ريما بالي كاتبة سورية متميزة، وصلت روايتها خاتم سليمى الى القائمة الطويلة للرواية العربية البوكر لعام ٢٠٢٤م. ولها روايات نشرتها قبلها. و هي أول عمل روائي اقرأه لها…
تعتمد رواية خاتم سليمى في سردها على صوت الراوي أحيانا وعلى لغة المتكلم على لسان شخصياتها المحورية سلمى ولوكاس وسيلفيو شمس الدين. كما أن زمن الرواية المعاش من ابطالها يصل الى حوالي العقدين نهايات القرن العشرين والقرن الذي يليه. هذا غير العمق التاريخي والمجتمعي لحياة ابطالها. من ايطاليا بلد سيلفيو شمس الدين. الى أسبانيا بلد لوكاس وحلب السورية بلد سلمى سيلين الحاصلة مع عائلتها على الجنسية الفرنسية.
ليس ذلك فقط فقد جعلتنا الرواية ندخل عوالمها كالمسحورين. حيث التداخل بين عوالم وحيوات ابطالها بتغير الزمان والمكان. دون أي ضابط من الزمان والمكان، بحيث جعلتنا الكاتبة نتتبع بمهارة حكايتها بشغف ونلتقط خيوط “سجّادة” الرواية ونعيد حياكتها معها في ذاتنا معرفة ومعنى ومتعة…
تبدأ الرواية من لوكاس الاسباني الذي جاء الى حلب اكثر من مرة وفي مطار بيروت التقى بأحدهم أعطاه خاتم سليمى العزيز عليها واستمر برحلته الى حلب التي كانت ضحية “الحرب السورية” ؟!…
أحاول في هذه القراءة لملمة اطراف الحكاية “الرواية” وسردها، لعلني أنجح في اختصار شمس الرواية في مصباح من نور…
البداية :
سليمى منها تبدأ الحكاية وعندها تنتهي.
سليمى فتاة حلبية ابنة طبيب حلبي وجدها أحد شيوخ كار العطارة. والدتها فتاة مسيحية تعرف عليها والدها وتزوجوا رغما عن أهلها. فالزواج بين المختلفين دينيا ومذهبيا ممنوع دينيا عند البعض و عرفا اجتماعيا عند الكل. لذلك خسرت ام سلمى تواصلها مع اهلها، الا علاقة سرية متباعدة بين الأم ووالدتها الجدة. غادرت عائلة سليمى “سلمى” باكرا الى فرنسا وهناك ولدت وكان اسمها الفرنسي سيلين. عندما كبرت عادت إلى حلب واستقرت فيها. احست ان ذاتها متوحدة مع حلب التاريخ العريق والاصالة. دخلت في عالم التحف الفنية والسجاد، لقد زرع فيها هذا التوق جار جدّها في السوق. وبدأت تجمع تحفها وتعطيها الكثير من المعنى والحكايا والعراقة. في مدينة مجبولة على العمق الروحاني لكل الاديان وعلى العرفان والتصوف بصفته جزء من الوجدان العام الاجتماعي…
في مستوى آخر هناك في اسبانيا في زمان يسبق عقودا عن زمن الرواية تواجد والد لوكاس المسيحي الإسباني من أصول أسبانية عريقة. الذي تزوج من فتاة يهودية من أصول مغربية تعود تاريخيا الى ذات مدينة توليدو “طليطلة” الإسبانية ايام طردهم منها مع المسلمين قبل قرون. تلك المدينة التي يتعايش فيها المسلم والمسيحي واليهودي الآن. له اخ اكبر منه وهو الثاني يعيش عقدة الدونية تجاه أخيه. منطوي وخجول، وجد ذاته بعد تخرجه من الجامعة ودراسة الحقوق. من خلال التصوير. كان يحمل كاميرته كل الوقت ويصور كل ما يثير فضوله و ذائقته الجمالية. كان يوم سعده عندما التقط صورة لاحدى عارضات الازياء. وبذلك اكتسب الشهرة. وأصبح مصورا عالميا. كسب المال الكثير وأصبح ثريا. اشترى بيت اشبه بقصر في مدينته وأصبح يقتني فيه كثير من التحف التي حصل عليها من جولاته كمصور عالمي.
كانت زيارته الاولى الى حلب قبل الثورة السورية بسنوات حيث دعته إحدى صديقات سلمى لتصنع دعاية لمصنوعاتها من الصابون الحلبي الشهير. وهناك عرفته على سلمى التي سكنته بحكاياها التي تبهر بها زبائنها عن العوالم التي تربط بين ظاهر وباطن ورؤيا الاشياء واحلام واماني. تضفي الكثير من عالم المعنى لمقتنايتها. وهذا سر نجاحها وقدرتها على تسويق بضاعتها. سلمى اجتاحت لوكاس وجعلته يقتني الكثير الكثير من تحفها. كانت سجادة الاحلام وستة شموع مصاحبة لها أهمها. علمته كيف يدخل عالم الاستلقاء والنوم وانتظار حلم يوحي له بما يجب أن يفهمه…
لقد سرقت سلمى قلب لوكاس ايضا. حاول افهامها ذلك لكنها اعتذرت منه فهي مشغولة بحب شخص آخر تركض وراءه كوهم مستحيل. لكنها متمسكة به بكل قوة واستمرارية ولسنوات عديدة…
انه سيلفيو شمس الدين الايطالي. المولود في إيطاليا في خمسينات القرن الماضي والذي تعمق في دراسة الموسيقى. عزف على الجيتار بداية ثم انتقل إلى القانون عاش متنقلا بين مدن مشرقية عديدة حتى وصل الى حلب واستقر بها واعتنق الإسلام وشكل فرقته الموسيقية الصوفية التي استمرت تعزف موسيقاها ويرقص المولوية على أنغامها على مذهب جلال الدين الرومي…
شمس الدين يكبر سلمى عشرين عاما. لكنها أحبته بعد أن تعرفت عليه وحضرت فرقته لكثير من المرات…
تطورت العلاقة بين سلمى وشمس الدين لكنه لم يعترف لها بحبه. فبادرت هي واعترفت له بأنها تحبه. لكنه لم يعترف بأنه يبادلها ذات المشاعر. بل طلب منها الصبر لمدة سنتين. واعطاها كتاب المثنوي لجلال الدين الرومي لتقرأه وتدخل عوالم المعنى والتصوف. وبالفعل قرأت الكتاب وانتظرت سنتين وعادت تلتقي بحبها شمس الدين. وهكذا أجّل جوابه لها لسنتين متتاليتين وهكذا حتى أصبحت تسع سنوات. حيث جاءها جوابه واعترافه بحبه لها وهو على فراش الموت…
كانت مهل شمس الدين التي يطلبها من سلمى سببا لعدم قبولها ان تحب احدا غيره. والمقصود هنا هو كارلوس الذي صارحها بحبه وصارحته برفضها لكون قلبها متعلق بشمس الدين. ومع ذلك بقي كارلوس متعلقا بأمل بدأن يفوز بحب سلمى…
لم يكن الحب عند الكل سلمى وكارلوس و شمس الدين مانعا ابدا ان يعيشوا علاقات جنسية مع من توهموا يوما انهم يحبونهم. او حتى لمجرد اشباع الحاجة الجنسية الملحة في كثير من الأحيان. ولم يكن ذلك يشكل لدى الكل ذلك الإحساس بالذنب ليس بمعناه الديني، فهذا غير حاضر مطلقا، بل بالإحساس تجاه الحبيب. وكأن الجنس مع الآخر غير الحبيب لا علاقة له مع حب الحبيب…؟!.
نتابع كقراء حياة كارلوس السابقة على مجيئه الأول إلى حلب وبعد ذلك. فقد عاش علاقات جنسية مفتوحة مع الكثيرات استمر بعضها لوقت قصير أما إحداها مع لولا عارضة الازياء التي احبته فعلا والتي استمرت علاقتهم لسنوات طويلة حيث عاشت معه في منزله. فقد احست ان كارلوس بدأ يبتعد عنها أولا بأول جسديا ونفسيا لذلك لجأت الى المخدرات وقررت اخيرا ان تحمل من كارلوس لتنجب له طفلا تربطه بها بشكل مطلق. نجحت بإنجاب الطفل مانويل لكنها لم تنجح ان تعيده لها. كان كارلوس يتابع امله ان تحبه سلمى هذا غير سفره الدائم في كل مناطق الصراع الساخن في العالم…
يأست لولا من كارلوس وان تستعيده. عادت للإدمان على المخدرات. وخاضت معركة قضائية لتبقى حاضنة لابنها مانويل الذي حرمت منه بقرار قضائي خوفا على حياته. حاولت خطف الطفل ولم تفلح ثم القت نفسها من سطح بناء بيت كارلوس وتم انقاذها. ولكن بعد إصابتها بشلل نصفي. وأصبح مانويل تحت رعاية والده وجدته وامّه في مصح تعيش أواخر حياتها متجرعة المها بفقدان حبيبها وابنها وماتت بحسرتهم…
لم يكن كارلوس مهتما بما حصل مع حبيبته السابقة إلا بمقدار واجبه تجاهها في المصح وتجاه ولده امانويل الذي بدأ يكبر ويعي العالم المحيط به.
استمر تواصل كارلوس مع سلمى في سورية التي كانت قد وصلتها رياح الربيع العربي، بما تحوي رفض المظلومين من الشعوب العربية واقع الاستبداد والفساد والظلم والمحسوبية وهضم الحقوق. وانتقلت لتصل إلى كل سوريا و حلب ولو متأخرة قليلا. لكن واقع استجابة النظام العسكرية الوحشية. جعل سورية تدخل في دوامة القتل والتهجير والتدمير. هذا ما حصل في حلب حيث سيطرت قوات الجيش الحر على جزء من حلب الشرقية حيث الأسواق القديمة ومكان محل سلمى. الذي انقذت بعضه. وتم تدمير المنطقة بالكامل تقريبا من النظام وعبر الصراع بين الأطراف التي تكاثرت على الأرض السورية.
نعم لقد بدأت ثورة شعبية والنظام حولها الى مسلحة عبر عنفة الإجرامي و تدخلت قوى خارجية لها مصالحها وأصبحت سورية ساحة صراع دولي كان ضحيته السوريين اولا واخيرا.
حاول كارلوس ان يدخل الى سوريا بعد الثورة يرصد الأحداث و ينقل الصورة كما هي على الأرض للعالم. طبعا وكان أمله أن يلتقي بسلمى التي لم تخرج من حلب هي ولا شمس الدين في السنوات الأولى. لكنه لم يفلح. فقد حصل تفجير على المعبر نجا منه بأعجوبة. وعند محاولته الثانية. وقع في شرك عناصر تابعة للنظام اوصلته الى الاجهزة الامنية السورية التي قايضته بحياته أو أن ينقل للعالم الصورة التي يطرحها النظام عن الوضع في سوريا عن استهداف سوريا والإرهاب العالمي. وبالفعل فعل وانقذ حياته…
عاد الى مدينته الاسبانية يمارس طقوس التمدد على سجادة سلمى مشعلا شمعاتها منتظرا املا يتحقق بأن تعود له حبيبة مستحيلة.
أما سلمى فقد استمرت حياتها في حلب رغم كل المعانة والمصاب الذي أطاح بكل ما تملك. وكان املها متعلق بشمس الدين الذي توقف عن جلسات الموسيقى الصوفية لكنه لم يغادر حلب إلى روما إلا مجبرا في نهاية المطاف. وبعد وقت ليس بالطويل جاء الخبر الصاعق لسلمى عن إصابة شمس الدين بالسرطان. وأنه رغم ذلك سيأتي الى حلب لزيارتها ولقائه بسلمى ذاتها. وبالفعل جاء مع طبيبه ووصل الى بيته الذي وجده مدمر وقد نهبت كل محتوياته. ووجد به اثنين من فرقته الموسيقية يقتتلان قتال الموت. انهما من اطراف الصراع الطائفية في سورية وصلت لهما لوثة الحرب واطاحت بهما. التقى بسلمى واعترف لها بحبه. وأنها عندما قبلت التحدي واستمرت على حبه طوال السنوات السابقة تجاوزت كل الخبرات التي عاشها او سمع بها سابقا. وهناك قال لها ان حبها يكتمل مع غيره وأن ذلك قادم لها او هي ذاهبة اليه…
عاد شمس الدين إلى روما وبعد أشهر توفي شمس الدين وتحررت سلمى من حب مستحيل…
وبعد ذلك علمت أن كارلوس اصيب بحادث كاد يودي بحياته وذلك من خلال ابنه مانويل الذي كبر في العمر وأصبح مطلا على حال والده.
حضرت سلمى إلى إسبانيا وهناك زارت كارلوس في المشفى وعلمت بشفائه بعد ذلك وتحدث لها عن قصة خاتمها المتميز الذي صنعته واعطته لشمس الدين. وان شمس الدين كان قد اعطاه اياه في بيروت في آخر زيارة لم تتم له إلى حلب. وأن ذلك رسالة من شمس الدين إلى كارلوس وسلمى أن يعطوا الحب الذي يعيشونه حقه بالتحقق بينهما وهما في سن النضج في حوالي الأربعين من العمر…
هل ينتصر هذا الحب…؟.
لم تخبرنا الرواية.
في التعقيب على الرواية اقول:
ابدأ بالحديث عن البنية اللغوية والصياغة والقدرة على جعل القارئ جزء من الرواية النص ويصبح معنيا بالحكاية ويتابعها بشغف وينتظر أن تتبلور معطياتها لتنسج سجادة الحكاية الكاملة المبهرة بالوانها ومعناها ورسالتها…
ثم الرواية تحوي تتنوع في موضوعاتها التي تطالها وهي مجبولة مع بعضها في سياق الرواية العام.
الثورة السورية: لقد أرادت الرواية ان تقول بدون توسع أن للشعب السوري الحق في ثورته بعد عقود من الظلم والفساد والاستبداد. وعمق ذلك في بعده الطائفي من قبل السلطة. وان ما حصل بعد ذلك سواء من الثوار أو النظام وحلفائه وكل القوى الدولية كان لصالح كل الأطراف وعلى حساب الشعب السوري وبدمه وخراب بلاده. وهذا صحيح.
حلب: هي أيقونة الرواية التي تشبه التعويذة المستحوذة على وجدان الكاتبة ومن ثم الرواية وبعد ذلك القارئ وهي تستحق. عمقها التاريخي وعراقتها ومجدها الصناعي والتجاري والفني. هي ذات تعيش في وجدان ابنائها بكل حب وولاء. ما كانت وما اصابها عندما قررت قوى الظلام ان تعاقبها وتعاقب أهلها فتدمر أعرق ما فيها وكأن المقصود أن تدمّر هويتها الحضارية الاصيلة كما يدمّر وجودها العياني…
الغرب ممثلا بكارلوس وشمس الدين.
كارلوس نموذجا لابن أوروبا الذي يعمل ليصنع لذاته ومهنته و عمله ومكتسبات ومجد وحضور متاح له ولكل أبناء العالم الغربي بكونهم محميين من دول ديمقراطية تعطيهم حقوقهم وتنتصر لهم في كل وقت. طبعا كأفراد أما سياسات الدول فهي أقرب للمصلحة الاستعمارية وذلك حاصر منذ قرون.
سلفيو شمس الدين ابن الغرب الذي أعاد اكتشاف المعنى والجانب الروحي المفتقد الى حد ما في الغرب الحديث والذي عاد الى الشرق عبر نموذجها حلب ليعطي لروحه حقها…
الحب: لقد كان الحب جوهر الرواية الحاضر كل الوقت. وهو بصفته نور العالم والذات وبوصلة يتحرك الإنسان بوحيها وحتى بوهمها.
لم يسيء للحب انه مكونات كيماوية. نعم كل عملياتنا الجسدية هي كيمياء. لكن ذلك لا يلغي أن الحب مازال سيد العالم الأنقى والارقى والاهم. انه البحث عن التوحد مع الآخر والذوبان به وتحقيق الخلود عبره…
الجسد: لقد استطاعت الرواية أن تفصل بين الحب وبين الجنس. لكن هل هناك فصل ؟ اعتقد ان ذلك مستحيل عمليا، ممكن نظريا. لان الحب بين ذكر وأنثى في عمقه توق للتوحد الذاتي النفسي والروحي والجسدي ايضا.
نعم ان إتاحة العلاقة الجسدية الجنسية بين المرأة والرجل في العالم الغربي المعاصر وسهولته وكأنه وظيفة بيولوجية يصاحبها اللذة. جعل الحب يعود للخلف ويتوارى. ويعود ما يصاحب الحب والجنس من نتائج طبيعية وهي النسل والأولاد واستمرار الوجود البشري.
نعم إن الفصل بين الحب والجنس ومسؤولية الإنجاب أثمر الكثير من المشكلات التي قد تدمر الرجل الزوج والمرأة الام والابن الضحية. وهذا حاضر بالغرب بقوة. كل ذلك يدعو لاعادة الاعتبار لمفهوم العائلة والزواج والأولاد والشرعية العائلية التي تعني غطاء اجتماعي ديني يحمي وينمي. طبعا مع طرح كل رواسب الصراع الديني الغير عقلاني ولا إنساني…
الجانب الروحي المعنوي: تريد الرواية عبر سجادة سلمى وتحفها ومقتنياتها وعبر صوفية شمس الدين وعبر خواتم سلمى أن تعيد الاعتبار للجانب الروحي في الإنسان وأهميته في الوجود. وما انتصار الرواية لأصول ابطالها اليهودي والمسيحي والمسلم الا انتصار لأصلها المعنوي الروحي المتعالي الله الواحد في ذاته وحضوره…لن اطيل… كنوز الرواية كثيرة…
رواية: خاتم سليّمى” للروائية السورية “ريما بالي” قراءة جميلة وتعقيب موضوعي من قبل الكاتب “احمد العربي” الرواية تبدأ من الفتاة “سلسمى” وتنتهي معها ، حيث تبدأ مع لوكاس الاسباني الذي جاء الى حلب لأاكثر من مرة وفي مطار بيروت أعطاه أحدهم خاتم سليمى واستمر برحلته الى حلب التي كانت بالثورة السورية “الحرب السورية” ليتعرف على سليمى و…