عشرة أيام فوق ” صفيح لاهب “……!

محمود خزام

قبل البدء بالموضوع بودي الاشارة الى انها المرة الاولى التي أقوم فيها بنشر صورة من أرشيفي الشخصي / رغم انه يشرفني ان انشر كل يوم صورة تجمعني مع أشجع الرجال وأنبل الفدائيين..!

السبب الأول انها ” شاهد اثبات ” على ما سأذكره..

والثاني لمسح الغبار عن ذاكرة من جاءت بهم الصدفة وغفلات الزمن ووضعتهم في مراكز ليسوا اهلا لها سواء بالقيمة او المعنى..ولا ينطبق عليهم المعيار السياسي والأخلاقي…!؟

بتاريخ22 او23- 9-1985 وكانت الجولة التاسعة لي او العاشرة مرافقا صحفيا واعلاميا للأخ ابو عمار ..بترشيح من الاخ ” خليل الزبن ” رحمه الله مؤسس ومدير المكتب الصحفي للقائد العام.. والاخ “رمزي خوري ” مدير مكتب القائد العام…..

حطت طائرة الشهيد القائد ابو عمار في مطار صنعاء للمشاركة في ذكرى ثورة أيلول / سبتمبر وتفقد أوضاع المعسكرات والمكاتب الفلسطينية بالإضافة الى توجه الأخ الشهيد القائد ابو أياد الى عاصمة اليمن الجنوبي حينها للقاء الرفيق الشهيد القائد جورج حبش والرفيق القائد نايف حواتمة لمتابعة الحوارات الفلسطينية آنذاك..

فجر يوم 25-9 اقتحم ثلاثة مسلحين اليخت ” فيرست ” في ميناء لارنكا القبرصي وقتلوا امرأة واحتجزوا رجلين رهينتين مطالبين بالافراج عن العشرات من المعتقلين الفلسطينيين من بينهم ضباط وكوادر ومقاتلين من الذين اختطفتهم البحرية الإسرائيلية خلال اعتراضها العديد من السفن التجارية التي كانت تقل مجموعات فلسطينية متوجهة من قبرص الى لبنان في غمرة قيام ميليشيات أمل والقوات السورية بمحاصرة مخيمات صبرا وشاتيلا وبرج البراجنة في بيروت….

وقد انتهت هذه العملية باستسلام الفدائيين الثلاثة / كانوا تابعين لقوات ال 17 التابعة لجهاز الأمن الفلسطيني الخاص وقتها../ الى الأمن القبرصي..

وكان في مقدمة قتلى المجموعة الإسرائيلية رئيستها ” سيلفيا رافائيل ” وهي أشهر جاسوسة إسرائيلية وكانت مسؤولية عن عملية اغتيال الشهيد ابو حسن سلامة ( قائد ال 17 ).حينها في 22 – 1-1979 في بيروت..

جن جنون العدو الإسرائيلي وحملوا أبو عمار وباقي القيادة المسؤولية وهددوا علنا لأنهم سيلاحقون عرفات في كل مكان..

اعلن ابو عمار ومعه ابو أياد حالة الطوارئ في كل المواقع الفلسطينية في اليمنين واعلنت معها القيادة اليمنية في صنعاء وعدن أيضا حالة الطوارئ بعد أن ابلغهم ابو عمار توقعاته بأن يكون الهجوم الاسرائيلي ضد المعسكرات والمواقع الفلسطينية في البلدين..

واصل ابوعمار وابو أياد وباقي القيادات الفلسطينية هناك الليل بالنهار..

تحركات وتغييرات لوجستية على الأرض

/ يومها شاهدت بعيني بدموع من الفرح مجموعة كبيرة من طيارينا المقاتلين الفلسطينيين من بينهم الطيار وليد تميم الذي أقبل علي مسرعا وقبلني وقال لي مش انت من عائلة الشهابي مش عارفني / …. واتصالات سياسية ودبلوماسية شملت عشرات العواصم العربية والعالمية لمنع العدوان الإسرائيلي الذي أيقن ابو عمار حينها انه قادم لا محالة..

في غمرة هذا ” الصفيح اللاهب ” جاء الصحفي بكر عويضة وكان وقتها يعمل في مجلة ” التضامن” طالبا إجراء مقابلة مع الأخ ابوعمار ..قلت له أنت شايف التوتر والاستنفار الذي نعيشه..اجابني : جيت مخصوص وبتكليف من فؤاد مطر لهالموضوع..اجبته، استنى شوي..

دخلت عند ابو عمار وقلت له في صحافي بدو يشوفك..طلع فيني وقال : مش قلتلك ياابو الفهد مفيش مقابلات دلوقت..

وقبل مايكمل اجبته : بس هادا بكر عويضة..ابتسم وقال لي : نادي عليه من الحبايب..

دخل بكر عويضة وقام ابوعمار مرحبا مهللا وبجانبه يجلس الاخ الطيب عبد الرحيم ” رحمه الله “…

جلست أنا بجانب بكر وبيدي قلم وجهاز تسجيل …قبل ان يبدأ بكر بالأسئلة قال له الأخ ابوعمار : ماتسألش كتير يا بكر واختصر..

ابتسم بكر وأخرج جهاز التسجيل وبدأ يسأل ..وابو عمار يجيب..الى ان توقف قليلا وقال للختيار : أخ ابو عمار بصراحة عندي موضوع بالأساس متفق أنا والأستاذ فؤاد مطر ( رئيس التحرير ) ان مشواري لعندك من اجله..

نظر اليه ابو عمار وقال له : شو هالموضوع اللي اهم من هاي الاحداث.. اجابه بكر : النظام السوري وعلاقة به..

فوجئ ابو عمار ..صمت قليلا وقال له اسأل يا بكر مش عشانك عشان العزيز فؤاد..

بدأ بكر بمقدمة بسيطة وقال : ماهو السبب الخفي لحقيقة خلافك مع الرئيس الاسد…صمت ابو عمار قليلا وهز ساقه كالمعتاد وبدا عليه التوتر وقال لبكر : طفي جهاز التسجيل قبل ما اجيبك .احتج بكر وأجاب : ليش الأخ ابو الفهد ما بيطفيش المسجل اللي معاه..

ابتسم ابو عمار وقال له : هو ابو الفهد بيشتغل معاكو في المجلة ولا معايا أنا.. ابو الفهد جزء من عمله هو تسجيل احاديثي وارشفتها ل ” التاريخ والذاكرة الفلسطينية ” ايه نسيت يابكر..؟

وأردف : اسمع أنا مش مختلف مع ابو رغال / يقصد الاسد / على التسوية ولا على قرار 242 او غيره..بالعكس أنا متقدم عليه في الحاجتين..وكمان مش مختلف معاه على تحرير فلسطين…

قاطعه الصحفي : لكان على ايش مختلفين ..؟

تغير وجه ابو عمار وأجاب بصوت قوي : على سوريا يا بكر..على سوريا…

فوجئ بكر وفوجئ الطيب والمفاجأة الأكبر كانت لي ..وفرحت انني شاهد على هذا الكلام…

تابع ابو عمار : هذا الموتور الحاقد يتابعنا ويلاحقنا هو وميليشياته في كل مكان..ليس للسيطرة على القرار الوطني الفلسطيني فقط..بل لانه يعلم ان حضورنا في ضمير ووجدان شعب سوريا العظيم.. أكبر واهم من وجوده هو وحضوره..

هو يريد تدميرنا أول كي يتاح له تدمير سوريا بكل راحة..هذه هي مهمته…

واحنا مش راح نتركه ولا نسمح له بالمسألتين.

من دون سوريا قوية مش حتتحرر فلسطين ومندون مصر قوية والعراق قوي ما بتتحرر فلسطين..انت فاهم ليش أنا مسميه ” ابو رغال “… !؟

بعدين إذا بدك تعرف أكتر عن اجرام الاسد في سوريا..هاي عندك ابو الفهد.. هو ابن سوريا وابن المعارضة الوطنية كمان….!

تابع ابو عمار وابو أياد باقي ايام الإقامة في صنعاء بنفس الجهد والمثابرة..لقاءات شبه يومية مع الرئيس علي عبدالله صالح والرئاسة في عدن..الى ان شعرا بشيء من الهدوء النسبي.

غادرنا بعدها صنعاء لزيارة بعض العواصم العربية الى ان وصلنا العاصمة المغربية..

مباشرة انتقل ابو عمار وابو أياد والطيب عبد الرحيم والسفير الفلسطيني ابو مروان من المطار لمقابلة الملك الحسن الثاني ” رحمه الله “..

امتد اللقاء لساعات..بعد خروجهما لم يكن ابو عمار وابو أياد مرتاحان.ذهبنا لمقر اقامتنا..اتصالات فلسطينية فلسطينية وفلسطينية عربية ودولية على مدار الساعة… لانوم..توتر..استنفار…

في اليوم التالي , ذهب ابو عمار وابو أياد في زيارة ” مغربية ” خاصة..

استغليت أنا وبعض الاخوة ونزلنا مركز المدينة..في تلك الفترة كانت واحدة من هواياتي وما تزال هي شراء الحقائب..

السفر منها وغير السفر…عثرت على واحدة جلدية ولا اجمل اشتريتها..عدنا لمقر الإقامة..لحسن الحظ لم يكن ابو عمار وابو أياد قد رجعا …

ما ان حل ابو عمار وابو أياد في مقر الاقامة لبضع ساعات حتى حملت الانباء الواردة من مدينة طرابلس شمال لبنان بانفجار المواجهات العسكرية لين حركة التوحيد الاسلامي بقيادة الشيخ سعيد شعبان والمليشيات الموالية النظام السوري هناك…

الموقف العام ازداد تعقيدا وكأن هناك ما يحاك لشيء كبير سيحصل…هذا تقدير ابو عمار واستنتاجاته..

في المساء عاد ابو عمار وابو اياد والتقيا بالملك الحسن الثاني..وطال اللقاء حتى منتصف الليل..

الجو العام كما هو..توتر واضح في قسمات الختيار..يسألنا عن احوالنا في الشرب والاكل والاسترخاء..نطمأنه بأننا بخير..ونبادر نحن ونسأله بدورنا عن احواله وآخر المستجدات ..باختصار يجيب ..ما تقلقوش روحوا ارتاحوو…

في الصباح يأتيني الأخ العزيز عادل سلامة وهو من خيرة مرافقي ابو عمار واقربهم مع الغالي فتحي البحرية رحمه الله الى قلبي..ويباغتني : اسمع الختيار عجبته شنتة السفر اللي اشرتيتها امبارح وسأل لمين هاي الشنتة..قلتلو هاي لاخونا ابو الفهد..ابتسم وضحك ..

من فوري قلت لعادل : اسمع روح اعطيها للختيار..اجابني : مستحيل مابقبلش ..

روح أنت قدمله اياها..

غسلت والبست بسرعة ورحت حامل الشنتة ودخلت عند الختيار..نظر لي وابتسم : زوقك حلو يا ابني..خجلت واجبت : مابتغلاش عليك اخ ابو عمار..خلص هاي مني الك ..من ابن لابوه..

اجابني ، على شرط بتنزل حالا ع نفس المحل وبتجيب متلها ولا مش حا خودها روح عند عادل وخليها يعطيك نفس الثمن..اجبته : بصراحة مافي شنته بتشبهها ..رفض يأخذها..قلت له : خلص إذا عنا وقت بروح وبسأل المحل..

اجابني في وقت..عنا لقاء مع جلالة الملك ويدوب نسافر ..اجبته حاضر..

لم اذهب ولم تغادر مكان الإقامة وقلت لعادل ان سألك ..جاوبه اني جبت اختها..!

غادرنا المغرب عند الغروب ..في الطائرة كان ابو عمار كعادته يسجل ملاحظاته الخاصة على دفتر صغير..فجأت تنهد وخاطب ابو أياد : شو رأيك في حاجه كبيرة حتحصل..أبو أياد يجيب : أكيد خللي ايمانا بالله وشعبنا كبير..التوتر واضح عند الاثنين..تتواصل الرحلة ثم نهبط/ واضح انه تكتيك امني / في مطار اسباني..نتابع الرحلة ثم نهبط في مطار أثينا الدولي..يأتي شخصيات فلسطينية ويونانية للقاء أبو عمار…

نتزود بالوقود ونتابع ..نصل مطار تونس قرابة الواحدة صباحا..

مباشرة من المطار للقاء رئيس الوزراء التونسي محمد مزالي ” رحمه الله ” في بيته..

الحوار حامي الوطيس ..صوت ابو عمار يصل لمسامعنا ونحن على أبواب المنزل..

قرابة الثالثة صباحا نصل بيت حكم بلعاوي..يتصل ابو عمار بكل القيادات الفلسطينية لاجتماع صباحي طارئ في مكتبه بحمام الشط…

قرابة العاشرة صباحا تقصف الطائرات الإسرائيلية مقر القائد العام وباقي المكاتب الفلسطينية في حمام الشط جنوبي العاصمة تونس..

ينجو ابو عمار وكثر من أعضاء القيادة من ” مخطط ” محكم التخطيط والتنفيذ..

بعد سويعات..نبدأ بلململة جراحنا ودمنا الأكثر سخونة في تلك اللحظة..ونعد شهداء فلسطين وتونس…ومنهم رفاق العمر والمشوار..تيسير الشهابي وعبد العزيز إبراهيم…

الصورة قبل سويعات من غارات لهيب

لهيب ” الصفيح الساخن “…

المجد لأرواح شهداء تونس وفلسطين…

وللحديث بقية

………………

الصورة….أمام الشهيد ابو أياد كان يجلس المرحوم الطيب عبد الرحيم..

الأخ الواقف ورائي مباشرة مرافق شخصي للشهيد ابو أياد..وهو من عائلة زغموت في مخيم اليرموك…ولا أعرف أين هو الآن..

 

المصدر: صفحة محمود خزام

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

  1. ذكريات مناضل مع قادة وطنيين مناضليين ثوار، ابوعمار/ياسر عرفات وأبو إياد وآخرين، ذكريات غارات لهيب ” الصفيح الساخن “ بتونس، بقصف صهي.وني لمقر القائد العام وباقي المكاتب الفلسطينية في حمام الشط جنوبي العاصمة تونس، المجد والخلود لشهداء الثورة الفلسطينية .

زر الذهاب إلى الأعلى