سعود السنعوسي روائي كويتي متميز جدا، قرأنا له ساق البامبو وفئران أمي حصة.
ناقة صالحة رواية تعتمد أسلوب الخطف خلفا السينمائي، تبدأ من حدث حصل في عام ١٩٤١م، حيث جاء الشيخ محمد واجيره إلى مدينة الكويت من عمق الصحراء المحيطة، يشتري بعض الحاجات المفتقدة في الصحراء، كما يزور قبرا داخل المدينة بشكل دائم. وعندما سأله أجيره ما قصة القبر الذي تأتي إليه دوما لزيارته ؟. اجابه قاصا له حكاية ناقة صالحة. أخبره أن قبيلة آل المهروس وقبيلة الاسمر المتواجدتان في الصحراء الممتدة في الجزيرة العربية لتصل الى الكويت على الخليج العربي. هناك تزوج والد الطفلة صالحة ابن قبيلة آل المهروس وامها المنتمية الى قبيلة الاسمر، أنجبا صالحة طفلة تعيش وحيدة والدها، والدتها التي توفيت اثناء ولادتها، لذلك كانت تُسمى صالحة إبنة ابيها، ولها عم يكبر والدها، لديه اولاد ذكور أكبرهم صالح، ويصغره فالح، ولها ابن خال اسمه دخيل. دخيل يعيش بداية شبابه راعيا لجمال ورثها عن أهله الذين ماتوا جميعا، كان يلتقي بصالحة ابنة عمته منذ صغرهما، نشأ بينهما عاطفة كبرت معهما. كانا يلتقيان ويتحدثان، توطدت علاقتهما ومشاعرهما لقد احبا بعضهما. كان صالح وفالح ابناء عمها يراقبون حال دخيل وصالحة، كانا يحبان ابنة عمهم ايضا. صالح حقد على دخيل منذ الطفولة، وكان مدللا عند والده، و كان يميّزه على إخوته، رغم تميز فالح عنه في كل شيء. نشأ الاخوة وفي قلوبهم ضغينة باتجاه بعضهم. عندما نضجت صالحة تقدم دخيل ابن خالها وطلبها زوجة له، لكن عمها طلبها لابنه صالح، و قال هي له منذ طفولتهما، وافق الأب دون مناقشة.( في الصحراء الأعراف تعطي السلطة للأخ الأكبر، الأولوية في تزويج البنت إلى اولاد عمها، إضافة لأن الفتاة لا تُستشار في أمر زواجها، كان هذا قديما، وقد يكون في بعض المناطق مستمرا إلى الآن، وقد اصاب هذه العقلية بعض التطور والتعديل، كلما تغيرت الحياة وشروطها من تعليم المرأة وعملها). كان ذلك قاسيا جدا على نفس صالحة ودخيل ولكن لا حل بيدهم، فأمر الاب ينفذ دون اي مناقشة أو اعتراض.
كان لصالحة ناقة تحبها وترعاها منذ طفولتها، الى درجة تسميتها ناقة صالحة، في احدى المرات كانت صالحة ترعى ناقتها، التقت براع مع جماله، توجهت الناقة الى القطيع، لحقتها صالحة لتعيدها، وعندما وصلت اعجبت صالحة الراعي الذي استغل بعدها عن مضاربها فاغتصبها. فُجعت صالحة بما حصل معها، كتمته داخل نفسها ولم تخبر أحدا، كان ذلك قبل زواجها من صالح ابن عمها بحوالي الشهرين، أنجبت صالحة طفلها بعد زواجها بسبعة أشهر، قالوا أن الطفل ابن سبعة أشهر، لكن صالحة كانت تعرف أن الطفل ابن ذلك الراعي الذي اغتصبها. استمرت صالحة تعيش مع صالح وقلبها مع دخيل ابن خالها. كذلك دخيل كان دائم التفكير بحبيبته التي صارت زوجة غيره.
في ذلك العصر كانت الجزيرة العربية موعودة بتغيرات سياسية، فقد تحالف ابن سعود مع آل الصباح في الكويت وجاء ليسترد الحكم من آل الرشيد، حصلت حرب وكانت قبيلة آل المهروس متحالفة مع ابن سعود، والتحق بها صالح زوج صالحة، كذلك أخوه فالح، ذهبا للحرب وهناك أصيب صالح برصاصات قاتلة، مات على اثرها، عاد فالح الى دياره واخبر صالحة بمقتل زوجها وانها اصبحت حرة، وانه يرغب بها وانه يترك لها حرية أن تلتحق به. لكن صالحة كانت تفكر بدخيل ابن خالها وحبيبها. كان مقتل صالح خشبة خلاص لصالحة التي فكت خيمتها وحملت ابنها وامتطت ناقتها وتوجهت الى ديار دخيل حبيبها. سارت في طريق طويل تعثرت وجاء المطر وواجهت الكثير من الصعوبات، كان أسوأها ما حصل من الناقة التي هاجت على الطفل ورفسته وادت لموته، وما كان من صالحة إلا أن انتقمت من الناقة فذبحت لها ابنها امام عينيها، ناحت النقاقة كثيرا وضمرت الحقد والشر على صالحة. وفي ليلة ما قبل الوصول الى مضارب دخيل نصبت صالحة خيمتها ونامت بها لتكمل مسيرها صباح اليوم الثاني، لكن الناقة هاجت عليها وقتلتها هرسا، انتقاما لمقتل ابنها على يد صالحة. في ذات الوقت كان دخيل متوجها الى ديار صالحة بعدما علم بموت صالح، لكي يتزوجا و ينهيا رحلة عذاب طويلة. كان نوح ناقة صالحة على ابنها يشد جمل دخيل إليها، ويصل دخيل ليجد صالحة مقتولة وآثار دمها على جسد الناقة. حزن كثيرا. وقرر أن ينقل رفات صالحة الى الكويت من أجل دفنها هناك، فقد كان يعاني بأن قبر أبيه ضائع في الصحراء. وبالفعل يدفن صالحة في الكويت، واستمر يزورها بشكل دائم، وفاء لحب لم يستطع أن ينجح. الشيخ محمد هو نفسه دخيل، والقبر هو قبر صالحة، وحب لم يمت، مازال يشد دخيل الى قبر حبيبته اربعين عاما.
هنا تنتهي الرواية.
في تحليل الرواية نقول:
٠ نحن أمام رواية تتحدث عن حب لم يتحقق، وتحول لحكاية حب مثل عنتر وعبلة وجميل بثينة وغيرهم. حب قائم على التضحية والصبر والوفاء، ويستمر الى عشرات السنين. لكنه حب مقرون مع الفجائع دوما، ونادرا ان ينجح، وكأن اقدار الحب هو أن تكون الصعوبات والآلام والفقد والحرمان أقداره. حب مستحيل يستحق التخليد.
٠ الرواية تدخلنا الى عالم الصحراء ومواصفات ابنائها، توحدهم مع مداها الممدود، معرفتهم خباياها، قدرتهم على التكيف والعيش في ظروف قاسية جدا. وفق قوانين اجتماعية صارمة وطبيعة، جبروت طاغي لا يقدر عليه إلا ابن الصحراء، ولولا قدرته وتكيفه ونجاحه بالعيش وسط هكذا بيئة، لكان انقرض.
٠ في الرواية دخول في عمق عالم النوق و الجمال وطباعها الأقرب إلى طباع الإنسان. الناقة التي تحب جملها، وتحقد على من يسيء لها، وتنوح على ولدها إن مات أو أصيب او أخذ منها، ذاكرتها التي تحتفظ بكل ما يمر عليها، صبرها في الصحراء، وصبرها على خصمها لتنتقم منه عندما تسنح الفرصة. يظهر ان الصحراء القاسية كيفت الجمال والنوق ليستطيعوا العيش فيها متحملين قساوتها. تماما مثل ابن الصحراء.
أخيرا: هاهو سعود السنعوسي يفاجئنا بتميزه دائما، وكتاباته المختلفة في كل مرّة، هي خارج سياق كتاباته السابقة. إنه الروائي الذي يولد مع كل عمل جديد له وكأنه عمله الأول.
٢٦/٤/٢٠٢٠
رواية “ناقة صالحة”للروائي الكويتي “سعوط السنعوسي” قراءة جميلة وتعقيب موضوعي للكاتب “احمد العربي” الرواية تتحدث عن قصة حب لم تتحقق حب قائم على التضحية والصبر والوفاء، ويستمر الى عشرات السنين. لكنه حب مقرون مع الفجائع دوما، صالحة وقلبها مع دخيل ابن خالها، والمقاربة مع الناقة وإبنها .