، إذ شهدت انتخابات الهيئة السياسية أيضًا ما يدعم اليقين بأن هذا الائتلاف بكل سلوكياته يعكس صورة نمطية لسلوك الانظمة الاستبدادية والفئوية التي يفترض أنه تأسس لكي يعارضها ويناهضها ويناضل لإسقاطها، أي النظام الأسدي أو الروسي.
لقد فضح الائتلاف تكوينه المشوه، وأظهر عمق وأصالة التركيب التسلطي والاستئثاري فيه بصور فاقعة من خلال إعادة التجديد لمعظم أعضاء الهيئة السياسية تعبيرًا عما وصل إليه الحال من انغلاق، على عكس المرات الماضية التي كان يجري فيها التطعيم بنسبة لا تقل عن النصف، في تعبير، ولو شكلي، عن تجديد الدماء وتطوير الأداء، والوفاء للمهام الكبيرة المنوطة به.
في السياق نفسه ماتزال العطالة قائمة في الهيئة العليا للمفاوضات، وما زال موقعا نائب الرئيس وأمين السر شاغرين، بسبب عقدة المستقلين الجدد، وكلنا يتذكر الردح على الإعلام والفضائيات الذي مارسه نصر الحريري، المنتهية ولايته، حينها، ردًا على المعضلة الجديدة التي أثارت حتى أزمة بين الداعمين الدوليين، وشهدنا فصولًا متعددة لها، آخرها انسحاب بعض الشخصيات من المستقلين القدامى، ما يعبر عن تهافت مخجل يصب في المآل في مصلحة النظام المجرم، ليس إلا.
السؤال المحرج والمطروح بقوة لماذا يطالب هؤلاء النظام بالانصياع للإرادة الشعبية، ولماذا يزعمون زيفًا وكذبًا أنهم يمثلون بديلاً ديمقراطيًا عنه، وأسئلة أخرى كثيرة ومشروعة تدور في الأذهان من وحي ما وصلنا إليه في هذه الكوميديا السوداء.؟!!
لم نكن نرغب في الخوض في هذا الأمر إلا بعد أن تجاوزت الحالة العامة للمعارضة، المسبقة الصنع، كل حدود المعقول، وكل منطق مقبول، أمام تضحيات الشعب السوري، الذي حولها هؤلاء سلعة، مجرد سلعة، في بازار أحلامهم وأوهامهم.
النتيجة الحالية مرتبطة تمامًا وبشكل وثيق في طبيعة نشأة وتكوين هذه الأطر، حتى منها تلك المتنافرة مع الائتلاف والبعيدة عنه، ولكنها تحمل ذات الأمراض، وهو ما يشكل عطبًا ذاتيًا يصعب تجاوزه مع هؤلاء. اتقوا الله، وكفاكم مهازل.