قراءة في رواية سراديب النهايات

أحمد العربي

هذه الرواية الثالثة التي أقرأها للكاتب المفكر. عبد الاله بلقزيز. وكلها تدور حول التحولات المجتمعية التي اصابت المغرب العربي وناسه…

تبدأ الرواية بالتركيز على الريف المغربي في ثمانينات القرن الماضي. عبر التحدث عن بلدة بن جرير التابعة لمدينة مراكش المغربيه. مركزة على اسرة الرحمانيه. حيث توفي الوالد وترك الاولاد برعاية اخوهم الاكبر عبد الرحمن. تركهم وعندهم ارض من ستة هكتارات يعتمد اهلها على زراعتها والعيش من منتوجها. لكن ذلك لم يكن بالامر اليسير. فعبد الرحمن مسؤول عن معيشة اخويه عبد الرحيم ومهدي. واخته صفيه ووالدته. اما اختيه الاخرتين فقد تزوجتا واصبحتا من مسؤولية ازواجهما.. عبد الرحمن فلاح ابا عن جد. وعلاقته بالارض علاقة وطيدة. وخاصة ان وصية الوالد كانت التمسك بها والعمل بها وعدم التفريط بها باي شكل من الاشكال… لكن ذلك لم يكن ممكننا. فالارض لم تعد تقدم من اسباب العيش الا القليل. فالامطار شحت والمواسم الزراعية جدبت. وزاد من المشكلة. ازياد حفر آبار الماء التي ادت لتناقص مخزون المياة الجوفية. فمن آبار بعمق عشرات الامتار. اصبحت عبر سنوات تصل لمئات الامتار. وهذا ساهم في مزيد من الجفاف ونقص المياة وزيادة التكاليف باستخراجها. مما دفع كثير من الفلاحين لهجرة الارض وبيعها. وتوسعت ظاهرة الاقطاعيين. بضياعهم الكبيرة وآبارهم العميقه. وزاد الحالة سوءا. ماتحفره القطع العسكرية المجاورة من آبار واستهلاك المياه بشكل عشوائي… كل ذلك انعكس على عبد الرحمن واسرته. ولولا عهد قطع للوالد لكان باع الارض. لكنه اتفق مع جار له بالارض يملك بئرا من الماء ان يصنعا شراكة. منه الارض والعمل ومن العياشي الماء ويقتسموا الموسم مناصفة. وكان هذا الحل اهون الشرور. رغم استمرار الفقر والعوز لكنه اقرب للسترة والعيش بالكفاف.. عبد الرحمن اهتم بتعليم مهدي اخيه. ودفع به ليكمل دراسته الجامعيه في مراكش. وتحمل كامل المسؤولية عنه. اما الاخ الاخر عبد الرحيم فقد بحث عن فرصة عمل في مدينة اخرى. وتنقل بين عمل في محل تصليح سيارات. ومن ثم في متجر. واخيرا اتته الفرصة وحصل على فرصة عمل في فرنسا في مزارعها… ولم تستقر الحياة برغم قساوتها على عبد الرحمن. فجارة الاقطاعي العياشي يريد ان يشتري منه الارض. ولكنه يرفض. وسرعان ما طلب منه فض الشراكة وهذا يعني ان تعود الارض للبوار. ولزراعتها بموسم يعتمد على المطر. ويكون واردها ضعيفا. هذا ان جاءها المطر ذلك العام… وخيره ان يبيع الارض لكنه رفض.. وكذلك اخاه عبد الرحيم. اما اخاه مهدي فكان وضعه اسوأ. فقد تعرف على صحبة سيئة. ادت ان يتورط بتعاطي المخدرات أدت لتراخيه بالعلم. وللعمل بتجارة المخدرات . وأدت اخيرا للقبض عليه وسجنه. وهذا سيسبب كارثة للاهل. وخاصة الوالده. وابقى خبر سجنه سرا. وادعوا انه سافر الى ايطاليا ليعمل هناك… سيكون سجن مهدي عبئا جديدا على عبد الرحمن. فعليه ان يزور أخيه أسبوعيا وان يأخذ له من المال والحاجات الكثير. وخاصة ان الاخ لم يكن قد تخلى عن مصابه. وتحايل على اخيه ليعطيه مالا من اجل استمراره بتعاطيه للمخدر.. وكان لعبد الرحمن صديقا مخلصا هو الاستاذ محمد. الذي جاء الى بن جرير منذ زمن بعيد. وكان نموذجا انسانيا ومطلع سياسيا واجتماعيا. واغلب ابناء البلدة المتعلمين تتلمذوا على يديه. كان ينصح عبد الرحمن فيما يتعلق باخية مهدي. وكان يعلم باستمرار تورط مهدي بالمخدرات. ويعلم ان اغلب من تعلم وكان متميزا سلك طريقا انتهازية  في الحياة. فاغلب من تفوق علميا فقد التحق بالحكومة وصار من ازلامها.. وكان الاستاذ محمد يعرف ان البلاد موزعة بين كبار الملاك والسلطة. كملكية وثروة وتحكم. وان اغلب الشعب يعيش في فقر مدقع. وكان يحب عبد الرحمن وتفانيه في سبيل العائلة. وخاصة ان عبد الرحمن لم يلتفت لنفسه وصار قريب الاربعين من العمر ولم يتزوج. وكانت في نفسة ذكرى حبيبة منذ ايام المراهقة والدراسة. لفتاة رافقها ايام الدراسة الابتدائية. فهي استمرت بالتعلم واصبحت بعد حين طبيبه. وهو فلاح يتذكرها ويتحسر على حاله. وهو الان يتعرف على ابنة متصرف ارض للإقطاعي الذي حاول اجبارة على بيع الارض. واحس اتجاهها ببعض الحب وفكر بالزواج منها. لكنه اكتشف انها وقعت ضحية لتلاعب ابن الاقطاعي. وأخذ يلتقي بها سرا في أماكن خاصة. وفضح الامر وتشوهت سمعة الفتاة. وخرجت من نفسه ومات حلم الزواج مجددا… واما موضوع الارض فقد جاءة عرض بان يؤجرها لعشر سنوات وتسور ويحفر بها بئرا وتزرع بالاشجار المثمرة. ويأخذ اجرا سنويا يعيله على معيشة الاهل ومساعدة اخوة السجين الذي حكم خمس سنوات. ولم يكن امامه الا القبول وخاصة انه سيكون عاملا بها وبأجره. وبعد ان استشار اخاه المهاجر لفرنسا عبد الرحيم. الذي لم يمد يد العون ويساهم بحفر البئر وزراعة الارض… وأجرها وحولها مع العمال لشبة جنة. اعطت لحياته معنى وراحة ولو الى حين… واما اخاه عبد الرحيم المسافر الى فرنسا فكان يعيش كفلاح هناك. حياة قاسية ويعمل ليوفر مبلغا من المال. ليعود بعد حين ويفتح متجرا في المغرب. وتعرف على فرنسية كريستين. تعمل مثله في نفس المزرعة وتزوجها. وانجب منها طفلة يارا. وكان يزور الاهل متباعدا ولم يساهم بمساعدة الاهل الا بالقليل. ولكن حياته تغيرت عندما تعرف على الشيخ ابو عبيده في جامع بوردو في فرنسا. ابو عبيده الذي كان جزء من شبكة الجهاد العالمي والوقت في منتصف التسعينات. بعد تحرير افغانستان . وخروج السوفيبت وسيطرة طالبان. وحل مشكلة البوسنا وانتهاء الصراع بها بقرار دولي.. عبد الرحيم سيلتزم مع الشيخ ابو عبيده. وسيقسم له على الولاء والطاعه. وسيرسله في مهمات عده. سواء لتوصيل الرسائل او المال او الاغاثه. وسيساعده على التعرف على زوجته الثانيه البوسنيه المسلمه فاطمه. وسيبعثه الى باكستان وافغانستان. وسيغطي عمله بتحويله لتاجر بالالبسة الاسلاميه. وسيرسله الى المدينة المنورة. ليوصل رسالة وسيقع تحت التحقيق. وليعلم بعدها انه ضمن شبكة معقدة تتحرك بالملايبن. ويخاف على نفسه. ولكنه يستمر بالعمل مع ابو عبيده. الشيخ ذي الاصل الجزائري المجاهد في افغانستان والجزائر والبوسنا. واصابته وبتر ساقه وتحوله للدعوة … ستكبر تجارة عبد الرحيم وحركته. وسيفتح متجرا له في المغرب ليستفيد تجاريا. ومغطيا حركته الدعويه مع ابو عبيده. كما في فرنسا .. وسيتردد الى المغرب. وسيحضر زوجته البوسنية. وستكون بلسما لاخته صفيه التي تعلقت بإبنته يارا. ثم بزوجته فاطمه الحامل والتي ستنجب له ولدا سيسميه اسامه.. اما حياة عبد الرحمن فلم تستمر ميسرة في مزرعته. فالامن يستدعيه. ويسأله عن المستأجر. وليعلم انه مسجون وانه متهم يتجارة المخدرات. وسيحكم بعد ذلك عشرين عاما. وسيرتبك خوفا على المزرعة وتمويلها. وسيساعده اخاه عبد الرحيم بالتكاليف.. وبالنسبة لعبد الرحيم سيصله خبر ان الشيخ ابووعبيده معتقل عند الفرنسيين. وانه قد يخبر عنه وليكن حذرا.. وسيتذكر انه كان وسيطا في كثير من الاعمال ونقل الرسائل والمال. واحس انه اصبح تحت الخطر… حاول ان يتأقلم مع عدم عودته لفرنسا وان يستقر بالجزائر حتى يتبين امره وامر شيخه…

.تنتهي الرواية بخروج مهدي من السجن بعفو ملكي.  وباعتقال عبد الرحيم من ببته في صباح يوم كان يعد نفسه للذهاب لصلاة الفجر…

.الرواية قراءة متشعبة لواقع انساني معاشي وسياسي. يكاد يكون متماثل في كل البلاد العربيه. فالانسان العربي البسيط. المتشبع بافكار الخير والعمل الصالح والتفاني العائلي و الاجتماعي اصبح من النوادر. والتغيرات العالميه بما يتعلق بالجهاد الاسلامي الذي استخدم دوليا. في فترة ما. ثم تحوله لعدو ومطاردته ووصمة بصفة الارهاب المستمرة حتى الان.. التخريب المجتمعي الذي ظهر بالتغير المناخي وضياع الثروة النباتيه. وانتشار المخدرات واباطرتها. وانتشار للاقطاع السياسي والزراعي والتجاري كممتص لدماء الناس. واستمرار الناس في حياة العوز والتخلف والجوع والقهر غياب الحاجات الاساسيه لنكون بشرا اسوياء…

.ستتوالى السنين عن زمن الرواية وستحصل تفجيرات امريكا في 2001. ثم احتلال افغانستان والعراق بعدها. وستستمر بلادنا العربيه رازحة تحت سيطرة حكومات مستبدة تابعة للغرب ومصالحه. ومستغلة للشعب وقاهرته ودافعته للثورة.. التي ستأتي عبر الربيع العربي.. منذ 2011. وستتم هجمة مرتدة على هذا الربيع. واسقاطه وعودة شعوبنا لعبوديتها السابقه في بلادنا كمزارع للحكام والقوى الدوليه المهيمنه. ووراءها مصالحها مع الكيان الصهيوني في فلسطين العربيه… وزاد على ذلك خلق الصراعات البينيه مجتمعيا. طائفيا واثنيا ودينيا.. وان نقتل بيدنا… وان نتشرد.. وان ندخل في المجهول لسنوات كثيرة قادمه..والصراع ما زال مستمرا…

9.6.2016…

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

  1. رواية “سراديب النهايات” للكاتب والمفكر المغربي “عبد الإله بلقزيز” قراءة جميلة وتعقيب موضوع من قبل الكاتب “احمد العربي” الرواية تتحدث عن التحولات المجتمعية التي اصابت المغرب العربي وشعبه، لتبدأ الرواية من بداية الثمانينيات القرن الماضي، عن بلدة بن جرير التابعة لمدينة مراكش المغربيه.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى