قراءه في رواية. رقصات التيه

أحمد العربي

 تبدأ رواية رقصات التيه للكاتب سامي معروف مع بطلها ناجي اللبناني الخارج من السجن بعد عشرين عاما .قضاها عن جريمة قتل زوجته. وواقع حاله أنه لم يقتلها وإنما وضع في ظروف الجريمة. وكان هو من دفع الثمن.. يتقبل واقعه ويعود للحياة بعد السجن نصيرا للسجناء وقضاياهم .يلتحق بإحدى الجمعيات الخيرية التي تعتني بذلك. سيلتقي بصحفية تغطي اعتصام اهل السجناء لتحسين شروط سجنهم الانسانية والخدمية. وتأخذ منه حديث ويحس اتجاهها بالود والتفاهم.. وعندما يسألها عن اسمها سيجد انها تحمل اسم زوجته الكامل.سحر سالم. الماضي يحضر بقوة امامه.. يستحضر زوجته الجميلة اللعوب والتي لم تقبل به الا بعد ان حملت من علاقاتها المفتوحه . ووجدته زوجا يمكن أن يستوعبها ويستر عليها. وهذا ما حصل . ولكن هناك من لم يقبل . وقتل الزوجة وبقيت الوليدة . التي تبناها خالها . مع ولديه الاثنين وأصبحت ابنته .والتي علمت في بداية وعيها انها ليست ابنة خالها . وان امها ماتت وان اباها بالسجن.. وبعد ذلك يسجن أخاها هاني اثر مظاهرة. ويخرج بعد ثلاثة أشهر معاديا للدولة بعد أن جرحت كرامته وظلم.. ستجد سحر ان قضيتها العمل لإصلاح أمر السجون . واحترام إنسانية السجناء .وعدم خلطهم بتنوع جرائهم بحيث يصنع مجرمين جدد . والمطالبة بعدم تعذيبهم . ومراقبة السجن الذي يحوي كل الموبقات . من مخدرات ودعارة وقمار وكل ما يمور داخل الواقع الاجتماعي من فساد وخطأ… ستجد أن السجن صورة الواقع . ففيه المحسوبية والظلم والتمييز . وفيه كل شروط وجود الجريمة ونموها… ستجد بناجي ضالتها وستراه نموذجا تتعامل معه من واقع تجربته وعمله أن يصنعا سويا شيئا ما للسجناء…  الأقدار كان لها رأيها ، الخال الذي عاد إنسانا متدينا يخدم في الكنيسة بعد أن هداه الله. وابتعد عن الرشوة وكل الموبقات الأخرى (حيث كان موظف جمارك) . سيعلم بوجود ناجي ويخاف أن يسترد سحر على انها ابنته . وسحر ستجد بناجي مشروع  حبيب وناجي ستتحرك عاطفته ايضا.. لكن الأحداث ستأخذنا لمتابعات أخرى . تزداد أهمية سحر الإعلامية كمدافعة عن السجناء .ويأتيها تهديدات . وكذلك ناجي الذي يصله كراس لسجين منتحر، يقرأه ونعرف من خلاله كل موبقات السجن . ونطل على قصة سجن صاحبه وأنه قتل زوجته. وان زوجته التي يعتبر أنه قتلها لم تقتل . وهي من سعت مع حبيبها المسؤول الكبير لقتله… وبدؤوا بالسعي للحصول على الدفتر وهدد ناجي وخطفت سحر والجمهور يتظاهر

.تتشابك الأحداث هاني الأخ المتحرك للانتقام ينتقم من الدولة عبر عمليات “نوعية”. وأخيرا يعمل لإنقاذ اخته وينقذها ويسلم نفسه للدولة حتى يسوي وضعه قضائيا.. وناجي وسحر والخال يكتشفوا الأب الحقيقي لسحر تاجر مخدرات وسلاح وجاسوس . اعتقل وقدم اخيرا لابنته رسالة غفران. وعرف قاتل الأم . وناجي وسحر احبوا بعضهم سيتزوجوا. الخال راض عن نفسه كقس في كنيسة (محبة الله).. وسيكتشف النائب وجريمته ويحال للقضاء… وانتهت الرواية

القراءة لم تنتهي بعد.. فعبر رواية طويلة نسبيا.. لم نقف امام الواقع العام كخلفية اجتماعية واقتصادية وسياسية صانعة للجريمة أو مانعتها.. ويظهر وكأن واقع لبنان طبيعي وانه يجب ان يعالج واقع السجون ويصلحها على الطريقة الغربية.. وهذا ظلم للتاريخ. فلبنان كان عبر الفترة المذكورة موقعا ومعبرا لصراع دولي واقليمي ومحلي . راح ضحيته مئات الآلاف . وما زال يدفع المزيد.. تغييب ذلك نقصا قاتلا في الرواية… وأيضا في الرواية كل الشخصيات مسيحية. وان البقعة الوحيدة المضيئة فيها هي الكنيسة وقسها ورعيتها وحيث يوجد الله. كل ذلك وكأنهم موجودون في مجتمع منفصل. ولا يوجدون في النسيج اللبناني المتمازج طائفيا ودينيا واثنيا  وعبر قرون.. وهذا أيضا عيب آخر . وفي الرواية عودة للتدين وهذا حق واقعي وفكري وفي الرواية أيضا. لكن يحمل داخله إيمان غيبي بالتسيير وان كل شئ مكتوب علينا . وعلينا أن نقبله. ونثق بالعدالة الإلهية…؟!. وكل نهايات الرواية جيدة لواقع مأساوي. لكن المأساة هي المستمرة . النهايات الجميلة أحلام وكوابيس المظلوم… وان كل ما يحصل وحصل عمل رباني .. وان كشف الحقائق وتسيير الحياة فعل خارجي عن ذات الإنسان وفاعليته.. وان القبول هو الأساس وان التكيف هو أفضل ما نعمل.. وهذا ما نختلف معه، بغض النظر عن اي فهم خاص للدين “أي دين” الذي يؤسس لهذه الرؤية.. هناك مظلومية . وواقع خاطئ كتفاوت اجتماعي واقتصادي. وهناك قوانين طائفية .وهناك هيمنة طرف على أطراف. وهناك تدخل  من قوى إقليمية ودولية في لبنان. ماذا عن سيطرة حزب الله ووجود الثورة الفلسطينية والحرب الأهلية والوجود السوري وموبقاته . وتدخل (إسرائيل) قبل وبعد. ومنعكسات ذلك كله وللان على الحياة في لبنان… السكوت عن كل ذلك ظلم للدين (اي دين) .وظلم لله جل جلاله وتحميله أخطاءنا. وعدم توضيح حقيقة السياسة الصانعة الاولى للموجود في لبنان بكل التفاصيل السيئة خاصة

.المحزن ان الرواية حديثه وأنها من المفترض أنها محملة بروح الربيع العربي.. الحرية والمكاشفة. لأنها كان يجب أن تكون صوتا عاليا من اجل الحرية والكرامة والعدالة وانتصار انسانية الانسان على كل ظروف قهره وظلمه . في دولة المواطنة والديمقراطية لكنها لم تكن كذلك مع الاسف…

11.5.2014…

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

  1. رواية “رقصة التيه” للكاتب الروائي “سامي معروف” قراءة جميلة وتعقيب موضوعي من الكاتب “احمد العربي” الرواية حديثة بالرغم من ذلك لم تتطرق لهموم ومعطيات الربيع العربي، الرواية تتحدث عن ناجي اللبناني الذي خرج من السجن بجريمة قتل زوجته، تتحدث عن الوضع الإجتماعي وتخيله لزوجته وأحداث متعاقبة .

زر الذهاب إلى الأعلى